إذا كان الأمريكيون يعتقدون أن إعدام الرئيس العراقي المخلوع صدام حسين شنقا بالحبل مثل اللصوص وليس رميا بالرصاص مثل أسرى الحرب ، سوف يخمد لهيب المقاومة، فهم مخطئون ويؤكدون للرأي العام أنهم مثل التلاميذ الأغبياء الذين لا يحفظون دروسهم ولا يقومون بواجباتهم المنزلية التي يكلفهم بها أساتذتهم. لقد زعم الرئيس الأمريكي الذي يحمل عقدة أبيه بوش أنه سوف يخلص الشعب العراقي من دكتاتورية الرئيس صدام حسين ، ومن غير أن يطلب العراقيون منه ذلك وفي النهاية راح يحتل أرضهم وينتهك عرضهم ويقتل رجالهم ونساءهم وأطفالهم، فنعم الديمقراطية ديمقراطية أمريكا ونعم حقوق الإنسان حقوق أمريكا. هاهي أمريكا قد ألقت أعدمت الرئيس صدام، لكنها هل حررت الشعب العراقي من الظلم والطغيان والجبروت فهل هناك أفظع من أن يُحتل شعب في أرضه ويُنتهك في عرضه . بالتأكيد، ليس صدام سوى مرحلة في تاريخ العراقيين، والتاريخ لا يصنعه الأشخاص وإنما الأمم، فمثلما جاء صدام يذهب، مثله مثل بقية الحكام وكذلك سوف يذهب بوش مثلما ذهب أبوه من قبل .الثابت غير المتحول والذي يبقى إلى الأبد هو الشعب وليس سوى الشعب، وما دام الشعب هو الذي يحتضن مقاومة الاحتلال الأمريكي للتراب المقدّس، فإن العراق باق . لقد تحوّل التحرير الأمريكي للعراق إلى احتلال استيطاني مثلما الاستعمار الأوربي للشعوب العربية والإسلامية والإفريقية في القرن التاسع عشر وبعد قرنين من الزمن لا تريد أمريكا أن تحفظ الدرس، ومن أين لها أن تحفظ الدرس العراقي وقد أهملت الدرس الأفغاني وقبلها الدرس الصومالي والدرس الفيتنامي ولعل من سخرية الأقدار أن تصف أمريكا المقاومة العراقية بالعمل الإرهابي، وتدعي أن رجال المقاومة ما هم إلا أتباع للرئيس صدام حسين ، ولكن ما عساها تقول مرة أخرى وهي ترى التراب العراقي قد تحوّل إلى رماد تحت أقدام الغزاة من رعاة البقر. لترقص أمريكا بعدما أعدمت الرئيس صدام ، ولكن نصرها كاذب، فالمنتصر الوحيد هم العراقيون عندما يواصلون مقاومة الاحتلال . بل إن أمريكا قد كذبت منذ البداية عندما كانت تعتقد أن جيشها الذي لايُقهر سوف يقوم بجولة سياحية إلى العراق، وأن أهالي بغداد يستقبلون الفاتحين بالورود والزغاريد ومنذ بداية . قال الرئيس الأمريكي بوش الثاني بعدما أصبح يرى في نفسه إله العالم إننا سوف نخوض الحرب المقدسة بالأممالمتحدة أو بدونها، وكانت الحرب بدون الأممالمتحدة وبدون البابا أيضا ، لكن بعدما أصبح الجنود الأمريكيون يتنفسون تحت مياه المستنقع العراقي، أصبحت واشنطن تستنجد بالأممالمتحدة وتطلب من كل الدول أن ترسل جنودها إلى العراق لكي يموتوا بالنيابة عن الجنود الأمريكيين . وهل هناك مجانين يرسلون أولادهم إلى الموت في حرب لاناقة لهم فيها ولا جمل ، حرب كان ظاهرها التحرير وباطنها الاحتلال الذي لم يعد يُخفى على أحد . لم تكن أمريكا في الحقيقة تهدف إلاّ إلى توريط المجتمع الدولي في جريمتها ضد الإنسانية التي ارتكبتها في حق الشعب العراقي في وضح النهار، ولذلك تريد أن يتوزع دم القتيل بين الدول مثلما كانت تفعل القبائل العربية في زمن الجاهلية . أرادت الولاياتالمتحدةالأمريكية أن تغيّر الأنظمة العربية، فكان لها ما أرادت ، فبدأت بالعراق وحاولت مع فلسطين وسوريا ولبنان والسودان ونجحت في أفغانستان ، ولذلك تريد أن تؤكد للشعوب العربية أنكم لم تحسنوا اختيار حكامكم، وكذلك تريد أن تؤكد للحكام العرب أنكم لم تحسنوا حكم شعوبكم . لم تنتظر أمريكا حتى تثور الشعوب العربية ضد الأنظمة الحاكمة ولكنها قد أصبحت تحلّ محل إرادة هذه الشعوب، فهي تضع في الحكم من تشاء وتخلعه متى تشاء ، وما دامت أمريكا هي التي أصبحت تختار للعرب العاربة والعرب المستعربة، رؤساءهم وملوكهم وأمراءهم، لم يبق أمام الشعوب العربية، إلا أن يرفعوا إلتماسا إلى ربّ البيت الأبيض يرجون فيه أن يصبحوا يشاركون في الإنتخابات الرئاسية الأمريكية مثل بقية المواطنين الأمريكيين . وإذا كانت أمريكا قد حلت محل إرادة الشعوب العربية في اختيار حكامهم، يصبح من الواجب أن يشارك العرب في انتخاب الرئيس الأمريكي الذي جعل من الحكام العرب مجرد حكام عامين في ولاياتهم . إن أي حاكم عربي في مملكته أو في جمهوريته أو في إمارته، قد أصبح في أسوأ حال من أي حاكم في أية ولاية من الولاياتالأمريكيةالمتحدة الخمسين ، فعلى الأقل هناك ينتخب الحكام في ولاياتهم . أصبح إله العالم الجديد إبن بوش يأمر وينهى، ولم يبق أمام بقية حكام العرب من المحيط إلى الخليط غير التسبيح بحمد ربّ البيت الأبيض ، وقد رقص العرب والعجم والبربر ومن جاورهم من ذوي السلطان الأكبر لإعدام الرئيس صدام حسين من طرف زبانية مغول العصر. وكيف لا يرقصون مثل الطير الجريح الذي يسبح في بِركة من دمائه . بالتأكيد، لن تكون بغداد الأولى والأخيرة، وكذلك لن يكون صدام الأول والأخير، فالعرب الراقصون والمتراقصون حالهم يشبه حال المذبوحة التي تضحك على المسلوخة وهم يعلمون جيدا في أمثالهم أنه لا يضر الشاة سلخ بعد الذبح . ما لم يرد أن يفهمه العرب أن أمريكا وهي تعدم الرئيس صدام حسين قد أهانت العرب والمسلمين كل العرب والمسلمين من حكام ومحكومين في يوم عيد الأضحى المبارك ، وكأن الرئيس بوش يقول لهم إنني مثلكم أتقرب إلى الله ولكنني فضلت أن أضحي بواحد منكم. إبراهيم قارعلي: [email protected]