وُقِّع إتفاق الشراكة بين الجزائر والإتحاد الأوروبي في 22 أفريل 2002 خلال قمة «فالنسيا» بإسبانيا، ودخل حيّز التنفيذ في أول سبتمبر 2005، ليحلّ محلّ ما يعرف بعقد التعاون المبرم في أفريل 1976 حول «المقاربة الشاملة المتوسطية». وحدّد هذا الإتفاق الأطر التي يتطلب الأمر أن تكون منطلقا لترقية مبدأ الشراكة بين البلدين كإنشاء منطقة للتبادل الحرّ في أجل أقصاه 12 سنة، وتجسيد الحركية المالية وترقية الإستثمار في إطار برنامج «ميدا» وقروض البنك الأوروبي للإستثمار. ولا يتوافق الأمر عند هذا الحد، بل أن هناك محاور أخرى يتضمنها الإتفاق تندرج في إطار الخدماتي والإداري لها البعد السياسي أكثر من أشياء أخرى. لذلك، فإنه بعد 8 سنوات من التوقيع، يجدر بنا أن نقيّم هذا الإتفاق. ولأول وهلة يظهر من خلال ما ورد في بنود العقد مصطلح «التفكيك»، والشغل الشاغل للطرف الأوروبي هنا هو إزالة كل ما تسميه بال«الحواجز»، سواء أكانت جمركية أو إدارية وحددته في أجندة واضحة المعالم. وضمنيا، فإنّ مثل هذه الإجراءات ماهي إلا إقرار بتكسير الإقتصاد الجزائري وإدخاله في دوامة من الفراغ، لا تحكمه القوانين وإنما يخضع لمقولة «دعه يمرّ...». وهذا غير ممكن في بلد مثل الجزائر الذي لا يحتاج إلى مثل هذه الذهنية الأوروبية التي تريد تهديم أي شيء قائم في الجزائر باسم الشراكة، وأي شراكة التي خدمتنا اليوم. ليس هناك شراكة، كل ما في الأمر هناك أطما رهيبة في نهب العملة الصعبة الجزائرية، التي تدخل خزينة الدولة بفضل عرق الجزائريين. هذه حقيقة لا بد أن يعلمها الجميع، لماذا كل هذا التماطل من الجانب الأوروبي عندما يتعلق الأمر بالجزائر؟ وهل فكّكت هذه الدول «حواجزها الجمركية» لتسمح للمنتوج الجزائري أن يقتحم أسواقها. هؤلاء يرفضون رفضا قاطعا أن يجد هذا المنتوج مكانة في محلات أوروبا بدعوى أنه لا يخضع للمقاييس المعمول بها في المنظومة التجارية العالمية، لذلك فهو غير مؤهل أن يحظى بأي رعاية على الصعيد الأوروبي. هذه القراءة واقعية لا يمكن القفز عليها أو تجاوزها، لأنها كفيلة لوحدها قصد تجميد هذا الإتفاق أو المطالبة بمراجعته الجذرية، وتجريده من النزعة القائمة على تكسير الإقتصاد الجزائري، وفرض على هذا الأخير توجهات ليبيرالية بحتة لا تتساوق مع انشغالات الجزائريين، لأن الآمال المعلقة على هذا الإتفاق، لم تكن بالشكل الذي هي الآن، بمعنى الرسائل المشفرة الصادرة عن أوساط أوروبية مسؤولة تسعى لفرض كل ما هو ردعي وزجري في هذا الإتفاق. وبتوضيح أكثر إثارة كل الأحكام التي لها الجوانب بإضعاف الإقتصاد الجزائري، وفتح الأبواب للمنتوج الأوروبي بشكل غريب الأطوار، لا يعقل للجزائر أن تقبله على هذه الصيغة الحالية. لذلك، فإن الشراكة لا تعني السياسة. الكثير من هؤلاء الأوروبيين بدلا من إبداء ملاحظات جادة ومحترمة تجاه قانون المالية التكميلي، أقاموا الدنيا ولم يقعدوها حيال القرض المستندي «كريدوك». طالبوا بإلغائه لأنه حرّم المتطفلين من مواصلة نهب العملة الصعبة بطرق غير شرعية، وأبعد المتعاملين الوهميين من الساحة، وطهّر التجارة الخارجية الذين يستوردون بأموال البنوك. إننا حقا أمام حالة مستعجلة ستكون الفرصة مواتية أمام الجزائريين خلال شهر جوان القادم قصد إبلاغ مجلس الشراكة على ضرورة إعادة النظر في عقد الشراكة بين الجزائر والإتحاد الأوروبي على أسس مغايرة لما كانت عليه في 2002، لأن هناك معطيات جديدة طرأت خلال هذه السنوات جديرة بأن تناقش على أكثر من مستوى. وكذلك مساءلة الطرف الأوروبي عن كل هذا التأخير في تفعيل الإتفاق الذي لا يجب أن يكون أحادي الجانب أي من طرف الجزائري، بل على الأوروبيين أن يبدوا نوعا من الإرادة في هذا المجال، وهذا من خلال التخلي عن الأحكام المسبقة والخلفيات أو العمل على استهداف قطاعات معينة في التعاون دون أخرى، وهو ما يحصل اليوم للأسف والأكثر من هذا الإحجام عن أي فعل ملموس على ترقية مجالات معينة، في حين أن ما كان مخصصا للجزائر ذهب إلى بعض البلدان. لا يمكن للجزائر في سياق كهذا، أن تبدي تفاؤلها إزاء أناس يتحايلون عليها إقتصاديا وتجاريا، ونواياهم سيئة تجاه هذا البلد، ويفكرون فقط كيف يستولون على العملة الصعبة ليس عن طريق الإستثمار، لكن بواسطة البيع المباشر. وهذا مرفوض، لأن التجربة بينت أن بعض البلدان القريبة منا وجدت صعوبة في إيجاد سيولة مالية، عندما قررت المؤسسات الأوروبية المقامة عندها تغيير وجهة نشاطها نحو الصين أو البلدان الشرقية، وهذا بعد ملاحظتها غلاء اليد العاملة وتزايد الضريبة عليها في هذا البلد،ممّا أوقع لها فراغا رهيبا على كافة الأصعدة. لا تريد الجزائر أن يتكرر هذا السيناريو عندها ما لم تحصّن ترسانتها القانونية، الإقتصادية، التجارية والمالية بآليات فعّالة ومتكاملة تتحكم في كل طارئ أو مستجد، وهذا ما يرفضه الأوروبيون حاليا، لأن ذهنيتهم مبنية على منطق التعالي في المعاملات، ولا يمكن أن نقبل بهذه الذهنية.