تمثل مكافحة الظاهرة الإجرامية والحد منها الهدف الأسمى الذي يرمي إليه كافة المهتمين بتلك الظاهرة، وبلوغ تلك الغاية أو الفشل فيه مقياس على مدى نجاح السياسة التجريمية المتبعة داخل المجتمع. وللسياسة العقابية - بحسبانها العلم الذي يهدف إلى استقصاء حقائق الظاهرة الإجرامية للوصول إلى أفضل السبل لمكافحتها - مراتب تبدأ بالمستوى القاعدي المتعلق بشق التجريم من القاعدة الجنائية، فتبحث في مدى تلائم التجريم المقرر من قبل المشرع الداخلي مع قيم وعادات المجتمع، ومدى الحاجة إلى هذا التجريم في الفترة المقرر فيها، حيث تتباين المجتمعات في هذا بحسب مستواها من التطور الاجتماعي والخلقي والروحي. وكذلك تبحث في طبيعة الوقائع المجرمة لتحديد أي الوقائع يجب أن تظل مجرمة؟ وأيها يجب إباحتها أو التخفيف عند القيام بها؟ وأيها يجب أن يصبغ عليها وصف التجريم؟ وإذا كانت المخدرات والتي هي محل الإشكالية في ملخصنا هذا، تصنف من ضمن الأفعال المجرمة قانونا فما هي السياسة التجريمية والعقابية المنصوص عليها في القانون؟ وبما أننا تطرقنا إلى هذا الموضوع، لما يحويه من أهمية كبيرة في شتى جوانبه فاءننا سنستهل مداخلتنا بتساؤل، ماهي السياسة التجريمية والعقابية لظاهرة المخذرات، وما طبيعة جرمها الفعلي؟ وماهو تصنيفها حسب قانون العقوبات، وقانون المتعلق بالوقاية من المخذرات؟ وهل يجوز التجريم بالمخدرات؟ للإجابة على هذه التساؤلات وجب تحديد مفهوم السياسة التجريمية والعقابية: حسب النظريات الكلاسيكية والحديثة وحسب قانون العقوبات: تنتقل السياسة التجريمية إلى الشق الجزائي من القاعدة الجنائية، في مادتها 37 من ق العقوبات كي تقيم العقوبات المقررة قي قانون تنظيم السجون وإعادة الإدماج، وحالات التخفيف والتشديد والإعفاء وسبل التفريد التشريعي المقررة في مدونة العقوبات. بحسب المادتين 39 و40 من القانون سالف الذكر.. ثم تنتهي السياسة الجنائية إلى مرتبتها الثالثة المتعلقة بتحديد أساليب المعاملة العقابية حال التنفيذ الفعلي للجزاء الجنائي داخل المؤسسات العقابية، وهذا بعد وصفها حسب المواد 32، 33، 34 و35 من قانون العقوبات، خاصة ما يتعلق بالتفريد التنفيذي للعقوبة والتدابير الجنائية، وكفالة إتباع أسلوب علمي في تنفيذ الجزاء على المجرم بما يضمن تأهيله وإصلاحه وتهذيبه وإعادة اندماجه في المجتمع مرة أخرى. وهذا حسب المواد 112.113.114.115 من قانون تنظيم السجون وإعادة الإدماج. أفعال مجرمة في السياسة العقابية يتم التوضيح بالأفعال المجرمة في السياسة العقابية، متى توافرت أركان الجريمة فيها (معنوي ومادي) والعلة التجريمية في التقسيم وذلك بحسب قانون العقوبات في مادتها 27. وبما ان ظاهرة المخذرات تصنف ضمن الجنح المعاقب عليها في المواد من 61إلى 96 مكرر من قانون العقوبات بغض النظر عن نتيجتها الحتمية او المحتملة إن كانت تنتهي بوفاة أو إدمان دون وفاة. والذي يرمي للوقوف على سياسة عقابية تختص بها الإدارة في مؤسساتها العقابية، المكلفة بتطبيق ما قد يحكم به القاضي في مرحلة التنفيذ الحكم او العقوبة، بما يكفل تحقيق الأهداف المجتمع في منع الجريمة وذلك من خلال الوقاية منها أو تقليصها إلى أبعد مدى ممكن. ولهذا فاءن الهدف الأساسي في السياسة التجريمية والعقابية للظاهرة لا يقتصر على الحصول على أفضل صياغة لقواعد قانون العقوبات، وإنما يمتد إلى إرشاد القاضي الذي يضطلع بتطبيق هذه الأخيرة. من هنا تظهر أهمية دراسات علم العقاب في السياسة التجريمية والعقابية للافعال المجرمة، حيث يتوقف على هذا العلم نجاح المجتمع في مواجهة الظاهرة الإجرامية. وكأنه إلزامي علينا، والحال كذلك أن نكشف حالات الإعفاء الموضوعية منها والمقررة قانونا، بحسب المادة 52 من قانون العقوبات، وإذا كانت العقوبة قديماً، بحسبانها نوعا من الألم يعادل ويكافئ ما قد وقع من جرم، هي الصورة الأولى للجزاء الجنائي، إلا أنه سرعان ما تبين أن هذا النمط يظل قاصراً عن تحقيق أغراض المجتمع من توقيع العقاب والمتمثل في منع ومكافحة الجريمة، لذا فقد كشف التطور عن نمط آخر من أنماط الجزاء الجنائي ألا وهو التدابير، سواء أكانت وقائية أو عقابية أم علاجية، والتي ظهرت أواخر القرن التاسع عشر على يد المدرسة الوضعية الإيطالية حين قالت بفكرة الخطورة الإجرامية. فكأن هناك تطوراً قد أصاب ما يمكن أن نطلق عليه صور رد الفعل العقابي. ولعلنا لا نبالغ إذا قلنا أن نجاح سياسة المكافحة للظاهرة الإجرامية لجنحة المخذرات على مستوى التنفيذ العقابي يتوقف في نهاية الأمر على أساليب وطرق المعاملة العقابية، المتبعة داخل وخارج المؤسسة العقابية، وقدرتها على إعادة تأهيل المجرم وتحقيق كلاً من الردع العام والخاص والحد من معدلات الجريمة في المجتمع. وهذا بحسب المادة 19 من قانون العقوبات في فقرتها الثانية.فالسياسة التجريمية والعقابية لموضوع المخدرات، تهدف إلى تحقيق الأمن في المجتمع عن طريق وضع القواعد العقابية للأفعال المجرمة، التي تحظر أنماط السلوك التي من شأنها أن تهدد المجتمع بالضرر أو تعرض أمنه للخطر، مع تفريد الجزاء المناسب والمكافئ لما وقع من اعتداء. حالات متعددة والخطر واحد وتتمثل السياسة العقابية والتجريمية لظاهرة المحذرات هي الاتجار أو استهلاكها، بحسب المادتين 12 و17 من قانون 18.04 المؤرخ في 25 ديسمبر 2004 المتعلق بالوقاية من المخدرات والمؤثرات العقلية وقمع الاستعمال والاتجار غير المشروعين بها جملة من الأفعال المادية وأخضعتها للعقاب متى اتصلت بمخدر والتي سيتم شرحها عند قبول الملخص. أولا: التجريم والعقاب في ظل السياسة الجنائية التقليدية أثارت الحالة التي كان عليها القانون الجنائي في أوروبا أقلام الفلاسفة فقاموا بحملة ينكرون فيها قسوة العقوبات وقسوة تنفيذها التي لا مبرر لها. منهم مونتسكيو وجاك جان روسو وقولني حيث اتجهت الفلسفة نحو المادية أو فلسفة العقل وقد انعكس ذلك بأثره على الفلسفة الجنائية حيث شهد الفكر الجنائي في ظل هذه الفلسفة مدرستين من مدارس السياسة الجنائية هي المدرسة التقليدية والمدرسة التقليدية الجديدة حيث أرست الأساس الأول لسياسة جنائية غزت مبادئها