كشف تقرير صادر عن الأممالمتحدة عن أكثر من 1000 مليار دولار كأموال ينخرها الفساد ويحولها عن وجهتها بطرق أو بأخرى جعلت الظاهرة تأخذ أبعادا خطيرة وباتت تشكل خطرا كبيرا على سيادة وسلامة الدول، ما جعل الأممالمتحدة تدق ناقوس الخطر وتحذر من مغبة التماطل في محاربة هذه الآفة التي يظهر أنها ستكون أحسن بديل للإرهاب إذا ما استمرت بالوتيرة التي هي عليها اليوم. تعتبر الجزائر واحدة من هذه الدول لأسباب عدة وباتت مختلف القضايا التي فجرتها العديد من الأطراف تنبئ بحرب ضروس بين العدالة والمفسدين، فمن قضية العقارات والأسواق الموازية امتد الفساد إلى البنوك حيث أحدث ملف الخليفة والبنك الوطني الصناعي والتجاري وقضية عاشور عبد الرحمن ومجمع ''تونيك'' مع بنك الفلاحة والتنمية الريفية وصولا إلى قضايا اتصالات الجزائر وسوناطراك بعد المرور على قضية الطريق السيار شرق غرب ووزارة الصيد البحري، هزة عنيفة في بلادنا جعلت الرأي العام يتساءل عن سر تفشي الفساد الذي من شأنه أن يهز الثقة بين السلطات والشعب وقد يصل إلى حد تهديد سلامة وأمن واستقرار البلاد لأن التجارب في بلدان عديدة عكست الثمن الباهظ الذي دفعته تلك الدول لوضع حد للمفسدين على غرار كولومبيا والبيرو والزايير سابقا، وغيرها من الدول حيث وصل الأمر ببارونات الفساد إلى إنشاء ميليشيات مسلحة ونسج علاقات مع العسكر والقضاة ومختلف دوائر صناعة القرار لحماية أنفسهم وبسط الطريق أمام فسادهم الذي بات المتحكم في كل شيء. وقد أدى انتشار الفساد إلى إعلان حالة الطوارئ عبر دوائر الصحافة والعدالة والمجتمع المدني ورجال الدين لإنقاذ البشرية من هذا الداء الذي سيقضي على الأخضر واليابس إذا لم تتحرك البشرية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه. رقم أخضر وهيئة مستقلة للتقليل من الفساد أكد الخبير الاقتصادي مسدور فارس ل »الشعب« أن الفساد بات منتشرا عبر جميع دول العالم وهناك من يتحدث عن وجود أكثر من 2000 مليار دولار أموال تحول عن وجهاتها المحددة، ولكن الإشكال المطروح حاليا هو في نسب الانتشار والتوغل. واعتبر المتحدث أن الجزائر من أكثر الدول عرضة للفساد خاصة وأننا مرتبين في المرتبة 111 عالميا في مجال شفافية المعاملات والصفقات وهي مرتبة تؤكد مدى الضبابية التي تميز المعاملات الاقتصادية في بلادنا. واعتبر المتحدث أن كل هيئة ومؤسسة في بلادنا بحاجة لمجلس تدقيق في المعاملات والصفقات وتكون مستقلة ماليا وإداريا لتحسين أدائها وحمايتها من أي شكل من أشكال الضغوطات. وفي سياق متصل يرى صاحب الحديث تدعيم تلك المجالس برقم اخضر خاص بالتبليغ عن جميع المعاملات المشبوهة وهذا من أجل القضاء على الفساد في بدايته، أما أن نتفطن دائما عند نهاية العبث بالمال العام ونعجز عن استرجاعه فهذا مشكل آخر أكثر تعقيدا. إقتراح تحفيزات للمبلغين عن المفسدين وطالب بالمقابل بالإسراع في تنصيب المرصد الوطني لمكافحة الفساد ومنحه الاستقلالية اللازمة للقيام بنشاطه لأن ذكاء المفسدين يجبرنا على وضع صلاحيات مرنة تمكن من الوصول إلى جذور الفساد والمفسدين لاجتثاث الظاهرة من الأعماق، موضحا بأن قطاعات الأشغال العمومية والمحروقات والمشاريع الكبرى المجالات الأكثر عرضة للفساد. ومن المقترحات، منح ترقيات وتحفيزات مالية للمبلغين عن المفسدين لأن هذا الأمر قد يساعد على ترسيخ المواطنة ومنه الحفاظ على المصالح العليا للاقتصاد الوطني والبلاد مع حماية المبلغين قانونيا ومعنويا. وبالإضافة إلى ذلك قد يكون للتشهير بالمفسدين ونشر صورهم عقوبة ردعية لكل من تسول له نفسه محاولة العبث بالمال العام وإلحاق الضرر بالاقتصاد الوطني ومنه تفادي وقوع مآسي الخليفة والفضائح الأخرى التي تتابعت على الاقتصاد الوطني. وحول الإجراءات المتخذة لحماية الصفقات من الفساد فقد ثمنها الخبير الاقتصادي ودعا إلى اعتماد طريق التسجيل الالكتروني لمنحها أكثر شفافية، لأن الاعتماد على الطريقة الحالية التي تعتمد على الأظرفة فما يجري من وضعه الملف إلى فتح الأظرفة مليء بالغموض وتستغله عدة أطراف لمنح المشاريع، وخاصة منها العملاقة لشركات معينة على حساب أخرى وبقدر ما يحاول البعض التحدث عن الشفافية في منحها لكن بعد سنوات تنفجر الفضائح وهو ما تحدثنا عنه في قضية الطريق السيار شرق - غرب الذي مر بمراحل غامضة جدا خاصة تطور تكاليف ومدة الانجاز التي جعلت من المشروع يلتهم أموالا قياسية. الفساد أساء لسمعة البلاد دعا السيد فاروق قسنطيني رئيس اللجنة الاستشارية لترقية وحماية حقوق الإنسان إلى رفع مستوى مكافحة الفساد إلى مستوى مكافحة الإرهاب لأن هذه الآفة باتت مهددة لسلامة البلاد، لأن مواصلة الفساد على ما هو عليه الآن سيقضي على كل شيء وسيجعل الدولة مهددة بالزوال. وتحدث نفس المصدر في حديث ل »الشعب« عن تحذيره من انتشار هذا الأخطبوط في تقارير ماضية حيث كان لانتشار الرشوة مؤشرا على امتداد الفساد لقطاعات وبحجم أكبر وهو ما يحدث اليوم فالأفراد الذين يقصدون اللجنة ما فتئوا يشتكون من انتشار الرشوة حتى لاستخراج أدنى الوثائق أو طلب أدنى الخدمات. ويرى المتحدث أن توفر الإرادة السياسية من شأنها أن ينجح مبادرة تنصيب المرصد الوطني لمكافحة الفساد لكن شريطة أن تتكاثف جميع القوى الوطنية لأن ما حدث في الخليفة كبداية وسوناطراك مؤخرا أساء كثيرا لسمعة البلاد حاليا ومستقبلا لأن استشراء الفساد سينفر الأفراد من المجيء للاستثمار في الجزائر. ويرفض صاحب الحديث تحميل القانون المسؤولية لأن القانون المصادق عليه في 2006 يعتبر قانونا ممتازا ويحتاج فقط لآليات تطبيق، فالمشكل حاليا موجود في هولاء المفسدين وليس في القانون وعليه يجب التركيز على الوقاية من ملفات الفساد أكثر من التفكير في مدى نجاعة القوانين من عدمها كما أشير هنا إلى الواقع المزري في مجال مراقبة التلاعبات لقد باتت الفضائح في كل مكان وعلينا التحرك لحماية الدولة، إن الفساد بات ملفا يجب منحه الأولوية القصوى. وفي سياق ذي صلة طالب المتحدث بإلغاء عقوبة حبس الصحفي بسرعة لتمكين هذه الفئة من مواصلة كفاحها لكشف وفضح المفسدين الذين يتربصون بالمال العام ويلهثون وراء ما يسمى بالبحبوحة المالية التي باتت نقمة أكثر منها نعمة، فالجميع بات يتربص بكل المشاريع للنهب وهذا أمر خطير يجب التصدي له. وثمن في سياق آخر مجهودات مختلف وسائل الإعلام في نقل وفضح مشاكل الفساد وما تنقله وسائل الإعلام الوطنية من شأنه التحسيس ورفع مستوى الحس المدني للتبليغ عن أية أمور مشبوهة تخص المساس بالمال العام