د. بشير مصيطفى: msitba@voila.fr مستشار اقتصادي/ دبي كتبنا في المقال ما قبل الأخير "الخميس 11 جانفي 2007" أن الجزائر معنية بصورة مباشرة بالرهانات الجديدة في مجال استغلال الغاز على آفاق العام 2020 وكتبنا أيضا أن تحدي نضوب النفط في الدول البترولية يفتح الباب أمام علاقات دولية من نوع جديد بين الاتحاد الأوربي وبعض دول شمال أفريقيا وعلى رأسها الجزائر التي تملك مخططا جاهزا لمضاعفة إنتاجها من الغاز. وأن هذه العلاقة تتشكل من طموحات الاتحاد الأوربي في تأمين مصادر دائمة للغاز وتخوفه من أن تعترض هذه الطموحات عقبات جيوسياسية ضمن التحولات الجارية في العالم، ومنها استباق الولاياتالمتحدةالأمريكية لاحتكار مصادر الطاقة التقليدية في الخليج والشرق الأوسط. وبعد 10 أيام من نشر هذا المقال، حلّ بالجزائر وزير الصناعة والمناجم الروسي لبحث التعاون بين الجزائر وفيدرالية روسيا في ملف نتوقع أن يصبح أبرز ملفات العلاقات الاقتصادية الدولية على الاطلاق " الأمن العالمي من الغاز" فما دلالة هذه الزيارة؟ وما هي أبعادها المستقبلية؟. رهان الغاز: طموحات روسيا ومخاوف أوربا فيدرالية روسيا هي أول دولة منتجة للغاز في العالم ومن حقها أن تتزعم كارتل جديد للغاز يكون بديلا عن منظمة "أوبيك" التي مازالت تموجات سوق النفط تثبت ضعفها في إدارة الأسعار أمام الشركات البترولية الكبرى وبورصات المضاربة، ومن حقها أيضا أن تجد حلفاء جيّدين من الدول المنتجة للغاز أو تلك المرشحة لأن تلعب هذا الدور مستقبلا. تماما كما يحق للجزائر، وهي خامس دولة منتجة للغاز عالميا، أن تتخذ من هذه المادة الطاقوية موجها آخر في رسم سياستها الخارجية ولاسيما مع الاتحاد الأوربي شريكها التجاري الثاني بعد الولاياتالمتحدةالأمريكية، وذلك من خلال تطوير نسبتها في الانتاج العالمي من الغاز وبالتالي تطوير عامل التحكم في توزيع هذه المادة عالميا. ومن جهة ثالثة يحق للدول الأوربية إبداء تخوفها من أية خطوة دولية أو إقليمية يكون من احتمالاتها الممكنة تشكيل كارتل جديد للغاز على غرار كارتل النفط عهد السبعينيات من القرن الماضي. وقد نشأ التخوف الأوربي عن عوامل عدة أبرزها: 1- الاتجاه العام في العالم نحو إحلال الغاز محل النفط في تشكيل المخزونات الاستراتيجية للدول من طاقة التدفئة ومن ثمة الاتجاه العالمي نحو زيادة الطلب على الغاز. 2- المخاطر المحدقة بإمدادات الغاز الى أوربا من روسيا عبر دول الجوار "بيلاروسيا مثلا"، وكلنا يتذكر أزمة شتاء العام الماضي عندما أوقفت هذه الدولة ممرات الغاز عبر أراضيها مما فجر ملف الأسعار من جديد. 3- بروز مناطق اقتصادية جديدة في العالم تتصف بنمو ديمغرافي عال على آفاق العام 2020 ومنها الهند "1.3 مليار ساكن" والصين "1.4 مليار ساكن"، وبدرجة أقل البرازيل وأندونيسيا" ومعنى ذلك دخول مناطق عملاقة ساحة التنافس على ما تبقى من الطاقة الأحفورية "النفط" وعلى المصادر المحتملة للغاز. 4- احتمال أن يتطور منتدى الدول المنتجة للغاز، الإطار القائم حاليا للتنسيق، بين هذه الدول فيما له صلة بسوق الغاز الى شكل أكثر فعالية في اتجاه احتكار انتاج وتوزيع هذه المادة، ومن ثمة فرض اتجاهات جديدة في السياسة الخارجية لدول لاتحاد الأوربي لن تكون بالضرورة في خدمة مصالحها المشتركة. 5- التوقعات بشأن التحول الديمغرافي في بعض الدول الأوربية لصالح كبار السن والمتقاعدين والذين تشملهم الرعاية الاجتماعية وهم الفئة الأكثر حاجة لوقود التدفئة الذي يشهد هو الآخر تحوّلا نحو مادة الغاز. مشهد من شأنه أن يزيد من حساسية الأمن القومي الأوربي لأية هزة قد تمس سوق الغاز ولا سيما ضمن الشريط التقليدي للمنتجين الكبار مثل الجزائروروسيا. وضمن هذه الاعتبارات تحظى الدول المنتجة للغاز جنوب المتوسط شمال افريقيا بميزة خاصة في المنظور الأوربي لما بعد العام 2020، ويبدو أن كل تطور يمس المنطقة اليوم في مجال الإمداد بالغاز سيمس الأمن القومي الأوربي لاحقا. الجزائر في قلب الرهان تذهب عديد التحليلات الى أن الجزائر من منظور بنيتها الاقتصادية الحالية، لن يكون في متناولها الاستقلال عن المحروقات في إدارة الاقتصاد لديها لنصف قرن آخر من الوقت على الأقل، ولو أن فك الارتباط بالمحروقات في تمويل تنمية دائمة يظل حلمنا الجميل وربما يتحقق في فترة لاحقة. وإذا كان تحولا محتملا في هذه الفرضية فسيكون على قاعدة إعادة تشكيل المساهمة النسبية لكل من النفط والغاز في الصادرات الوطنية. ويرشح الغاز ليحتل صدارة المحروقات المعدة للتصدير لاعتبارات محددة هي: 1- العمر الافتراضي لاحتياطات الجزائر من الغاز والذي يفوق عمر النفط الممكن الاستخراج بنحو 20 سنة. 2- القدرات الكامنة لحقول الغاز الجزائرية والتركيز سابقا على استخراج مادة النفط مما أثر سلبا على العمر الافتراضي لهذه الأخيرة. 3- والأهم من ذلك كله أن للجزائر هامش اختيار أوسع للشراكة الأجنبية في مجال الغاز مقارنة بقطاع النفط بسبب احتكار الشركات الغربية "ولا سيما الأمريكية" لعقود الاستكشاف والاستغلال منذ الاستقلال، في حين تكتسب الشركات الروسية ونظيرتها العاملة في أمريكا اللاتينية قدرات تنافسية أرقى في قطاع الغاز ولدى الدول التابعة لها جاهزية أقوى للتعاون الاستراتيجي بدل الاستغلال الرأسمالي. من هذا المنظور نفهم لماذا تم تعديل قانون المحروقات الجزائري "جويلية 2005" لصالح شركة سوناطراك أمام الشركات الغربية دون أن يتوقع المقرر في الجزائر رد فعل مؤثر من هذه الشركات.