انتشرت في السنوات الأخيرة ظاهرة القرصنة الإلكترونية، وتفاقمت، حيث لم تعد شبكة الإنترنت مجرد أداة إيجابية للحصول على المعلومات، بل أصبحت تشكل خطورة كبيرة لكل المستخدمين، وتتسبب في تدمير الاقتصاد في بعض الأحيان، وتمس أيضا بأمن الأشخاص من خلال الجرائم الإلكترونية أو اختراق البريد الإلكتروني للأشخاص والشركات الكبرى مثل مايكروسوفت وجوجل، أو قرصنة أموال المستخدمين، فتكنولوجيات الاتصال الحديثة جلبت إليها الكثير من المهتمين منهم من يستعملها لأغراض غير شريفة كاختراق المواقع الشخصية، الشبكات وسرقة حسابات مصرفية، فهل حضرت الجزائر نفسها لمواجهة سلبيات تطور الاتصال الإلكتروني وما هي الخطوات التي تقوم بها في هذا المجال؟. يرى الخبير في تكنولوجيات الإعلام والاتصال السيد قرار يونس أن تطور تقنيات الإعلام والاتصال صاحبته أضرار، منها القرصنة الإلكترونية التي تمس العديد من الجوانب كالقرصنة على البريد الإلكتروني أو تقمص شخصية أحد الأطراف أثناء الدردشة وتبادل المعلومات وإرسال وثائق متنوعة، ما يُحدث مشاكل عديدة للطرف الذي تعرض للقرصنة، ولا يقتصر الأمر على ذلك، بل يتعداه إلى نوع آخر من القرصنة الذي يمس مواقع الأشخاص التي (المواقع) تعبر عن مواقفهم، ومواقع المؤسسات، خاصة المؤسسات المالية والبنوك التي تعتبر القرصنة عليها جد خطيرة، حيث بإلامكان الاطلاع على أرصدة الآخرين والاستيلاء عليها وتحويل أموالهم، خاصة في الدول المتطورة التي تستعمل التجارة الإلكترونية وبطاقة الدفع الإلكتروني. مواجهة القرصنة تتطلب سن قانون"للتشفير" وفي السياق ذكر المتحدث أن درجة خطورة القرصنة في الجزائر قليلة مقارنة بمثيلتها من الدول، خاصة في مجال التجارة الإلكترونية التي لم تشرع بعد في استعمالها، إلا أنه أكد على ضرورة التفكير من الآن في تنظيم هذه العملية وتحصين المواقع وتأمينها، من خلال التطبيق الصارم للإجراءات خاصة ما تعلق بقرصنة البرامج "حيث يبقى تطبيق عقوبات على المخالفين متفاوت رغم أن القانون يمنع أي نوع من القرصنة سواء كانت إلكترونية أو كلاسيكية". وحسب السيد قرار فإن التكتم عن ظاهرة القرصنة وعدم التبليغ وتقديم شكاوي عن حالات القرصنة، خوفا من المشاكل التي قد يواجهها القائمون على الانترنت، يبقى عائقا أمام محاربة هذه الظاهرة. من جهة أخرى ثمن المتحدث قرار الوصاية المتعلق بإنشاء مركز وطني لمراقبة تدفق المعلومات الذي سيكون جاهزا السنة المقبلة "والذي سيضبط أكثر تبادل المعلومات ويحمي المشتركين من أي قرصنة من خلال جمعه كل ممولي الانترنت". واعتبر المختص في المعلوماتية المركز الذي سيتم استحداثه، مركزا ذكيا، يؤمن المعلومات من خلال وضع نقطة التقاء بين مختلف الممولين لمراقبة المحتويات ومنع المواقع غير المرغوب فيها، سواء من قبل الممول أو من قبل الدولة التي لها الحق في الاطلاع على ما يجري عبر الشبكة العنكبوتية، خاصة أن الجزائر "تعتبر الوحيدة التي لها الحرية المطلقة في دخول المواقع واستعمالها". وكشف المتحدث عن مشروعي قانونين سيضبطان العملية أكثر، يجري تحضيرهما من قبل السلطات المعنية، ويتعلق الأمر بمشروع قانون لحماية المعلومات ومشروع قانون آخر حول المعاملات الالكترونية، خاصة أن الجزائر ستنضم للدول المستعملة للدفع الالكتروني، الحكومة الالكترونية ومجتمع المعلوماتية في إطار برنامج الحكومة. ويرى السيد قرار أن نجاح هذه المشاريع يتطلب حماية تبادل المعلومات وتأمينها، وأيضا سن قانون خاص بالتشفير، لأن القراصنة يبحثون عن الثغرات للمساس بالمواقع التى لم يسلم منها أشهر المواقع وأكثرها أمناً. من جهتها قالت باحثة بمركز البحث في الإعلام العلمي والتقني "سيريست" أن القرصنة الالكترونية في الجزائر منتشرة بصفة واسعة، وان معظم البرامج المستعملة من قبل الجزائريين هي برامج مقرصنة، ابتداء من أنظمة