دراسة الأسواق.. تفعيل التكوين داخل المؤسسة الاقتصادية.. التوجّه نحو إرساء استثمارات واسعة وعميقة لتعويض النقص وتغطية الطلب المحلي لكبح الواردات.. تكريس الرقمنة، وبعد ذلك طرح منتوج عالي الجودة وبتنافسية كبيرة.. كلها أهداف المرحلة المقبلة التي تبدأ غدا.. أي مع مطلع عام 2018، لذا ينبغي أن ينخرط الجميع في مسعى النمو الفعلي على أرض الواقع، لأن قطاع النفط لا يمكنه أن يواصل التمويل بنسبة معتبرة النفقات في مختلف القطاعات.. وهذا ما سيكشف بالفعل عن الاستثمارات الفعالة وعن المؤسسات الجادة التي يمكنها ركب قاطرة التنمية في ظرف لا يخلو من التحديات، ومن الممكن أن يكون دافعا حقيقيا لمعركة تنموية بسواعد الجزائريين، هذا ما تمّ رصده خلال جلسات نقاش مستفيضة نظمها منتدى رؤساء المؤسسات واستضاف أعضاء من الحكومة، تمّ فيها تشريح الحقائق وتشخيص المعوقات وطرح الانشغالات. صار الظرف الاقتصادي الراهن بمختلف مستجداته، يفرض على المؤسسة الإنتاجية الاندماج بفعالية في مسار الرفع من وتيرة التنمية وتعميق الاستثمار، ولاشك في أن مرحلة إثارة عائق الصعوبات المادية والإدارية قد ولى، ومن ثم سيتضح بشكل جلي المستثمر الجاد من الدخيل على عالم الاستثمار من أجل انتهاز فرصة الاستفادة من مزايا العقار والقروض والتسهيلات الجبائية والاقتصادية بشكل عام، ولعلّ النية القائمة في إعداد خارطة اقتصادية وطنية قبل نهاية العام الجاري، من شأنه أن يكشف الكثير من الحقائق، خاصة حجم مساهمة القطاع الخاص الذي يستفيد من نفس الدعم المخصص للمؤسسات العمومية، في السوق الوطنية، وينهي فوضى الاستثمار، من أجل الانفتاح على مجالات لا توجد بها استثمارات.. وهذا ما يثير العديد من الاستفهامات حول.. ما مدى قدرة المؤسسة الاقتصادية الخاصة في اقتحام مجالات استثمارية كانت ولازالت إلى وقت طويل تحت سيطرة المؤسسة العمومية؟.. وهل تستجيب المؤسسات الخاصة إلى الدعوة من أجل التواجد في قطاعات مهمة مثل المعادن على غرار الاستثمار في مناجم الفوسفات ذات الأهمية الاقتصادية..؟..وما مدى قدرتها على توفير التكنولوجيا والأموال وكذا الأسواق بعد تغطية طلب السوق المحلي؟ الخواص وجها لوجه لإثبات النجاعة مع مطلع العام المقبل العديد من الأمور ستعرف طريقها إلى التغيير، لأن الجزائر بأمسّ الحاجة لتسريع وتيرة استقطاب الاستثمارات وإرسائها على أرض الواقع، لذا في الوقت الحالي لا يوجد متسّع من الوقت لمراجعة التفكير أو التأني في اقتحام الحياة الاقتصادية بجرأة وبرغماتية لاستحداث الثروة، وتدفق الإنتاج ذا جودة تنافسية، ولعلّ تحديد خارطة للمنتجين سيكشف عن القطاعات التي سينبغي التركيز عليها في الانفتاح على الاستثمار وتشجيع فروع التخصصات التي تحتاجها السوق، ولعلّ الحديث عن تهيئة 50 حظيرة اقتصادية خلال سنة واحدة فقط، رسالة قوية لكل من ينجذب ويهتم بإنجاز مشاريع اقتصادية عبر كامل التراب الوطني، لكن المؤسسة مطالبة بالقيام بتهيئة هذه الحظائر والمساهمة