عرف المجتمع الجزائري في السنوات الأخيرة تنام واسع للعمليات الإجرامية، من طرف أفراد وجماعات احترفت تعكير صفو المواطنين، بدليل الأرقام التي تكشف عنها الجهات الرسمية والأمنية، بخصوص وقوع جرائم قتل بشعة، واعتداءات متفاوتة الخطورة، ما يجعل هذه الظاهرة تهدد كيان المجتمع الجزائري وسط غياب بدائل فعالة تضع حدا لمثل هذه الممارسات التي يصفها الكثير بالمخيفة. ويجمع الكثير من المتتبعين على تعدد أساليب التصرفات العدوانية التي باتت تعرفها مختلف فئات المجتمع، في ظل طغيان العنف بمختلف أشكاله، سواء في المحيط الكروي، أو المدرسي، وحتى في المحيط العائلي، ناهيك عن الشجارات والاعتداءات التي تعرفها الأسواق، والأماكن العمومية، إضافة إلى ارتفاع معدلات الإجرام في الأحياء الشعبية والمعزولة، خاصة وأن الكثير من المجموعات الإجرامية تستغل غياب التغطية الأمنية الكافية لتبسط سيطرتها وتفرض منطقها بشكل مخيف، يحدث هذا وسط الكثير من المتغيرات التي بات يعرفها المجتمع الجزائري في السنوات الأخيرة، بسبب تنامي الإجرام، وقلة فعالية الآليات العقابية والتوجيهية، إضافة إلى انعدام الشعور بالندم، وعدم الاعتراف بقيمة العقاب، وهذا بسبب تناول أغلب المنحرفين للمخدرات والحبوب المهلوسة، ما يجعلهم يقدمون على تصرفات غير محمودة العواقب، بدليل وجود حالات قتل تمس حتى أقرب المقربين لأسباب توصف بالتافهة تحت تأثير المهلوسات على الخصوص. ويبقى الأخطر، في نظر الكثير ممن تحدثنا معهم، هو أن جهود قوات الأمن وجهاز العدالة في إطار التقليل من معدلات الجريمة لم يمنح إضافة ملموسة، رغم المساعي القائمة، بدليل أن هناك معطيات أخرى أكثر خطورة، في ظل تفضيل الكثير من المنحرفين خيار العودة إلى الجريمة، مادام أن السجن تحول إلى وسيلة إغراء بدل أن يكون أداة عقاب، وهو ما يجعلهم يستغلون الفرصة للقيام بأي عملية إجرامية بغية قضاء فترة الشتاء في دفء السجن، مادام أن لهم قناعة بإمكانية العفو عنهم مع قرب حلول الصيف، أو على هامش بعض المناسبات الاحتفالية لبعض الأعياد الوطنية، وهو العامل الذي يؤكد في نظر البعض على أن عقوبة السجن فقدت جدواها مادام أن المجموعات الإجرامية تنظر إليه على انه بمثابة منزل يؤويهم أكثر منه وسيلة للعقاب والردع.
العائدون إلى الجريمة لا يشعرون بالندم واليأس ولا يتأثرون بالعقاب توصل الباحث بوزيد إبراهيم المختص في علم الاجتماع الاجرامي، من خلال دراسة أكاديمية شملت عينة من العائدين أو محترفي الجريمة على مستوى ولاية باتنة، لها "خاصية التعود"، وترجع أفعالها وتصرفاتها إلى عوامل خارجية، منها الحظ والصدفة والقدر وظروف المجتمع. وأثبتت الدراسة أن هذه العينة لا تتمتع بدرجة عالية من اليأس، ما يجعلها لا تحس بالعقاب، وهو ما يعني حسب محدثنا أن العائدين للجريمة ينظرون إلى سلوكاتهم على أنها مبررة من حيث الاعتقاد النفسي، ومشروعة ومحفزة على العصيان ومخالفة القيم والقواعد الاجتماعية.
الإدماج الاجتماعي وإعادة التأهيل قد لا تكفي للحد من ظاهرة الجريمة ويقدم الأستاذ إبراهيم بوزيد جملة من التوصيات التي يمكن تعزيزها في مشروع الإدماج الاجتماعي، وإعادة التأهيل للفرد العائد للجريمة، واعتبر بأن هذا الإجراء بمثابة وقاية، وقد يقلل من حدة هذه الظاهرة، مؤكدا على ضرورة مراعاة الجانب النفسي للفرد المجرم، والعمل على وضع برامج إرشادية معرفية سلوكية لجعل المجرم يتحمل مسؤولية الفعل، مع تحفيزه على تغيير سلوكه دون مراعاة أي ظروف خارجية، بحيث يجعلون منه فردا مسؤولا عن فعله، حتى يحترم قواعد وقوانين المجتمع. وأشار الباحث بوزيد إبراهيم إلى عدم جدوى الاعتماد على العقاب وحده، مؤكدا على ضرورة انتهاج أساليب أخرى تسمح بتعديل سلوك المجرم، منها العلاج بالعمل، في إطار تدعيم السياسة العقابية لإدارة السجون بخطوات ميدانية لمواصلة إصلاح المنظومة العقابية على مستوى وزارة العدل.