بعد محاكمة ماراطونية دامت لساعات نطقت في ساعة متأخرة من ليلة أول أمس، محكمة الجنايات لدى مجلس قضاء وهران بالحكم 05 سنوات سجنا نافذا في حق رئيس مصلحة الشرطة القضائية السابق بمديرية الأمن الولائي برتبة محافظ المدعو "م.ي"، كما أدانت المتهم الثاني في القضية المدعو "د.ج" وهو ضابط في نفس المصلحة بنفس العقوبة، بالإضافة إلى مفتشة الشرطة "ز.ل" التي أدينت بسنة نافذة وغرامة 10 آلاف دينار، أما المتهم الرابع الذي يوجد تحت الرقابة القضائية استفاد من البراءة، وذلك بتهمة التزوير والنصب والسرقة. الضحية تحبط مخطط الاستيلاء على مال اليتامى. كانت الشكوى التي أودعتها الضحية "ح.م" بمثابة المفتاح الذي كشف خيوط اللعبة التي أحيكت من قبل مسؤولين في سلك الشرطة للاستيلاء على مبلغ من المال المحجوز عن طريق التزوير في أحد وصولات استلام مقدر ب 121 مليون سنتيم، حيث تم الاستحواذ على حصة معتبرة من المال الذي تم حجزه في بيت هذه الأخيرة بناء على إذن بالتفتيش من قبل وكيل الجمهورية نفذ بتاريخ 25 أكتوبر 2005، حيث قامت فرقة الشرطة القضائية التي يرأسها المحافظ "م.ي" المتهم الرئيسي في القضية رفقة الضابط "د.ح" المتهم الثاني، بالإضافة إلى مجموعة من أعوان الشرطة بمداهمة منزل لأحد مروجي المخدرات وهو شقيق الضحية، حيث عثرت على كيس أسود به 02 كلغ من المخدرات، بالإضافة إلى مبلغ مالي يفوق 12 مليون سنتيم تم حجزها، كما تم العثور على صندوق خشبي به مبلغ 121 مليون سنتيم، قالت بشأنه الضحية إنه يعود إلى الورثة وهم يتامى ترك لهم أبوهم هذا المال، إلا أن الملفت في القضية هو أن الإجراءات القانونية المتعلقة بالمواد المحجوزة عرفت تأخرا بأربعة أيام إلى غاية 29 أكتوبر 2005، حيث حرر رئيس فرقة الشرطة القضائية التي قادت عملية المداهمة وصلا يحدد قيمة المال المحجوز الذي وجد في الصندوق الخشبي ب 121 مليون سنتيم، حيث قام جميع أعضاء فرقة الشرطة القضائية من ضباط وأعوان بالتوقيع على هذا الوصل، إلا أنهم تفاجأوا بعد ذلك برئيسهم يدعوهم إلى الإمضاء على وصل آخر قيمته 100 مليون سنتيم، وهنا أخذت الشكوك تنتابهم دون أن يتجرأوا على الاستفسار عن الدوافع الكامنة وراء هذه التصرفات اللاقانونية. وسعيا منها إلى استرداد مال اليتامى المحجوز الذي تأكدت مصالح مديرية الأمن بوهران، فيما بعد، بأنه ليس ضمن مداخيل السموم التي كان يروجها شقيق الضحية، وجدت أن المبلغ الذي قدم لها من قبل المفتشة "ز.ل" بأنه تم الاستيلاء على حصة منه مقدرة ب 34 مليون سنتيم، حيث صرحت الضحية بأنها قضت 05 ساعات كاملة رفقة أشقائها لحساب المال الذي تم استرجاعه، علما أنها كانت أمضت على وصل استلام قدمته لها المفتشة المذكورة آنفا يحتوي على مبلغ 100 مليون سنتيم فقط، وهو الأمر الذي لم تتفطن له الضحية كونها لا تعرف القراءة والكتابة. الضابط وأعوان الشرطة يلعبون دور "شاهد ماشفش حاجة"؟ ذكر ضابط الشرطة المتورط في القضية الذي هو حديث العهد في سلك الشرطة، حيث التحق به منذ سنتين فقط، كما أنه متربص بالمصلحة الجديدة التي تم توجيهه إليها بعدما كان يشتغل كمعالج نفسي بمصلحة الأمن، أن "رئيس مصلحة الشرطة القضائية مارس عليه ضغوطات كبيرة" وهو الأمر الذي جعله يتكتم عن عملية التزوير التي طالت وصل الاستلام للمال المحجوز، حيث وقع هو شخصيا على وصلين الأول حقيقي يحتوي على مبلغ مالي مقدر ب 121 مليون سنتيم والثاني مزور يحمل مبلغ 100 مليون سنتيم. وأضاف ذات المصدر أنه كان غير مقتنع بالوصل الثاني الذي أرغم على توقيعه ولم يتمكن من اتخاذ أي موقف شجاع ينصف الضحية ويجنبه هو ومن ورائه مديرية الأمن بولاية وهران فضيحة بهذا الحجم وكان أعوان الشرطة الذين شاركوا هم أيضا، في عملية المداهمة ووقعوا وصلي الاستلام على علم بتفاصيل اللعبة التي حاكها بإحكام رئيس مصلحة الشرطة القضائية، ولم يستطيعوا، شأنهم شأن الضابط المسؤول المباشر عنهم، تقديم شكوى لدى مدير الأمن الولائي أو وكيل الجمهورية، حيث وقفت فترة التربص في وجههم "كحجر عثرة"، فالكل كان يسعى للحفاظ على مصدر عيشه حتى ولو على حساب أموال المواطنين التي من المفروض أن تصونها مصالح الأمن لا أن تكون سببا في سرقتها، .. تعرضت إلى ضغوطات ومساومات من قبل المحافظ "م.ي" كون أنني عون أمن متربص.. لقد تفاجأت باختفاء المحضر الأول الذي وقعناه نحن أعضاء فرقة الشرطة القضائية التي داهمت بيت مروّج المخدرات وتمكنت من حجز كمية من السموم وصندوق الخشب الذي يحتوي على 121 مليون سنتيم وكررنا عملية الحساب كي لا نقع في الخطأ وذلك أمام مرأى ومسمع محافظ الشرطة "ط" الذي يرأس مصلحة المالية بمديرية الأمن، إلا أنه بعد عودتي صباحا في اليوم الموالي تفاجأت بفتح الصندوق الخشبي...، قال أحد أعوان الشرطة، كما أضاف زميل له كان سائقا لإحدى مركبات الشرطة التي نفذت عملية التفتيش للبيت المشبوه، بأن الإجراءات القانونية المتعلقة بالمحجوزات هي من صلاحيات رئيس مصلحة الشرطة القضائية والمفتشة "ز.ل. الشهود لا يشهدون للمفتشة ورد ذكر اسم المفتشة "ز.ل" في كل مرة من قبل الشهود، هذه الأخيرة التي لا يقل وضعها المهني عن رفقائها الذين لديهم علاقة مباشرة بالقضية، فهي كانت أيضا متربصة تسلمت منصبها الجديد كمفتشة بمصلحة الشرطة القضائية منذ 06 أشهر فقط، وقالت بأنها لم تحضر عملية المداهمة لبيت الضحية كونها خرجت ساعة قبل الدوام، هذا يطرح التساؤل عن مدى احترام مواقيت العمل بحكم انتمائها إلى مؤسسة أمنية يعد الانضباط أحد ركائزها؟ وأضافت بأنها كانت تجهل كمية ونوعية المحجوزات إلى أن أخبرها في اليوم الموالي المحافظ "ط"، إلا أن الملفت أثناء أطوار المحاكمة ما صرحت به المفتشة كون أن الضحية أرادت أن تنتقم منها، لأنها لم تعد إليها المال بادىء الأمر، كما لم تستبعد أنها أخطأت أثناء عملية حساب المبلغ الذي قدمته للضحية بناء على وصل استلام أمضته هذه الأخيرة يحمل مبلغ 100 مليون سنتيم، وقد أبدت المفتشة استماتة للدفاع عن نفسها وإثبات براءتها، إلا أنها لم تتغلب في الأخير على