تمر بعد غد سنتين على آخر اجتماع للثلاثية، والذي أفضى بتوقيع العقد الاجتماعي والاقتصادي بين الحكومة وأرباب العمل والمركزية النقابية، لدفع الاقتصاد الوطني الى الأمام، وحل مشاكل سوق العمل من خلال مراجعة سلم الأجور وتطبيق قانون الوظيف العمومي، ولكن الملاحظ على سوق العمل هو الركود، وضعف نسب النمو خارج قطاع المحروقات مع احتجاجات هنا وهناك من قبل العمال، تعكس الوضعية الصعبة للاقتصاد الوطني، الذي لازال رهين الريع النفطي. بقي العقد الوطني الاجتماعي والاقتصادي حبيس الأدراج، ولم تجد البنود الهامة جدا الطريق الى التطبيق بالنظر للفوارق الكبيرة الموجودة بين الاتفاق والواقع الاجتماعي والاقتصادي، وعجز مختلف الهيئات عن التحكم في الأوضاع، وضبط الأمور للتفرغ لمعركة النمو والإنتاج. ولم تفلح الزيادات التي تضمنها قانون الوظيف العمومي ل 4,1 مليون موظف في تحسين مستوى معيشة الجزائريين، بالنظر لارتفاع التضخم والزيادة المعتبرة في أسعار المواد الغذائية الأساسية، وعرفت تلك الزيادات التي تأخرت بأربعة أشهر كاملة احتجاجات كثيرة من عديد القطاعات خاصة التربية الوطنية، التي لازالت تعيش تحت وقع إضرابات الأساتذة المستخلفين الراغبين في مناصب دائمة والغريب في الأمر أن هذا الملف أصبح موقعا للمزيدات ،وإثارة البلبلة دون أن يجد حلا نهائيا ما أثر كثيرا عل السير الحسن لقطاع التعليم. وكانت النتائج العكسية متوقعة من الزيادات في الأجور، لأن معايير الزيادة لم تبنى على أسس اقتصادية تتماشى وواقع الاقتصاد الوطني والوضعية المالية العامة للبلاد والإنتاج بل كانت زيادة ممولة من عائدات المحروقات دون أي فائض للقيمة بل زاد النمو المفرط للواردات، في تعقيد الأمور أكثر وأي انخفاض لا قدر الله في أسعار المحروقات، من شأنه أن يجهض كل المجهودات التي قامت بها الدولة لتحسين مستوى معيشة الأفراد. وما زاد من متاعب العقد الاجتماعي والاقتصادي الذي شككت العديد من الأطراف في تجسيده، هو الوضعية الهشة للنسيج الصناعي العمومي الذي سجل نتائج سلبية منذ بداية سنة ,2008 حسب إحصائيات الديوان الوطني للإحصائيات، حيث وجدت الصناعة الوطنية بما فيها الخاصة صعوبات كبيرة في التأقلم مع تحولات الاقتصاد العالمي المعروف بالمنافسة الكبيرة ومعايير الجودة العالية وبراءات الاختراع، وهو ما ينعدم في بلادنا ما جعل مختلف مخططات الإنعاش وإعادة الهيكلة وإنشاء المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، تنته بالفشل فالواردات انخفضت ولا الصادرات خارج قطاع المحروقات ارتفعت بشكل يضاهي مصاريف الدولة على المجال الاقتصادي. وكان لعقلية العامل الجزائري الذي يسعى فقط وراء المطالب الاجتماعية دور كبير في تعطيل الإصلاحات فانعدام ثقافة المصلحة العليا للوطن والتضحية للنهوض بالاقتصاد الوطني ومحاربة الفساد داخل مختلف المؤسسات، زاد من متاعب تجسيد بنود العقد الوطني الاجتماعي والاقتصادي، الذي يحتاج الى إعادة تكييف مع واقع الاقتصاد الوطني والجبهة الاجتماعية التي لم تتجاوز حدود المطالب والشؤون الاجتماعية. وكان لإنشغال المركزية النقابية بالمؤتمر ال 11 دورا كبيرا في تراجع التنسيق بين أطراف الثلاثية، لحل مختلف المشاكل العالقة وتكوين لجان متابعة للاتفاقات التي تضمنها اجتماع أكتوبر ,2006 الذي يظهر وانه بحاجة الى اجتماعات أخرى لوضع النقاط على الحروف. ويمكن أن تكون لتوصيات رئيس الجمهورية في خطاباته الأخيرة أمام المنتخبين المحليين وجلسات الاستماع للوزراء الذين لديهم علاقة بقطاع التشغيل والعمل والصناعة والاستثمار خارطة طريق جديدة لتصحيح مسار الاقتصاد الوطني وسوق العمل والاندماج في الاقتصاد العالمي بالمعايير والأسس اللازمة لتفادي أخطاء الماضي والانتقال الى مرحلة الإنتاج وتعزيز خزينة الدولة بدلا من مواصلة عملية استهلاك أموال الخزينة العمومية. ------------------------------------------------------------------------