فتحت أكاديمية المجتمع المدني الجزائري ملف تجريم الاستعمار الفرنسي المتمادي في إغماض العين عن الممارسات الشنيعة على مدى أزيد من قرن، ورفض الاعتراف بها بدعوى تساقطها بالتقادم. وأكد الأمين العام د. احمد شنة في ندوة نقاش بمركز الصحافة ز المجاهدس أن تجريم الاستعمار الفرنسي أمر تتمسك به الأكاديمية وتدرجه في أولوية برنامجها الوطني حتى استعادة الحق المهضوم، اعتقادا راسخا منها أن الماضي ليس فقط رافدا جوهريا لبناء المستقبل وكسب التطور والرقي، بل استرجاع الذاكرة الجزائرية بكل مكنوناتها ومقوماتها وحمايتها من أي طارئ. وذكر شنة بدور المجتمع المدني في الضغط باتجاه انتزاع مطلب اعتراف فرنسا بالجرائم المقترفة في حق الجزائريين بلا توقف على مدى 132 سنة واعتذارها أسوة بسلوك دول استعمارية كثيرة انساقت وراء هذا المسعى فاتحة صفحة جديدة مع مستعمراتها السابقة، منها ايطاليا التي اعتذرت للجماهيرية على الجرائم المرتكبة ضد الليبيين على مدار 39 عاما من الاحتلال، وتحررت من كابوس الماضي وعقدته التي عانت منها طويلا، مثلما اعترف الوزير الأول سلفيو برلوسكيني. وواصل الأمين العام للأكاديمية بنبرة غضب في شرح خطوط البرنامج الوطني المدعم لمشروع قانون تجريم الاستعمار بادر به نواب المجلس الشعبي في 13 جانفي الماضي ، أن السير في هذا الاتجاه يعني تسليط الضوء على كل الجوانب الخفية من التاريخ الوطني إدراكا للقاعدة المقدسة أن من يتجاهل ميراث ماضيه يفقد بوصلته ويضيع. كما انه خطوة في غاية الأهمية لإحداث الترابط مع الشباب المتطلع لمعرفة هويته والمدافع عن ذاكرته الجماعية. ووجدت المبادرة الصدى من المؤسسات والهيئات الجزائرية كونها ترجمة لبرنامج رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة المشدد على ضرورة اعتراف فرنسا عن جرائمها و الاعتذار. لهذا حان الوقت لإدراك الجيل أن له حقوق موروثة في دولة الاستعمار لا تسقط بالتقادم والمجاملات. وان العلاقات التي يتطلع إليها مع الجيران المتوسطين ومنهم فرنسا لا بد أن تؤسس بروح أخرى قوامها مبدأ الاحترام والتوازن الاقتصادي تغيب فيها جروح الماضي وآهاته بعد الاعتراف بالجرام ضد الإنسانية. وهي جرائم يتذكرها الجلادون ببرودة دم وتباهي، ويروونها في مذكراتهم بنرجسية وافتخار. الأخطر أن هناك من تحرك عكس التيار، وراح يروج أفكار غير مؤسسة للمغالطة والتزييف بالادعاء أن للاستعمار الفرنسي رسالة تمدن وتحضر بالجزائر قافزا على حقائق الأشياء وجوهرها رافضا الاعتراف بالجرائم المرتكبة والاعتذار والتعويض. لهذا تضاعفت نضالات المجتمع المدني وانصبت على ضرورة الاعتراف الفرنسي بالجرائم الاستعمارية المرتكبة بالجزائر التي فاقت المعقول بلا متابعة قضائية تذكر.وهي حالة استدعت التحرك البرلماني السريع من اجل إصدار مشروع قانون تجريم الاستعمار الذي تحسس به أيضا لجنة وطنية انشاتها أكاديمية المجتمع المدني وتشكل من مختلف الأطياف الاجتماعية. ومن جهته ذكر النائب عبدي احد الأعضاء البرلمانيين المبادرين بمشروع قانون تجريم الاستعمار وأهدافه وغاياته وظروفه. وتساءل كيف تسمح لفرنسا لنفسها تعويض النازية لها عن الأضرار وتتهم تركيا بارتكاب جرائم ضد الأرمن وتطالبها بالاعتذار، في حين تتنكر لجرائمها الاستعمارية في الجزائر. وذكر كيف كان التجاوب الكبير مع المبادرة التي انصهر فيها الجزائريون وتقبلوها بلا تردد جاعلين منها مقترح الجميع دون انتماء سياسي وتحزب ومشرب إيديولوجي. وذهب مع هذا الطرح نائب مجلس الأمة بوجمعة صويلح. وطالب بواقعية التحرك وعقلانيته وفعاليته بعيدا عن الاندفاعية. وهو التحرك الذي يفرض تحديد الأهداف بدقة ومناشدة الحوار لانتزاع المطلب قدر الممكن وتجاوز سقوط المشروع في الماء. وطالب صويلح اخذ التجربة من التحرك الجزائري السابق لمقاضاة موريس بابون وكيف لم يتحقق المطلب بسبب اعتماد الجهات القضائية الفرنسية على إجراءات تدرج هذه القضايا ضمن القانون العام وليس الجنايات واعتقادها بان هذه الملفات سقطت بالتقادم منذ الستينات.ولم يتغير الموقف الفرنسي حتى بعد إدراج الجرائم الاستعمارية في أحكام القانون الجنائي والعقوبات. ساند الطاهر ديلمي عضو بأكاديمية المجتمع المدني ما جاء به صويلح. وقال أن مشروع تجريم الاستعمار لابد أن يحظى بدعم كل القوى الحية حتى يكسب الرواج والنجاح ويعيد الكرامة الجزائرية.