د. بشير مصيطفى: msitba@voila.fr مستشار اقتصادي/ دبي أعلن البيت الأبيض الأمريكي ارسال 20 ألف جندي الى العراق ساعات قليلة بعد اعدام الرئيس صدام حسين ، وبعدها بساعات أعلنت دولة عربية عن رفع توظيفاتها المالية في الاقتصاد الأمريكي الى 6 مليار دولار أي ما يعني 80 بالمائة من احتياطيها من النقد الأجنبي في صورة أذونات الخزانة الأمريكية وذلك ساعات قليلة من قرار الاحتياطي الفدرالي الأمريكي الرفع من سعر الفائدة . وبين العشرين ألف جندي أمريكي الاضافية في بغداد و الست مليارات العربية الاضافية في واشنطن تكمن دلائل عديدة لا يوجد بلد عربي واحد بمنأى عنها ولو كان بلدا معدما فقيرا مثل الصومال . تأمين امدادات النفط لما بعد العام 2020 أرسل المحافظون الجدد في أمريكا مزيدا من جنودهم الى العراق بعد أن اتخذوا من بعض دول الجوار قواعد عسكرية دائمة لهم وستستمر أكبر قوة عسكرية في العالم في ارسال المزيد من قواتها الى المنطقة ولفترة من الزمن قد تزيد عن الربع قرن من الدورة الجديدة لارتفاع أسعار النفط الى مستواه الحالي ( 2006 ) أي الى غاية العام 2030 . وسيظل مفهوم الأمن القومي الأمريكي كامنا في عنصرين اثنين : 1- تأمين امدادات الطاقة التقليدية ( البترول والغاز ) الى الداخل الأمريكي بما يحافظ على عامل التفوق ويخدم نظرية المخزون ويحد من أية ثورة محتملة للمواطن الأمريكي للمدى البعيد . 2- الحفاظ على ما يسمى بالسعر المناسب للبرميل الواحد من النفط بما تمليه حسابات الكلفة الاقتصادية للمنتوج الأمريكي و منتوجات الحلفاء الدائمين للولايات المتحدةالأمريكية من جهة ، وما تمليه مصالح الشركات النفطية الأمريكية في تحقيق الأرباح الضخمة ( جل السياسيين الأمريكيين شركاء في كبريات الشركات النفطية في العالم ) من جهة ثانية . والذي يرغب في التأكد من هذه الفرضية فليعد الى الى ( تقرير المجلس القومي للاستخبارات الأمريكية المتضمن مشروع أمريكا 2020 ) ، أو الى الأحداث التي سبقت و رافقت وأعقبت العملية الاسرائلية في لبنان الصيف الماضي . فأما التقرير المذكور فيتوقع أن ينمو الطلب على النفط في العالم بنسبة 50 بالمائة خلال العشرين عاما القادمة ، وهو ما يفوق نمو الاقتصاد العالمي برمته في الفترة ( 1980-2000 ) والمقدر ب 34 بالمائة . واذا علمنا أن نسبة استهلاك الاقتصاد الأمريكي وتحكم الشركات النفطية الأمريكية في التدفق العالمي من النفط تزيد عن النصف ( 50 بالمائة ) ، أدركنا ماذا تعني الدول انفطية على خارطة الأمن القومي الأمريكي . والحدث البارز الثاني الذي يؤكد هذا المعنى هو الاحتفال الكبير الذي احتضنته تركيا في الثاني عشر من شهر جويلية الماضي ( نفس اليوم الذي شنت فيه اسرائيل أولى طلعاتها على الجنوب اللبناني ) ، في هذا اليوم التقى مسؤولون سامون من دول ثلاث هي : أمريكا ، بريطانيا واسرائيل في اسطمبول احتفاء بتدشين مشروع أنبوب نفط جديد يصل حقول بحر قزوين في الجوار الروسي بشرق البحر المتوسط مرورا بعدة دول عربية ويضخ مليون برميل نفط يوميا ، وكان من أبرز الحاضرين في الاحتفال عسكريون ، دبلوماسيون ومديرو شركات نفطية . كل شيء على أرض العراق يشتعل سوى قطاع واحد هو قطاع المنشآت النفطية وستظل هذه المنشآت بعيدة عن كل عملية تخريب مادامت تضخ النفط الى الداخل الأمريكي والى داخل الدول دائمة التحالف