والمصالح العليا للبلاد. ضرورة تشديد العقوبات تملك الجزائر قانونا مميزا في مكافحة الفساد حيث وبعد المصادقة على اتفاقية الأممالمتحدة لمكافحة الفساد صادق البرلمان الجزائري على قانون مكافحة الفساد في سنة 2006 ويضم هذا القانون إجراءات ردعية شديدة غير أنه لم يفهم سبب انتشار موجة الفساد بعد هذا القانون الذي يظهر أن العقوبات التي تصل في أقصاها إلى 20 سنة لم تردع المفسدين بل شجعتهم على المزيد من الفساد حيث وصول معظم العقوبات إلى 10 سنوات يعتبرونها عقوبة مخففة خاصة وان الوقت يمر بسرعة وعليه قد يكون إدماج عقوبة الإعدام حلا من حلول ردع كل من تسول له نفسه العبث بالمال العام. وذكر القانون أن من أسباب اتخاذ مثل تلك الإجراءات هو تعزيز النزاهة والمسؤولية والشفافية وتسيير القطاعين العام والخاص، مع تسهيل دعم التعاون الدولي والمساعدة التقنية من أجل الوقاية من الفساد ومكافحته بما في ذلك استرداد الموجودات. ومن العقوبات التي نص عليها القانون هو ما ورد في المادة 25 حيث تعاقب من سنتين إلى 10 سنوات حبس وبغرامة مالية من 20 إلى 100 مليون سنتيم كل من وعد بمزية غير مستحقة أو بأداء أو امتناع عن عمل من واجباته. وقالت المادة 27 أن أية مخالفة للتشريعات الخاصة بالصفقات تكلف صاحبها من 10 إلى 20 سنة سجنا. أما المخالفات الخاصة بمنح رشاوى للأجانب والعاملين في المنظمات الدولية فتعرض صاحبها لنفس عقوبات المادة 27 وشأنها شأن اختلاس الممتلكات من قبل موظفا عموميا أو استعمالها على نحو غير شرعي. وتشير المادة 31 إلى عقوبات تتراوح بين 5 و10 سنوات وغرامة من 50 إلى 100 مليون سنتيم في حق كل من يقوم بتخفيض غير قانوني في الضريبة والرسم. أما من يستغل النفوذ ويسيء استغلال الوظيفة ويأخذ فوائد غير قانونية ويتبع طرق للإثراء غير مشروعة ويبيض الأموال الإجرامية ويمول الأحزاب بطرق خفية فيتعرض لعقوبات تتراوح بين سنتين و10 سنوات وغرامات بين 20 و100 مليون سنتيم، وهذا حسب المواد 31 و32 و33 و35 و37 و43 و39 على التوالي من القانون. أما عدم التصريح أو التصريح الكاذب بالممتلكات وإعاقة السير الحسن للعدالة فيعاقب عليه القانون من 6 أشهر إلى 5 سنوات سجنا وغرامات مالية من 50 ألفا إلى 500 ألف دينار حسب المواد 38 و.44 أما الظروف المشددة في القانون فقد وردت في المادة 48 والتي تفرض عقوبات بين 10 و20 سنة على موظفي وأعوان الدولة من قضاة ورجال شرطة في حالة ضبطهم في الجرائم المنصوص عليها. والملاحظ على هذا القانون هو تطابقه مع الاتفاقية الأممية لمكافحة الفساد التي صادقت عليها الجزائر رفقة 140 دولة أخرى غير أنه ومنذ المصادقة عليه ظهرت الكثير من فضائح الفساد وهو ما جعل رجال القانون يتساءلون عن إمكانية تجسيده في الواقع وردع المفسدين به لأن البعض بات يستهزئ بالقانون ويقول بأنه سيختلس أو سيعبث بالمال العام لأن العدالة لن تحكم عليه بأكثر من 10 سنوات سجنا وبعدها سيخرج غنيا وسيستثمر الملايير التي اختلسها، وهي الأفكار التي تكون قد انتشرت بسرعة قصوى بين المفسدين فعوض أن تردع العقوبات هولاء كيفوا فسادهم الأخلاقي بتلك العقوبات التي يعتبرونها جد مخففة بالنظر لما سيقبلون عليه. الصحافة تؤكد على الحياد وتحذر من الإغراءات دعا الصحفي طارق