التشغيل منها نظام "الونداوس" ومختلف طبعاته المستعملة. وذكرت "للمساء" أن استعمال البرامج غير المقرصنة يعد جد ضئيل في الجزائر، ويقتصر على بعض مؤسسات الدولة والذي يبقى غير كاف"لأن البرامج المقرصنة تباع في الأماكن العمومية دون حسيب أو رقيب وتقتنى بسهولة، كما أن الإقبال عليها واسع نظرا لثمنها الزهيد مقارنة بتلك الأصلية". ويعود ذلك-كما أضافت-إلى عدم استيعاب أهمية الأمن المعلوماتي، والثغرات والعيوب التي تحتوي عليها البرامج المقرصنة والتي تهدد أمن الأنظمة المعلوماتية، بينما يجب -حسبها-"الذهاب نحو المصادر المجانية ""open sources المعروفة بأمنها وإمكانية معرفة ثغراتها. واعتبرت الباحثة أن أحسن طريقة لمواجهة القرصنة هو سن سياسة وطنية لتشجيع هذه الأنظمة الحرة، ووضع مصلحة لأمن المعلومات والوقاية من الاختراقات والهجومات التي تهدد شبكات المعلوماتية الوطنية والتي تمس بوابات المواقع الجزائرية، خاصة أن ما طرأ في السنوات الأخيرة من تطور في وسائل النسخ والإنتاج الالكتروني تجاوز الحدود، حيث تباع النسخ المقرصنة غالبا بأسعار منافسة للنسخة الأصلية. الشرطة تؤكد على وضع تدابير لتسيير مقاهي الانترنت وفي هذا الصدد اعتبر عميد الشرطة بمديرية الشرطة القضائية عبد القادر مصطفاوي القرصنة الالكترونية، جريمة من الجرائم المنصوص عليها في المادة 394 من قانون العقوبات الذي يعتبرها مساسا بأنظمة المعالجة الآلية للمعطيات "وكل دخول إلى نظام معلوماتي وتغيير معطياته أو سرقتها أو تخريبها"، حيث تعالج هذه الجرائم المرتبطة بالتطور التكنولوجي كبقية الجرائم على مستوى الشرطة القضائية، التي تقوم بمعانة هذا النوع من الجرائم والبحث عن المجرمين وتقديمهم أمام العدالة، وذلك بالاعتماد على تقنيات تحقيق حديثة وتقنيين مختصين ومحققين تم تكوينهم في هذا المجال من خلال خمس دورات تكوينية تم تنظيمها منذ2002. ولا يزال الإحجام عن تبليغ مصالح الشرطة عن الجرائم الإلكترونية المرتكبة، عائقا يحول دون التعرف على المجرمين والضحايا الذين يتعرضون للقرصنة، فضلا عما ينجر عن الجرائم الكلاسيكية المرتكبة عن طريق الوسائل التكنولوجية الحديثة للإعلام والاتصال من مشاكل كالترهيب عن طريق رسائل التهديد والرسائل المخلة بالحياء واستعمال التكنولوجيات الحديثة للترويج للإرهاب. وفي هذا الإطار أشار محافظ الشرطة عبد القادر مصطفاوي في اللقاء الذي خص به"المساء"إلى أن مصالح الشرطة القضائية تقوم بحملات تحسيس للمواطنين وتوعيتهم من أجل رفع شكاوي عند تعرضهم للقرصنة أو التهديد، وتمكين الشرطة من التحقيق في الميدان، مؤكدا على ضرورة وضع تدابير تنظيمية تخص تسيير مقاهي الانترنت وتجميد المواقع الإباحية المفتوحة التي تستعمل في غياب الرقابة الصارمة على هذه الأخيرة. القانون في انتظار الشكاوى والتبليغ وحسب الأخصائيين فإن القراصنة الإلكترونيين الجزائريين قلة قليلة على عكس ما يروج عنه، فغالبية من يحترفون القرصنة هم مجموعة من المبتدئين، وعلى هذا الأساس سنت الجزائر خلال السنة الجارية، قانونا للوقاية من الجرائم المتصلة بتكنولوجيات الإعلام والاتصال ومكافحتها، وذلك في خطوة نحو ردع جرائم المعلوماتية، خاصة ما تعلق منها بتسخير الوسيلة التكنولوجية للترويج للإرهاب والدعاية، وبذلك تكون الحكومة قد أخذت أول خطوة نحو سد الفراغ القانوني الذي كان موجودا في مكافحة الجريمة المعلوماتية. ويعد هذا القانون الذي يأتي في سياق مكافحة الإرهاب الإلكتروني بمثابة إطار قانوني مهم يحدد في بابه الأول تعريف وتحديد الجرائم المعلوماتية ثم ينتقل إلى إمكانية الحد منها ومواجهتها بعد أن أصبحت تلك الجرائم من بين الجرائم التي تهدد أمن وسلامة المجتمعات، حيث جاء في 19 مادة و6 فصول تؤكد في مجملها على احترام مبدأ المحافظة على سرية الاتصالات إلا في استثناءات حددها المشروع.