في تسييرها، وتسند لها مهمة تحضير هذه الحظائر التي تتطلب غلافا ماليا لا يقل عن 500 مليار لأشغال تهيئتها أي كل ما يوجد بين أسوار الحظائر الاقتصادية، المتعامل الاقتصادي مسؤول عنها. يذكر في هذا المقام أنه تمّ تسجيل ما لا يقل عن 2000 هكتار مساحة للعقار الصناعي النائم أو غير مستغل، ودون شك سوف يسلّط الضوء عليه من أجل استعادته، ووضع في متناول مستثمرين لديهم أفكار اقتصادية ناجعة. ويمكن القول، إن الطمأنة في استقرار سعر صرف الدينار أمام الدولار الواحد عند حدود 115 دينار، إلى غاية آفاق عام 2020، يزيد من تشجيع توسيع المستثمرين لمشاريعهم وتدفق آخرين في مناخ استثماري بات يتوفّر على العديد من المزايا الجبائية والعقارية، وفي ظلّ وفرة اليد العاملة، والكفاءات ومع إمكانية الاستفادة من التجارب الأجنبية وتحويل التكنولوجيا من خلال بناء شراكات وطنية أو مع الأجانب. استثمارات بمعايير اقتصادية دولية بالنظر إلى صعوبة الوضع الاقتصادي لا يخفى أن الظرف جدّ ملائم حتى تقود المؤسسة قاطرة التنمية وتجعل قطاع المحروقات مكملا لها، من خلال الدفع بمختلف القطاعات إلى الإنتاجية بمعايير النوعية والجودة، على اعتبار أن التصدير لا مفرّ منه إذا وصلت المؤسسة إلى مرحلة الثقة في منتوجها في البداية عبر الأسواق المحلية، ومن ثمّ الانتقال إلى أسواق الجوار، لتقفز بعد ذلك نحو المنافسة الدولية، ولعلّ المنتجات الفلاحية الطبيعية ستلقى رواجها في السوق الأوروبية بالنظر إلى تميزها. وتأتي دعوة وزير الصناعة من أجل الاستثمار في مجال «الفوسفات» الذي يسمح بتطوير صناعة المواد الكيماوية من أسمدة لترقية القطاع الفلاحي الواعد بإمكانياته ومواد صيدلانية، لتضع المؤسسة في الامتحان الحقيقي الذي ينبغي أن تثبت فيه نجاحها، حيث يشترط أن تحضر الأموال والتكنولوجيا وتعثر بنفسها على الأسواق، حتى تشارك في معركة الاستثمار الوطنية والتي سوف يتمّ خوضها وينبغي أن تكون بمعايير اقتصادية منذ بداية مطلع العام المقبل، في ظلّ وجود حقول بطاقة 2 مليار طن لبلوغ طاقة استغلال تتراوح من 10 إلى 15 مليون طن، علما أن هذا المشروع الصناعي تتجاوز قيمته 6 مليار دولار. إذا المؤسسة الاقتصادية العمومية أو الخاصة، مطالبة أن تقوي استثماراتها في مجالات مازالت مهمشة وتكلف فاتورة استيراد موادها أمولا ضخمة، تستنزف الإيرادات الوطنية بالعملة الصعبة، ولعلّ أن هذا الاتجاه سيتم تعميقه على صعيد المنتج الفلاحي والصيدلاني والصناعة النسيجية والميكانيكية وصناعة الجلود والتكنولوجيات الحديثة التي يمكن للشباب الابتكار فيها، في ظلّ وجود استثمارات عديدة في مجال المواد الغذائية مثل العجائن والعصائر ومختلف المشروبات. جدوى المشاريع وتكوين الموارد البشرية لا يمكن للمؤسسة الاقتصادية اليوم سواء كانت عمومية أو خاصة أن تهمل جانبي التكوين ودراسة السوق، لتنهض بجودة إنتاجها وتنجح في فرض تموقعها أمام المنافسة الشرسة التي تفرضها العولمة، وكذا في ظلّ أنها مطالبة بالتطوير المستمر لكل ما تطرحه عبر الأسواق الداخلية والخارجية، وكانت الحكومة قد عبّرت عن نيتها الحقيقية في حماية المنتوج الوطني من خلال تبنّي سياسة دقيقة وذكية، لكن قبل ذلك تبذل الجهود حاليا لتحديد قطاعات وكميات الإنتاج وطبيعة انتشار الاستثمار وكذا توجهات التصدير، لتضبط خارطة الطريق ويتضح أكثر التوجه نحو توسيع الاستثمار المنتج، لكن لا شكّ أن عنصر التكوين ينبغي أن يكون في صدارة اهتمام المؤسسة الاقتصادية، حيث تعنى بتأهيل التقنيين والتقنيين الساميين والمهندسين حتى تتوفّر لديها يدّ عاملة مؤهلة في عدة قطاعات، تشهد نقصا فادحا على غرار قطاع الأشغال العمومية والصيدلة والبناء والميكانيك، وكذا تصنيع المواد الغذائية والنسيج وما إلى غير ذلك، ومن أجل سد فراغ موجود، أي على اعتبار أن الجامعة لا تؤهل يد عاملة لتوظف مباشرة في الورشات. الجدير بالإشارة، أن المؤسسة الإنتاجية في الخارج تولي الأولية للتكوين وتفتح على مستوى إدارتها مركز لتكوين وتأهيل اليد العاملة، ويمثل هذا العامل تحدي للمؤسسة الجزائرية، الراغبة في بناء نسيج اقتصادي دائم ويرتكز على طرح منتوج ذا نوعية وتنافسية. بالإضافة إلى كل ذلك، من المفروض أن تحرص المؤسسة على تزويد ورشاتها بمخبر حتى يكون منتوجها مرفق ببطاقة الجودة والنوعية، وبالتالي تسهل عملية تصديره نحو الأسواق الخارجية. ولم يخف وزير الصناعة يوسف يوسفي مؤخرا التفكير الجاري في استحداث مدارس لتكوين التقنيين والتقنيين الساميين، بالتالي وتأهيلهم للتموقع في عالم الشغل بالشكل الجيد، داعيا في نفس السياق المتعاملين الاقتصاديين إلى المساهمة في هذا المشروع المهم والواعد. الرقمنة.. مراكز البحث وتحويل التكنولوجيا لا يخفى أن المؤسسة الإنتاجية مازالت نوعا ما بعيدة عن البحث العلمي، وإن كان بعضها يتطلّع لإقامة شراكات لتحويل التكنولوجيا ونقل الخبرة، لكن هذا لا يمنع من تخصيص مخبر بحث وجلب باحثين ومبتكرين جزائريين لتطوير اختراعهم، أو بناء شراكة مع مراكز البحث العلمي والجامعات التي يسجل على مستواها العشرات من براءات الاختراع المهمة والبحوث النادرة، التي لو تجسّد داخل ورشات المصانع لتمكّنت من طرح منتوج مميز، لاشك أنه سوف يلقى الرواج عبر الأسواق. وتحرص الوزارة الوصية على قطاع الصناعة في إنشاء نظام معلوماتي من أجل تنظيم القطاع وتمكين المتعاملين الاقتصاديين من الحصول على مختلف المعلومات، والمساعي تصبّ في نفس الاتجاه من أجل رقمنة الإدارة، حيث من شأن ذلك أن يسهل تعامل أصحاب المؤسسات الاقتصادية بهدف تسهيل وتسريع وتيرة الأداء في القطاع الصناعي. وأمام كل هذه المستجدات وفي ظلّ مختلف التحديات الحالية والأهداف المسطرة، يمكن القول بأن المؤسسة الاقتصادية الجزائرية اليوم توجد في مواجهة حقيقة السوق على أرض الواقع، لذا مطالبة بخوض معركة الاستثمار الجاد حتى تنجح فيما بعد في الاندماج بقوة، من خلال طرح منتوج ذا جودة وتتوفر فيه مختلف شروط التنافسية.