دموعها وأجهشت بالبكاء، بعد سلسلة من التصريحات لرفقائها في المهنة الذين لم يشهدوا لها وأقروا معرفتها المسبقة بالقيمة الحقيقية للمال المحجوز وأنها وقعت بذلك في مخطط رئيسها للاستيلاء على مال الضحية. وما زاد في تعقيد أمور المفتشة هو استقدام مروّج المخدرات الذي ألقت عليه مصالح الشرطة القضائية القبض أثناء المداهمة كشاهد أثناء المحاكمة، حيث صرح بدوره بأنها كانت رفقة المتهم الرئيسي أثناء عملية الكشف عن المحجوزات، أي كانت تعلم بنوعيتها وكميتها، وبالنسبة لمحافظ الشرطة "ط" المكلف بمصلحة المالية بمديرية الأمن الولائي بوهران والذي ورد اسمه أثناء جلسة المحاكمة لم ينكر الوقائع التي سردها الشهود. المتهم الرئيسي مسبوق قضائيا بعامين حبسا نافذا يبدو أن المتهم الرئيسي في القضية الذي دخل سلك الشرطة في عام 1989 برتبة مفتش وتدرج في المناصب إلى أن ترأس مصلحة الشرطة القضائية برتبة محافظ بمديرية الأمن بوهران على دراية بأمور النصب والتزوير، كونه مسبوق قضائيا بعامين حسبا نافذا، بدليل أنه وجد غطاء قانونيا يحتمي به، حيث لجأ لتوقيعات أعضاء فرقة الشرطة القضائية التي صاحبته في تنفيذ العملية المشبوهة، كي يعطي لعمله الإجرامي صبغة قانونية، إلا أن شكوى الضحية أخلطت أوراق الجاني، كما أن مسلسل الإنكار استمر مع المتهم الرئيسي، حيث طلب من رئيس المحكمة أن يسأل الضابط الذي قال بأنه تعرض لضغوطات من قبله، لماذا انتظر كل هذه المدة ولم يفصح عن التجاوزات التي تمت أثناء القيام بالإجراءات الإدارية المتعلقة بالمواد التي حجزها؟ وكان حري به أن يتصل بأعلى هيئة وهو مدير الأمن الولائي بوهران أو يحتمي بالقانون بإيداعه شكوى لدى وكيل الجمهورية. الطرف المدني يستنكر والنيابة تلتمس توقيع أقصى العقوبات استنكر محامي الطرف المدني من "التصرفات اللاقانونية التي يندى لها الجبين"، سيما وأن المتورطين فيها هم موظفون في سلك الشرطة "إئتمنهم المواطنون على أعراضهم وأموالهم، فأضحوا عبرة للاأمن، حيث سوّلت لهم أنفسهم الأمارة بالسوء أن يمدوا أيديهم لمال أيتام مستغلين سلطتهم الإدارية والقانونية في ذلك دون وجه حق"، حيث أكد الطرف المدني أن موكلته وقعت ضحية ثقتها في مصالح الأمن التي استغلت أميتها ووقّعتها على وصل استلام مزور لا يحمل قيمة المال الحقيقية التي حجزتها فرقة الشرطة القضائية، وأمام ثبوت جناية التزوير في محررات رسمية والنصب والسرقة في حق المتهمين التمست النيابة العامة توقيع عقوبة رادعة لأمثالهم كونهم ليسوا مواطنين عاديين، بل هم أعوان الدولة الذين يجب أن يسهروا على تطبيق القانون لا أن يكونوا هم السباقين لانتهاكه. للإشارة، فإن المحاكمة الماراطونية التي دامت لساعات عرفت حضورا مكثفا لإطارات وأعوان الشرطة بالزي المدني حضروا لمتابعة محاكمة زملائهم في المهنة، الذين أهدوهم بمناسبة الاحتفال بعيد الشرطة العربية المصادف ليوم 18 ديسمبر "فضيحة" تضاف إلى تلك التي عرفتها مديرية الأمن الوطني في الآونة الأخيرة. محمد حمادي