تشرف الحظيرة السكنية في بلادنا على بلوغ حجم 7 ملايين مسكن، ثلثها بنيت في العشر سنوات الماضية، حيث سخرت الدولة أكثر من 1000 مليار دينار لإنجاز حوالي 3 ملايين مسكن، غير أن الواقع يكشف يوميا عن مئات البيوت القصديرية الجديدة التي باتت ممرا حتميا للحصول على سكن، بعد أن عرفت مختلف البرامج الأخرى صعوبات في التجسيد وخللا في التوزيع زاد من تعقيدات ملف السكن الذي يظهر بأن التخلص منه لن يكون غدا، في ظل غياب تشريعات صارمة تجرّم من يتلاعب بإجراءات الحصول على سكنات من غير حق، في ظل بلوغ أسعار العقار في بلادنا مستويات قياسية لم يشهد لها مثيل، وهو ما يطرح أكثر من سؤال حول قدرات مختلف الهيئات في وضع حدّ للفساد الذي ينخر القطاع وينهك خزائن الدولة ويهدد الاستقرار الاجتماعي، بالنظر لما عرفته مختلف الولايات وخاصة العاصمة من احتجاجات أساءت كثيرا لسمعة البلاد وعكست مشاكل كبيرة تستدعي حلها بطريقة حازمة. تنتشر عبر ضواحي العاصمة عشرات الآلاف من البيوت القصديرية والمار على بلدية جسر قسنطينة قرب محطة القطار وعلى طول الخط بين الحراش وعين النعجة وغيرها، يلاحظ أن عدد هذه البيوت يتجاوز عدد السكنات العادية. ونفس الأمر ينطبق على موقع الحفرة بوادي السمار، وموقع السفينة المحطمة ببرج الكيفان وغيرها من المواقع بالرغاية والحميز وبن طلحة والكاليتوس وبراقي والحميز وأعالي حيدرة التي لم ترحمها البيوت القصديرية، حيث يكتشف مستعمل الطريق السريع الرابط بين الدارالبيضاء وبن عكنون كيف احتلت البناءات الفوضوية أطلال حيدرة دون أن يستطيع أحدا من وضع حد لهذا الأخطبوط الذي بات يشكل خطرا محدقا على استقرار وأمن البلاد، بالنظر لما يحمله من عواقب ومخاطر على سلامة واستقرار البلاد والمجتمع، حيث ترتبط البيوت القصديرية خاصة التي ظهرت مع بداية التسعينات بالآفات الاجتماعية والظروف المعيشية القاسية التي تسببت في تأزيم الحياة النفسية للجزائريين الذين يعتبرون قضية السكن مسألة حياة أو موت، لأن الذي يفتقد للحق الذين يكفله الدستور لكل جزائري لا يمكن أن يتمتع بأي شيء في حياته. ويروي الكثير من الجزائريين عن أساطير من سبقوهم في أزمة السكن، حيث توفي الكثير دون أن يحقق حلم الحصول على سقف يأويهم. وأحست السلطات بخطورة هذه البيوت القصديرية التي تشوّه صورة المدن وتتسبب في الكثير من المشاكل عندما زار رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة منطقة عين عبيد بقسنطينة في أفريل ,2005 وأصدر تعليمة شديدة اللهجة إلى جميع الولاة يأمرهم فيها بضرورة وضع استراتيجية للقضاء عل البيوت القصديرية نهائيا، وخصص بعدها الكثير من الأظرفة المالية لتدارك العجز، غير أنه وبعد مرور السنوات لم تتغير الوضعية، وننهض يوميا على مواقع جديدة تعكس الأزمة التي تتفاقم من يوم لآخر. ويتساءل الجميع عن مدى استجابة 8000 سكن اجتماعي للعاصمة التي ستوزع حتى نهاية شهر أكتوبر المقبل للطلبات على السكن في العاصمة التي ضاقت بما رحبت ولم تعد تستطيع استقطاب المزيد من السكنات لأنها تعاني من التخمة، ما يجعل