حفيظ من يومية »لوسوار دالجيري« إلى احترام حق الصحفي في الوصول إلى مصادر المعلومات مثلما ينص عليه قانون الإعلام 0790 وهذا لكشف جميع فصول الفساد الذي ينخر البلاد ويهدد سلامتها واستقراراها. وحذر نفس المتحدث في حديث ل »الشعب« من مغبة التهاون في الضرب بيد من حديد جميع من تسول له نفسه المساس بالمال العام لأن ما وصل إليه الفساد حاليا يؤكد وجود اختلالات كبيرة على مستوى المؤسسات المراقبة والمتابعة لشؤون المال العام والاقتصاد الوطني. وأشار في سياق متصل إلى أهمية الإعلام النزيه في مساعدة بعض المخلصين من هذا الوطن لمكافحة الفساد والتصدي له موضحا بأن وسائل الإعلام الجزائرية مطالبة بالحياد والرفض في دخول مع أطراف تريد تصفية حسابات مع أطراف أخرى وهو ما أراه أسلوبا قذرا لأن دور الإعلام يجب أن يكون أسمى وان يعمل على تنوير الرأي العام والمساهمة في الدفاع عن المصالح العليا للوطن دون انحياز لطرف ما. واستغرب المتحدث في سياق آخر طريقة تعامل بعض وسائل الإعلام مع الفضيحة التي هزت شركة سوناطراك مؤخرا حيث لم تحظى الفضيحة بالتغطية اللازمة فمكانة الشركة وتأثيرها على سير المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والرياضية كان من المفروض أن يجعلها تصنع الحدث في كل الصحف غير أن برودة التعامل يعكس بعض الاتهامات الموجهة لوسائل الإعلام بأنها باتت هي كذلك منبرا للفساد ومتواطئا من خلال تفضيلها السكوت وطمس الحقائق في بعض الأحيان وهو ما يجعلنا ندق ناقوس الخطر حول السلطة الرابعة التي إن واصلت على نفس المنوال فمستقبل حرية الصحافة والتعبير سيكون غامضا ومفزعا في ظل تدني مستوى الأخلاق واستشراء الفساد الذي عم كل شيء وهو ما يهدد كيان الدولة والمجتمع. وأشاد في سياق آخر بإخلاص بعض الأطراف مشيرا إلى قضية لقاح أنفلونزا الخنازير والعقد المبرم مع مخبر »جي.أس.كا« حيث قام بعض النزهاء بتزويدنا بوثائق تثبت وجود تجاوزات وهو ما دفعنا لنشر الموضوع بعد التأكد من أنه ليس لمصالح ضيقة أو تصفية حسابات والحمد لله كانت لهذه الخطوة مساهمة في التقليل من الخسائر التي كانت ستتكبدها الدولة وهو ما نعتبره عاملا ايجابيا ومشجعا للمساهمة في دحر الفساد وكشف المفسدين وندعو على مستوانا إلى إثبات الارداة السياسية لمجابهة هذه الآفة من خلال توسيع صلاحيات اللجنة الوطنية لمكافحة الفساد التي أقرها قانون مكافحة الفساد الصادر في 2006 والذي أعتبره بحاجة إلى تعديلات إضافية لتفعيله. كما أن اللجنة الوطنية لمكافحة الفساد بحاجة إلى تعزيز تشكيلتها حتى نتفادى المحاولات التي لم تنجح منذ 1997 لوقف آلة الفساد التي وصلت لدرجات متفاوتة الخطورة. ويتوقع محدثنا فضائح جديدة مستقبلا وهو ما سيجعل المعركة ضد الفساد جد قوية وستسقط العديد من البارونات، وعبر حفيظ طارق في ختام كلامه عن تأسفه من تسبب مدراء كبرى الشركات والمؤسسات في الفضائح لأنهم وببساطة يتوفرون على كل وسائل العيش الكريم ورغم ذلك ضبطوا متورطين في الفسادو إنه أمر غريب فعلا ويصعب تصديقه في زمن انهارت فيه القيم. وبالمقابل أشار محدثنا إلى دور العدالة في هذه المرحلة لحسم قضايا الفساد وتأكيد مسار استقلاليتها ونجاح إصلاحاتها ونأمل أن تترك العدالة تقوم بدورها كما ينبغي.