يخطئ من يحاول إلصاق اللجوء إلى "البتر" من سمات الشعوب العربية وحكامها، فالتاريخ الحديث يشهد على أن عبد الناصر وصل الحكم بانقلاب، لكنه لم يقتل الملك، وبومدين بانقلاب، لكنه لم يقتل بن بلة وصدام بانقلاب ولم يقتل حسن البكر.. كان السجن أقسى ما يلجأ إليه الإنقلابيون وأحيانا التسريح الجميل. وتكاد تكون حادثة شنق صدام حسين في قلب العراق استثناء في تاريخ العرب.. بل إنه ما كان ليحدث لولا تدخل الإرادة والإدارة الأمريكية التي دفعت إلى الحكم به وتنفيذه بسرعة، وابتهجت ببلوغه وهي التي تمنع تنفيذ الحكم بالإعدام في معظم الولاياتالأمريكية. ويبدو شنق رئيس دولة في بلاده بعد أن حكم البلاد لمدة 24 سنة "أي حوالي ربع قرن.. هو إهانة للشعب، إذ كيف يصبر هؤلاء كل هذه المدة على رئيس "أهان" شعبه دون أن يتحرّك هذا الشعب إلا بتدخل أجنبي". والغربيون الذين هلّلوا وعلّقوا كثيرا على صدام حسين كانوا السباقين إلى إعدام زعمائهم من الدكتاتوريين والفاشيين.. فالإيطاليون هم الذين قتلوا الزعيم بينيتو موسوليني وكان عمره 62 سنة.. وكان الفاشي موسوليني الذي هو من مواليد 29 جويلية 1883 أحد بيادق الحرب العالمية الثانية، قد تمّ توقيفه في 26 أفريل 1945 من طرف مقاومين إيطاليين كانوا على صلة بالأمريكان، وبعد يومين من توقيفه قاموا بشنق وإطلاق الرصاص على جثته، وكان حينها رفقة صديقته "كلارا بيتاتشي" ذات 33 سنة وتمّ قتلهما في دانغو، كما قام المقاومون بعرض جثتيهما في 29 أفريل في مدينة ميلانو ومازالت الصور موجودة في متاحف إيطاليا لحد الآن، تؤكد جميعها على أن الإيطاليين منذ حوالي ستين سنة أعدموا زعيمهم موسوليني، وكان سيكون مصير هتلر ذات مصير موسوليني لو سقط في قبضة الألمان، لكن هتلر اختار الانتحار على أن يعدمه شعبه. كما عاشت رومانيا في زحمة البريسترويكا حادثة مماثلة مع زعيمها "التاريخي" نيكولاي تشاوسيسكو الذي تم نحره رفقة زوجته وعمره قد قارب 72 سنة "71 سنة و11 شهرا" وما قيل عن صدام حسين ينطبق أيضا على تشاوسيسكو الذي حكم البلاد لمدة 22 سنة كاملة، لينتهي مصيره بالنحر بطريقة رهيبة لم يحدث مثيل لها في التاريخ.. تشاوسيسكو الذي ولد في 26 جانفي 1918 تسلم زمام رئاسة رومانيا عام 1967 في استقرار شامل إلى غاية ثورة 1989 التي هلك فيها 1104، حيث انقلب الوضع عندما أعلن التلفزيون الروماني في 21 ديسمبر 1989 بأن المدرعات تدخلت في بوخارست وقتلت الكثيرين تحت عجلاتها وتمّ في اليوم الموالي إعلان حالة الطوارئ القصوى ثم اهتزت رومانيا على خبر انتحار وزير الدفاع الروماني الجنرال فازيل وحينها اختلط الحابل بالنابل، فهرب نيكولاي تشاوسيسكو مستعملا طائرة هيليكوبتر وقبض عليه في مدينة تشيرغوفيست، حيث تمّ تنفيذ إعدامه رميا بالرصاص وكان رفقة زوجته أم أبنائه الثلاثة. واتضح بعد إعدامه أن الإعلام بالغ في ذكر عدد ضحايا ثورة رومانيا، إذ قالت الإذاعة المجرية أن عدد القتلى فاق 70 ألف وقالت الواشنطن بوسطت إنه جاوز المئة ألف، ليتضح أن العدد الرسمي هو 1104. رومانيا التي أنعم عليها الاتحاد الأوروبي بالانضمام إلى جنته في بداية هذا العام 2007، اعترفت بحقبة نيكولاي تشاوسيسكو، الذي ترك البلاد بدون دولار واحد من الديون، فمات وانتهى ولم تنته رومانيا التي بمجرّد أن غادرها زعيمها التاريخي حتى أصبحت واحدة من أكثر دول العالم تصديرا للمومسات. وإذا كان موسوليني قد أعدم رفقة صديقته وتشاوسيسكو رفقة زوجته، فإن إعدام صدام حسين جاء بعد قتل إبنيه عدي وقصي في صورة مأساوية في جويلية من عام 2003 وعرضت صورهما لاستفزاز العالم بأسره. كما حدثت إعدامات شهيرة شرقا وغربا مثل الحكم بالإعدام شنقا على الوزير الأول الباكستاني "علي بهوتر" في 6 فيفري 1979 في زمن الجنرال ضياء الحق، وبرغم تدخل زعماء كثيرون لأجل تراجع ضياء الحق، إلا أن وزيره الأول "منذ 1975. تقدم إلى المشنقة في شموخ وهو يقول "اللهم اشهد أني بريء من تهمة الخيانة". وحدث الإعدام الذي نسيه الشعب الروماني نهائيا في زحمة الإرتماء في الأحضان الأمريكية والاتحاد الأوروبي.. المهم أن الإعدام الذي تبرأت منه معظم الدول الأوروبية لم يكن أبدا مهنة عربية، فالإعدامات كانت ومازالت من صنع الغرب وطالت للأسف الزعامات التاريخية والأبرياء من الشعوب. ناصر