المسؤولين يفكرون في توقيف البناء في العاصمة وتخصيص ما تبقى من العقارات لبناء المساحات الخضراء والحظائر وغيرها من المرافق، وتحويل المشاريع إلى الولايات المجاورة في سياق توسيع المناطق الحضرية وتقليل الضغط على العاصمة التي باتت لا تطاق. المشاريع بين التأخر في التسليم و كثرة التجاوزات يتسبب الفساد في تعطيل إنجاز البرامج والمشاريع السكنية، حيث يشتكي المواطنون من تأخر تسليم المشاريع بالرغم من دفعهم لأقساط معتبرة من الأموال، وأكبر دليل ما يجري لبعض المستفيدين من مشروع »عدل«، حيث منذ 2001 لم يتسلم العديد من المواطنين سكناتهم بسبب العديد من الحجج، وهو ما يجعل فئات كثيرة تتردد في المغامرة بدفع أموالها في المشاريع المستقبلية وانتظار ما يخبؤه الزمن من وقت قد يصل إلى عشر سنوات، وكشف »ج.ب« وهو موظف بأنه سئم الانتظار، حيث دفع الملف في 2001 ولم يتحصل على سكن »عدل«، وبعد أن وصله استدعاء في 2009 فرح كثيرا لكنه صدم بالخبر عند وصوله إلى مقر وكالة عدل بتغيير قرار الإستفادة من المحالمة إلى أولاد فايت، ما جعله يصاب بالإحباط، ويفوت على بناته الاثنتين وزوجته حلم لم الشمل في بيت واحد، ومثال هذا المواطن ليس استثناءً حيث يروي »ص.ع« مأساته المتمثلة في عيشه مع أفراد أسرته في بيت من شقة واحدة بباب الوادي وينتظر سكن »عدل« منذ 2001 بعين البنيان وفي كل مرة يساأل فيها عن حقه يقال له صبرا، وهو ما أدخله في مرحلة من الشك واتصل بجريدة »الشعب« لتبليغ مشكلته عل وعسى تجد آذانا صاغية. أما مشاريع السكن التساهمية، فباتت شبحا يطارده الجزائريون حيث لا تخلو المقاهي وصالونات الشاي من وعود جلب السكنات للجميع فالمهم هو جلب الملف والرشوة، ويتداول جميع الجزائريين عن معارف لجلب السكن التساهمي، حيث بات هذا الملف بؤرة فساد حقيقية تتسبب في الكثير من المآسي للعائلات التي وجدت نفسها في العديد من المرات تذهب ضحية النصب والاحتيال. وما زاد في تأزيم أوضاع قطاع السكن فشل الوزارة المعنية في في إطلاق قروض شراء السكنات بنسبة فائدة بواحد بالمائة، حيث وبعد الزيارات التي قمنا بها لمختلف البنوك العمومية فنّدت أن تكون قد تلقت التعليمات بتخفيض الفائدة إلى واحد بالمائة، وما يوجد من عروض يتراوح بين 75,5 بالمائة و 5,6 بالمائة، وهي نسب تعود بقروض تصل إلى 400 مليون سنتيم بأجور تصل إلى 50 ألف دينار، وهي الشروط التي لا تتوفر في غالبية المواطنين الذين لا يملكون سكنات. وعليه فأزمة السكن في الجزائر بحاجة إلى دراسة معمقة وتشريعات ردعية تعاقب المفسدين وشبكات المافيا التي تحول السكنات لغير مستحقيها، باستغلال البيوت القصديرية التي باتت محل شكوك كثيرة تتسبب في حرمان المحرومين الذين يقطنون رفقة أهاليهم تحت وطأة الكراء لأنهم لا يتحملون إهدار كرامتهم، وبالتالي صمتهم وسكوتهم وعدم خروجهم للاحتجاج لن يوصل أحد مشكلتهم إلى السلطات، لأنهم وببساطة لا يستطيعون حرق العجلات ورشق قوات الأمن بالحجارة، ويفضلون الانتظار والصبر عل وعسى يتحقق حلمهم بطرق مشروعة ونزيهة في زمن الفساد والتلاعبات.