الأصوات السّردية التي تشق طريقها في استحياء، وتحاول وشم حروفها على جداران السهو، التي تسعى لصنع التغيير في مشهد طغى عليه الشعر، جديرة أن نهتم لها، ونسعى لإيصال صوتها، السرد وفي صراعه المرير لإثبات وجوده، صدقيته، مقدرته على خلق التغيير، وتحدي رهانات الأشكال الأدبية الأخرى، الكثيفة الحضور، يحفر بصبر رمل الرتابة، ويكسر صمت الاهمال ويرفع صوته عاليا حتى يصل من بين الأصوات الأدبية المتعالية في كل منبر. هي ورغم تأخرها في الظهور ككاتبة، ومبدعة لم يمنع أن نتعرّف إليها قارئة جيدة، ومتابعة متميزة، ومهتمة بعالم الإبداع، عرفتها حاضرة بقوة، داعمة ولا تتوانى عن مد يدها لنفض الغبار عن أي جهد أدبي، قرأت لها كثيرا وهي تكتب في هدوء بعيدا عن ضجيج الواقع رغم أنّها تكتب من صميمه. المجموعة القصصية «سراديب الحياة» والتي تسلّمتها من الكاتبة فوزية شنة وبتوقيعها، وهي آخر المواليد الوافدين على مكتبتي، والصادرة برعاية دار الثقافة محمد الأمين العمودي بالوادي، وعن مطبعة سامي للطباعة والنشر والتوزيع بالوادي، يتجاوز المائة صفحة، واثنين وأربعين قصة تختلف من حيث الحجم، لكنها تلتقي كلها في تهجي أوجاع، خيبات وعثرات المرأة في أوضاع كثيرة، مختلفة ومتعددة الأوجه، ورغم لغتها البسيطة وأسلوب الحكي الذي اعتمدته الكاتبة، إلا أن الألم كان السمة الأبرز، والوجه الأوضح لكل القصص دون استثناء، كما أن كل نصوص المجموعة دون استثناء تداولت عليها شخوص أنثوية، بين شخصية الراوية، أو البطلة المثقلة بمتاعب الحياة، والتي قست عليها الظروف، أو ظلمها الأقرب، وجنت عليها الأيام، لهذا جاءت المجموعة بكاملها نصرة للمرأة ودرء المظالم عنها. سراديب الحياة كتجربة أولى للكاتبة فوزية شنة ضمنتها كل ما تفاعل بداخلها لمرحلة كاملة، ستؤسس بالتأكيد لمرحلة قادمة أكثر نضجا، وأكثف لغة، وأعمق خبرة وأقرب طبعا لعالم القصة القصيرة بكل مفاهيمها المتنوعة.