طفت إلى السطح مسألة الحركات الانفصالية مجددا و لكن هذه المرة يشهد العالم حركات انفصالية تعتمد على سياسات ناعمة تنبذ العنف و تحسن توظيف الديمقراطية لصالحها و تستعملها كغطاء لتنظيم استفتاءاتها وسط متناقضة غير دستوريتها باعتبارها عملية غير قانونية و لكن في الوقت نفسه لا تتنافى مع الممارسة الديمقراطية ؟ على عكس ما كانت عليه في ستينيات و سبعينيات القرن الماضي أين كانت تقوم برفع السلاح في وجه الحكومة المركزية للتعبير عن مطالبها السياسية على غرار حركة الباسك في اسبانيا و الجيش الجمهوري الايرلندي المعروف اختصارا ب «ايرا» مع المملكة المتحدة ...الخ. نشهد اليوم حالتين تزامنتا في تنظيم آلية الاستفتاء و هي الحالة الكردية في العراق و الكاتالون في اسبانيا فكلاهما لجأ إلى فرض سياسة الأمر الواقع من خلال تنظيم استشارات حول الانفصال وسط رفض و تحذيرات كل من بغداد و مدريد، فبينما اكتفت الأولى بالتحذير و الوعيد منعت الثانية العملية بالقوة و بينهما وجد المجتمع الدولي نفسه أمام امتحان صعب بل معضلة حقيقية و هي إما الانتصار لمنطق الدولة التي تعتبر النواة الأساسية لما يسمى بالمجتمع الدولي و إما التسليم بديمقراطية الإجراء و بالتالي القبول الضمني بتفكيك هذه النواة ؟ لا شك أن هناك عوامل مشتركة عديدة بين الإقليمين في مقدمتهما هو تمتعهما بصيغة الحكم الذاتي و غناهما بالموارد المالية فإقليم كتالونيا يعتبر من اغني المناطق في اسبانيا إن لم يكن الأغنى على الإطلاق بفضل مداخيل السياحة و الصناعة و منافسات كرة القدم التي تحولت بدورها إلى صناعة حقيقية تدر الملايير من اليوروهات على الإقليم ، بينما يعتمد إقليم كردستان العراق على النفط بشكل رئيسي، هذا التشابه بين الإقليمين من حيث الموارد المالية انتج نوع من التطابق فيما يخص المطالب التي يرفعها الإقليمان و المبررات و الحجج التي يقدمانها كذريعة للاستقلال عن الحكومة المركزية و التي يمكن تلخيصها سوء توزيع العوائد من طرف هذه الحكومات و هو نوع من الاحتجاج و الرفض لتحمل أعباء الأقاليم الأخرى التي ترى انه من حقها الاستفادة من هذه المداخيل في إطار الدولة الأم تحت مبرر أنها ملك للمجموعة الوطنية بالأساس. لن تقتصر عواقب النزعات الانفصالية على الصعيد الاقتصادي فقط و لكن على الجانب السياسي كذلك باعتبارها مسار يهدد بالأساس كيان الدولة القائم على فلسفة المواطنة التي تحدد حقوق و واجبات (الإنسان المواطن) و تضمن التوزيع العادل للثروة و هنا فقط نكون أمام ديمقراطية حقيقية تحفظ للجميع حقوقهم و ليس الليبرالية التي تطالبك بالتنازل عن كل شيء لتطلبك منك في الأخير إلى تقديم الوطن قربانا لديمقراطية ليست أكثر من عنوان جميل و وجه حسن يخفي بشاعة وجهها.