مع أمريكا . الدولرة الجديدة وأثر الفائدة الربوية وفي الطرف الآخر من العالم تتبارى جل الدول النفطية في شراء أذونات الخزانة الأمريكية عن طريق توظيف ما تدره عليها الريوع النفطية ما يفسر تقويم هذه الدولار لاحتياطيها من النقد الأجنبي بالدولار الأمريكي بدل اليورو الأوربي . وعندما أبدت دولة عربية صامدة نيتها في تحويل احتياطيها من الدولار الى اليورو أعطيت تعليمات للبنوك الأمريكية بحجب الخدمات البنكية عن هذه الدولة بما في ذلك التحويلات المصرفية . وعندما حاولت بعض دول الخليج العربي أن تذهب نفس المذهب ظهرت الى السطح مؤشرات أزمة جديدة قد تعصف بمشروع عربي رائد طال انتظاره ، العملة الخليجية الموحدة وارتقاء نظام الوحدة الاقتصادية بين دول الخليج . وعندما أثير موضوع التحول من الدولار الى اليورو في السياسات المالية لبعض الدول النفطية أبرزها دولة ايران هاهو البنك الفيدرالي الأمريكي يسحب البساط من تحت النظام النقدي الأوربي برفع سقف الفائدة من جديد على الرغم من أثار ذلك على مستوى التضخم والأسعار . الاجراء الأمريكي بخصوص رفع سعر الفائدة يراد منه محاصرة نزعة الاستقلال عن الدولار واستقطاب مزيد من التوظيفات الخارجية في أذونات الخزانة الأمريكية ، وهو ما حدث فعلا وسريعا أيضا ، وتستثمر الدول العربية النفطية حدود 80 بالمائة من احتياطيها من النقد الأجنبي في عمليات الخزانة الأمريكية : كيف يكون حال البلدان العربية ومعها حال المواطن العربي لو استثمر جزء من هذه التوظيفات في مشاريع قطرية أو اقليمية ؟ لا أرى فارقا ذا بال بين الاجرائين : ارسال مزيد من الجنود الأمريكيين الى العراق ورفع سعر الفائدة لدى الاقتراض في واشنطن سوى أن الأول اجراء عسكري يساعد على تأمين امدادات النفط الى الداخل الأمريكي والثاني اجراء اقتصادي يوظف جزء ا من هذه الامدادات في الصالح الأمريكي : هذا جانب من ثلاثية التفوق لدى المحافظين الجدد في أمريكا ، العسكر – الصناعة والشركات متجاوزة الحدود . مخاطر النظام النفطي العربي في تقرير المجلس القومي للاستخبارات الأمريكية الذي أشرنا اليه نقرأ التالي : ( يمكن أن يعني نمو نسبة الغاز في ميزان طاقة التدفئة في أوربا تعزيز علاقاتها في المنطقة ، على سبيل المثال مع روسيا وشمال افريقيا ، مع الأخذ بعين الاعتبار العلاقة المتبادلة بين الدول التي تمر عبرها أنابيب الغاز ) . ومعنى هذا الكلام أن الصراع الدولي حول امدادات النفط سيتحول في المدى المتوسط الى قطاع الغاز ( العمر الافتراضي للغاز المتاح عالميا يشكل ضعف العمر الافتراضي للنفط فهو اذن أطول عمرا ) ، وهو ما تؤكده الأحداث الأخيرة بين روسيا وبلاروسيا حول امدادات الغاز الى الاتحاد الأوربي . واشارة التقرير الى شمال أفريقيا يعني بالدرجة الأولى دولتين الى ثلاث دول : الجزائر ، ليبيا والى حد ما موريتانيا التي تبشر بمستقبل غازي محتمل . الجزائر التي تملك مخططا جاهزا للرفع من قدراتها الانتاجية من الغاز الى حدود 120 مليار متر مكعب سنويا ، والتي يزيد احتياطيها من النقد الأجنبي عشر مرات عن الدولة العربية التي ألمحنا اليها ، تقع في قلب الصورة لتي يريد هذا المقال أن يرسم جانبا من تقاسيمها للقارئ . فالى أي حد يتمكن واضع السياسات في الجزائر من توظيف كل هذه المعطيات لفائدة الاقتصاد الوطني قبل أي اقتصاد آخر ؟