التشريعات الجنائية كافة. 01/ المدرسة التقليدية: يعود إلى هذه المدرسة الفضل في تنبيه الأذهان إلى الأساليب الوحشية التي كانت تسود سياسة التجريم والعقاب في القرون الوسطى لذلك هي تمثل الحد الفاصل بين السياسة الجنائية التي قامت على شرعية الجرائم والعقوبات حيث إن هذه السياسة توفر للدولة حقها في اخذ حق المجتمع من المجرم بتطبيق العقوبة عليه وهنا توفر السياسة الجنائية الردع العام والخاص. 02/ المدرسة التقليدية الجديدة: وفي هذه المدرسة اتجهت السياسة الجنائية إلى إحداث تطوير في سياسة التجريم والعقاب بحيث تكون عادلة بمعنى إن تتناسب العقوبة مع الجريمة المرتكبة، ويعود إلى هذه المدرسة الفضل في ظهور الوظيفة الثانية للعقوبة وهي أنها وسيلة للإصلاح. ونظرا لان العدالة التي سعت إليها هذه السياسة الجنائية هي عدالة حسابية فقد عزى إليها فشل التشريعات في مكافحة الظاهرة الإجرامية لان اعتماد العقوبة وحدها وسيلة المجتمع لمكافحة الجريمة أدى إلى إهمال فكرة التدابير الوقائية ثانيا: السياسة الجنائية العلمية للتجريم والعقاب 3 مدارس في الواجهة: إزاء هذا الوضع المتردي وإفلاس السياسة الجنائية التقليدية في الحد من موجه الإجرام وذيوع الفلسفة الوضعية لأوجست كونت بالإضافة إلى ظهور دراسات الإحصاء الجنائي اتجه فقهاء القانون الجنائي إلى المناداة بسياسة جنائية تقوم على أسس علمية واقعية وقد تمخض عن هز الاتجاه عن ثلاثة مدارس للسياسة الجنائية هي الوضعية والتوفيقية والدفاع الاجتماعي 01/ المدرسة الوضعية: اتبعت هذه المدرسة منهجا واقعيا في تفسير الظاهرة الإجرامية إلا وهو التفسير ألسببي حيث إن دراسة أي ظاهرة من الظواهر إنما تأتي من طريق معرفة أسباب وجود الظاهرة وهذا يأتي عن طريق بحث أسباب الإجرام في شخص المجرم ذاته ويتفق أقطاب هذه المدرسة على نفس حرية الاختيار لدى الجاني والاعتماد على مبدأ الحتمية كأساس للمسئولية الجنائية حيث هدف التجريم والعقاب هنا هو الدفاع عن المجتمع مستقبلا ومناط توقيع العقوبة هو درجة الخطورة التي تنطوي عليها شخصية المجرم أي درجة استعداده لارتكاب جريمة مستقبلا نجحت هذه النظرية في معاملة الإحداث المنحرفين حيث أساس البحث في أسباب الجريمة هو شخصية الجاني. 02/ المدرسة التوفيقية: أدت التساؤلات عن مدى كفاية العقوبة كوسيلة للردع العام في مكافحة الظاهرة الإجرامية حتى تيقظ فقهاء القانون الجنائي فتبنوا اتجاها جديدا يهدف إلى رسم سياسة جنائية تضم أفضل ما في السياسة الوضعية والسياسة التقليدية الجديدة واهم المباد التي يقوم عليها المذهب التوفيقي هي الجمع بين رد الفعل العقابي ورد الفعل العلاجي بمعنى الإبقاء على العقوبة على إن يراعى التناسب بين الجريمة والعقوبة بالإضافة إلى ضرورة الدفاع الاجتماعي التي تحققها التدابير الوقائية وتختلف من جريمة لأخرى ومن مجرم لأخر لإرضاء العدالة من جهة ولحماية المجتمع من الخطورة الإجرامية من ناحية أخرى 03/ مدرسة الدفاع الاجتماعي: وهي تمثل احدث الاتجاهات في السياسة الجنائية المعاصرة وهي تسعى لرسم