يشرح علي حماني رئيس جمعية المنتجين الجزائريين للمشروبات رؤيته لإمكانية نجاح مسار استهلاك المنتوجات التي يتم إنتاجها محليا، مبرزا في هذا الحوار أهمية معيار الجودة في تسويق المنتوج المحلي، كما يتوقف الحديث عند جانب المقاولة من الباطن وشروط تحقيق الاندماج، وكذا المسؤولية التي تتحمّلها المؤسسة كأحد كبار المستهلكين، ومدى إعاقة عملية استهلاك المنتوج الجزائري من طرف الاقتصاد الموازي الذي يشكّل خطرا كبيرا على الاقتصاد الوطني، وهذا مضمون الحوار. ❊ الشعب الاقتصادي: كيف يمكن النّجاح أكثر في تحقيق أهداف مسار استهلاك المنتوج الجزائر؟ ❊❊ حماني علي: بداية نحيّي مبادرة تشجيع استهلاك المنتوجات الجزائرية، ولمسنا تجند كافة المتدخلين وانخراطهم إراديا في عمليات تندرج في إطار جعل المنتوج الجزائري أكثر جذبا. ونحن مع تشجيع الإنتاج الوطني، علما أنّنا كجمعية لمنتجي المشروبات نمثّل فرعا يعدّ الاستيراد فيه ضعيفا، ويتم تغطية السوق بحوالي 90 بالمائة بالانتاج الوطني. غير أنّ وصولنا إلى هذا المستوى بفضل العمل بقاعدة ثلاثية تقوم على الجودة والأسعار والوفرة، وليس عن طريق غلق السوق الجزائرية أمام استيراد المشروبات. وإذا كنّا نريد كبح الاستيراد ينبغي أن يكون ذلك بطريقة هيكلية من خلال تدعيم التنافسية بين مؤسّساتنا، وبذلك تمكينها من مواجهة المنافسة من جانب المنتوجات الشّبيهة المستوردة. وحتى يحقّق مسار استهلاك المنتوج الجزائري النّجاح المطلوب، يجب على الإدارة الجزائرية أن تضع معايير تتعلّق بالجودة تطبّق بلا تمييز على المنتجات المحلية والمستوردة، ومن ثمّة على المؤسّسة الإنتاجية الجزائرية وبشكل إلزامي أن تضع في السوق وقبل أي شيء آخر منتوجا يتوفر على الجودة، ويستجيب لمعايير السلامة الصحية. لهذا ينبغي أن تقوّي الدولة كفاءات ووسائل هيئات المراقبة على مستوى الحدود سواء بالنسبة للمدخلات أو السلع الموجّهة للبيع جاهزة للاستهلاك، ولا ينبغي أن ينحصر الجانب الرقابي كما هو غالبا في مجرد مراقبة الوثائق أو التأكد من مطابقة التأشير، المضمون هو الذي يبقى الموضوع الأساسي للمراقبة. كما أنّ فعالية أنظمة المعايير الوطنية للمراقبة الغذائية أساسية لحماية الصحة وامن المستهلكين، حيث تساهم هذه الأنظمة بشكل حاسم في ضمان الأمن الصحي للبلاد، وجودة المنتوجات الغذائية وضمان مطابقة تلك المستوردة للمقتضيات الوطنية. في هذا الإطار، نقترح وضع صندوق لدعم مبادرات المعايير والمطابقة عن طريق الوكالة الوطنية لتنمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة مثلا، حيث يجب أن يتم تحسيس المؤسسات حول رهان المعايير، كما يجب تجهيز مخابر التحاليل بما يتناسب مع شرط الجودة منها تزويدها بالموارد البشرية المؤهلة، ونفس الأمر للهيئات العمومية للمراقبة لتكون مرافقا على مسار اعتماد المعايير. وأذكر بأنّنا نشاطر الانشغال المبرّر للحكومة في مواجهة تداعيات انهيار أسعار المحروقات ممّا يؤثر سلبا على الموارد المالية للبلاد، غير أنّنا على قناعة بأنّ الحل لا يكمن في إجراءات ظرفية أو إدارية، والتي يمكن أن تكون لها تأثيرات معاكسة للإنتاج، وأعضاء جمعيتنا على قناعة بأنّ توازن ميزاننا التجاري خارج المحروقات يكون بإنتاج وطني قوي ومتنوّع نوعي وتنافسي. وعليه ينبغي العمل من أجل إعطاء ديناميكية للإنتاج الوطني ليكون بديلا للاستيراد. ❊ ما هي مسؤولية المؤسّسة في مجال اعتماد الجودة والتحكم في الأسعار، قصد امتلاك قدرات التّنافسية؟ ❊❊ من المفيد التّفكير حول استراتيجية تقحم جميع الفاعلين وتطبيقها بسرعة إذا أردنا منتوجات ذات جودة في السوق المحلي، ومنتوجات تنافسية مقارنة بالاستيراد. ولذلك لا يمكن تصور مسار استهلاك المنتوج الجزائري دون إقحام المؤسسات الإنتاجية للسلع والخدمات، ودون إدماج المقاربة التي تجمع بين الجودة والأسعار وكذا الوفرة. إنّ طرح منتوج في السوق يكون مطابقا لمعايير الجودة يسمح بمضاعفة الرضا والثقة من الزبائن، ويضمن أيضا مضاعفة حصصه في السوق. وينبغي الإشارة إلى أنّ حجر الزاوية في كل هذا يتمثل في الاستثمار في الموارد البشرية للحصول على طواقم ذات كفاءة داخل المؤسسة، ذلك أنّ المؤسسة المنتجة للسّلع والخدمات مطالبة بوجوب الانخراط في هذا المسار لنستهلك المنتوج الجزائري. ❊ تصنّف المؤسّسة كأحد كبار المستهلكين الاقتصاديين، كيف يمكن الدفع بها إلى مواجهة تحدّي استهلاك جزائري مثل قطع الغيار، التغليف ومواد تدخل في الإنتاج؟ ❊❊ من المفيد التّذكير بأنّ حوالي 60٪ من وارداتنا تتشكل من تجهيزات ومواد موجهة للتحويل الصناعي، كما أنّ العرض الوطني حاليا لا يستجيب إلى أغلب المدخلات ولمستلزمات المعايير التقنية وانتظام التموين والكلفة. ولا تتوفر بطاقية للمواد التي تنتج محليا من طرف مؤسسات جزائرية مع بطاقة تقنية لكل منتوج. وبهذا الخصوص اقترحت جمعيتنا على وزارة الصناعة وضع هذه القائمة بالتنسيق مع المديريات الولائية والمؤسسات المعنية. يجب تحسيس المؤسسات التي تنتج سلعا وخدمات من أجل ضمان دورها في هذا الإطار، والقيام بأبحاث ضرورية لتحديد المنتوجات المصنعة محليا، والتي تدخل كعنصر للجودة في مسار الإنتاج أو في مسار التنظيم والتسيير. وقد التزمت جمعيتنا بشكل كامل في مسار ترقية الجودة كوسيلة وحيدة، يرمي إلى ديمومة نشاط هذا الفرع وتخصص جهودها بشكل مركز على تأهيل أنماط التسيير. ❊ كيف يمكن تنمية الاندماج والمقاولة من الباطن خاصة من خلال إحداث مقاربة الحوار والجوارية بين المنتجين في مختلف القطاعات؟ ❊❊ إنّ الاندماج والمقاولة من الباطن المحلية حالة عامة تهمّ بشكل فردي كل المتعاملين الاقتصاديين والهيئات، فالمقاول معني بنمو مقاولته أو مؤسسته، ولذلك فهو معني بنموّه الذاتي وإنشاء تنسيق من أجل الفرص التي يتكفل بإنجازها، ولكن يمكن أن تنجزها مقاولات أخرى. إنّ مصلحته الأولى تتمثل في الرفع من رقم الأعمال والفعالية الاقتصادية لمؤسسته، ومن بعدها البحث في محيطه عن العوامل المحفزة للنمو، وهنا بالذات تتدخل المقاولة من الباطن. هذه الأخيرة تمتد إلى أبعد من قنوات التوزيع لتشمل منتجي المواد المكمّلة، ومؤسّسات ترتبط بالكفاءات والتكنولوجيا والمدخلات الإنتاجية. مثل هذه النّشاطات يمكن تنميتها بإحداث مجمّعات تدعى "clusters"، ويعني هذا المصطلح تجميع عدد من الشركات التي ترتكز على نظام للعلاقات يسمح لها بمضاعفة فرص الأعمال والنمو، ويغطّي مجموعة من الصناعات المرتبطة وتكتلات هامة للمنافسة، فهو يضمّ مثلا موردين للمنتوجات المتخصصة وموردين للمنشآت المتخصصة. ويتوسّع النمو الاقتصادي المحصل عليه ليمتد إلى قطاعات محلية أخرى خاصة في ميدان الخدمات والمقاولة من الباطن، ويمكن لهذا النّظام (كلوستر) القائم على تكتل مؤسسات أن يتعامل بالشراكة مع ممثلين عن الهيئات مثل الجامعات، الوكالات، معاهد التكوين والجمعيات المهنية. وفي هذا الإطار فإنّ جمعيتنا أنجزت بدعم من وزارة الصناعة "تكتّل مشروبات الصّومام"، والذي سمح بتجنيد منتجي المشروبات في مرحلة أولى، مؤسسات تموّن بالمواد والخدمات ذات الصلة بالنشاط، إلى جانب الهيئات المحلة وجامعة بجاية. وينشط هؤلاء المنتجون في ولايات بجاية، سطيف، البويرة وبرج بوعريريج. ❊ في ظل هذا الوضع، ألا تعتبر السّوق الموازية عائقا لمبادرة تجسيد عملية استهلاك المنتوجات الجزائرية؟ ❊❊ في مواجهة ارتفاع دائم لفاتورة الواردات وسوق تغرق بمنتجات غير مطابقة، مغشوشة وغالبا تحمل خطورة، فإنّ الوقت حان لتزود الجزائر بآلية للمراقبة تكون أكثر نجاعة. مثلا، المنتجات الالكترونية، المواد الكهرومنزلية، منتوجات الألعاب النارية وقطع الغيار للسيارات التي تعطي دليلا على نجاعة نظام المراقبة. يجب الإشارة إلى أنّ ثقل النشاطات الموازية يأخذ مساحة كبيرة، وأصبحت السوق الموازية عائقا حقيقيا في وجه تنمية الإنتاج الوطني، وتشكل منافسا غير نزيه. لا ينبغي نسيان بأنّ لهذه السوق خاصة فرع المواد الغذائية تأثيرات مضرة بصحة المستهلك، وذلك لعدم احترام قواعد النظافة، استعمال مكونات ممنوعة، إفراط في استعمال بعض المكونات كالمواد الحافظة واللجوء إلى إجراءات إنتاج خطيرة. ولذلك لا يجب أن يهيمن الاقتصاد الموازي على المستهلك الجزائري، كما لا ينبغي أن ننسى أيضا جانب الأسعار المطبّقة والتي لا تنافس، وبالتالي تضرّ بالإنتاج الوطني مهما كان يتوفّر على معايير الجودة.