سياسة جنائية اجتماعية إنسانية لمكافحة الظاهرة الإجرامية والانحراف. ترجع نشاه هذه المدرسة إلى تأثر أقطابها بالفكر الإنساني الحالي وحقوق الإنسان وحريته وتدخل علم النفس الجنائي والدراسات الاجتماعية في مجال المجرمين وان الجريمة ترجع أسبابها إلى عوامل داخلية وعوامل اجتماعية وهذه المدرسة تضم مذهبين يوصف احدهم بأنه متطرف وهو مذهب جرافارتيا حيث ينادى بإلغاء فكرة المسئولية الجنائية وإحلال فكرة الانحراف الاجتماعي وإلغاء العقوبات والاستعاضة عنها بتدابير جديدة للدفاع الاجتماعي إما المذهب الثاني فيوصف بأنه معتدل ويقود هذا المذهب مارك انسل حيث يتمسك بالقانون الجنائي أو بفكرة حرية الإرادة كما يعتبر مع التدابير الاحترازية نظاما متكاملا يجمع بين العقوبة والتدابير الاحترازية يعتمد على الفحص الطبي والنفسي والاجتماعي وهدفه إعادة المجرم إلى حظيرة المجتمع وإعادة تأهيله اجتماعيا. كخلاصة لما سبق فاءن السياسة التجريمية والعقابية لجنحة المخدرات قد أدت إلى نشوء علاقات متبادلة بعضها قد يتوافق وبعضها قد يتنافر، بحكم توافق وتنافر الرغبات والمصالح، مما يوجب في النهاية وضع إطار تنظيمي وقائي لهذه الآفة وخطورتها، يضمن منع العدوان واستقرار حقوق المجتمع. وهذا لأن السياسة الجنائية بشقيها الجزائي والعقابي تعد من القواعد التي تهدف إلى تنظيم الإطار الأمني من أجل درء أي عدوان أو عصيان أو خرق يقع على النظام الذي ارتضاه المجتمع، وهذه هي النتيجة الحتمية التي وصل إليها المشرع، والتي فرضها في حق الأفعال المجرمة بصفة عامة، والمخدرات بصفة خاصة. إلا أن المشرع الجزائري قام بفك الرابطة التشريعية في المواضيع الخاضعة لقانون العقوبات، حيث جعل موضوع المخذرات في مناى عن قانون العقوبات، فقد حصره في تشريعات تنظيمية، نظرا لشساعة مواضيعه. لكن بالرغم من الغرض السامي للمشرع الذي يوضح فيه العمل الدائم قصد الحد من الظاهرة إلا أن السياسة التجريمية والعقابية المقررة في جرائم المخذرات، قد انضوت على نقائص فيما يتعلق كبح وقمع ظاهرة المخذرات المستفحلة في المجتمع المدني والتي تهدد باءستمرار الدولة، والفرد المجتمعاتي بصفة عامة إلى رؤيا شاملة لظاهرة الإجرام بالبحث والتقصي عن أسبابها ودوافعها، من خلال دراسات إحصائية هادفة لكل منطقة داخل الدولة الوحيدة، وهذا مايسمى برنامج السياسة التجريمية والعقابية من خلال التشديد في العقوبة، والحد من الاسباب التي تدفع بالفرد لتوجه إلى هذه الظاهرة... وإيجاد الحلول والتدابير الناجعة للحد من تفشيها ومحاربتها واجتثاثها من جذورها للحفاظ على استقرار المجتمع، وما تطوير النصوص التشريعية بالتغيير والإتمام والإلغاء سواء همت القانون الجنائي أو المسطرة الجنائية وغيرها من القوانين الخاصة التي تشتمل على مواد زجرية إلا ضرب من ضروب التدابير التي ينبغي التفكير فيها من خلال ما يتحصل من ملاحظات ومعطيات، وبيانات يتم رصدها في المجتمع والتي من شأنها رسم خطة رشيدة للوقاية من الجريمة أي الحيلولة دون وقوعها، ومعالجة آثارها بعد ارتكابها.