عرفت قضية اختطاف ابن أحد تجار دبيبالعلمة نهاية مأساوية، بعدما أقدم الخاطفون على قتل الطفل عامر بطريقة بشعة، حيث قاموا بخنقه بواسطة سلك فولاذي ورموه على حافة الطريق، دون أن ينتظروا الفدية التي طلبوها والمقدرة ب1 مليار، ليكونوا بذلك قد تنازلوا على المال، لكنهم قتلوا الطفل وخلّفوا وراءه حيرة كبيرة اهتزت لها المدينة بكاملها، حيث امتنع تلاميذ كل المدارس عن الدراسة وأغلق تجار دبي محلاتهم تضامنا مع والد الضحية في مشهد درامي يوحي أن ما حدث في العلمة ليس بجريمة عادية، بل كارثة تعدت حدود الإنسانية. كل شيء بدا أمسية يوم الأحد الماضي، لما عاد الطفل فردي عامر (البالغ من العمر 11 سنة) من المدرسة المعروفة باسم هلالي عمر وكعادته توجه الطفل المرح إلى منزله الكائن بحي 19 جوان، وبعدما دخل البيت رمى المحفظة وخرج يلعب رفقة أصدقائه في حدود الساعة الرابعة مساء، وفي هذا الوقت كان أغلبية أفراد العائلة في بيت الجد الكائن بوسط المدينة بسبب وفاة عم الوالد، وبينما كان الطفل منهمكا في لعبة الكريات ركنت سيارة غريبة قرب المنزل بها أشخاص مجهولون. الخاطفون يطلبون مليار سنتيم وحسب أصدقاء عامر، فإن السيارة من الحجم الكبير وبها عجلة معلقة من الجهة الخلفية، أي أن الأمر يتعلق بسيارة من نوع (4 * 4)، فنزل منها شخص وتوجه مباشرة ناحية عامر وطلب منه أن يصطحبهم ليريهم منزل جده حتى يتمكنوا من تعزية الأهل، وبنية حسنة ركب الطفل معهم وغادروا المكان إلى وجهة مجهولة. وفي المساء افتقدت الأم ابنها، فأمرت شقيقه أن يبحث عنه، لكن هذا الأخير لم يجده في ضواحي الحي ومع مرور الوقت لم يخطر على بال الأهل أن الطفل قد تعرض لمكروه. لكن في حدود الساعة التاسعة ليلا حدث ما لم يكن في الحسبان، حيث تلقى ابن عم والد الطفل رسالة هاتفية من نوع »أس.أم.أس« يخبره فيها كاتبها أن الطفل قد اختطف وأن الخاطفون يطلبون 1 مليار حتى يتسنى لهم استرجاعه. متلقي الرسالة لم يحمل الموضوع محمل الجد وظن أن الأمر يتعلق بنوع من المزاح الثقيل، لكن مع مرور الوقت ومع عدم ظهور أي أثر للطفل عامر بدأت الشكوك تنتاب العائلة، فتم تبليغ الشرطة وظلت عمليات البحث مستمرة في كل أرجاء المدينة ويستمر البحث إلى ساعات متأخرة من الليل، وهو الوقت الذي تلقى فيه ابن عم والد الضحية رسالة هاتفية أخرى تؤكد له عملية الاختطاف وتلح على طلب الفدية. مرسل هذه الرسالة ظل طبعا مجهولا وكل المعلومات المتوفرة حاليا، أن صاحب الرسالة يستعمل رقما من نوع »جيزي« ويفضل الرسائل القصيرة عن الحديث بالصوت، ولما يحاول مستقبل الرسائل الحديث مع هذا المجهول يبقى الهاتف يرن دون أي إجابة، ليقرر بعدها هذا الشخص المجهول إطفاء هاتفه. وفي صبيحة اليوم الموالي يستأنف المجهول اتصالاته المكتوبة، فيبعث برسائل أغلبيتها غير مفهومة ومكتوبة بأسلوب ركيك، مما يعني أن المستوى العلمي للمرسل محدود، لذلك وجد الأهل صعوبة في فهم ما بعث إليهم، فأحيانا يلح الخاطفون على ضرورة تقديم الفدية، فكتبوا بصريح العبارة »كشما وجدتوا دراهم« وفي رسالة أخرى يهددون بقتل الطفل وبعد مدة تنقطع الرسائل وينطفئ الهاتف، ليبقى أهل الطفل في حالة ترقب وترصد للهاتف النقال الذي يعتبر الوسيلة الوحيدة التي تربطهم بالخاطف، وفي الأمسية تصل رسالة أخرى تلوم أهل الطفل لإسراعهم الى تبليغ الشرطة، وظل الأمر على حاله، في الوقت الذي انتشر الخبر في المدينة ولا حديث للعامة، إلا عن الطفل عامر. رسائل الأس.ام.اس..نذير الشؤم ومع تزايد درجة الضغط يبقى الخاطفون يتحكمون في الوضع برسائلهم الهاتفية، ومع مرور الوقت خفضوا من قيمة الفدية وطلبوا هذه المرة مبلغ 001 مليون وسيارة الوالد السياحية، والغريب أنه في كل مرة يحاول أهل الطفل الحديث مع المختطفين لا يتمكنون من ذلك وحتى الرسائل التي بعثوها الى الخاطفين لم يتلقوا عنها أي رد. وفي جو من »السيسبانس« والحيرة يبقى »أس.أم.أس«'' سيد الموقف، كما تضمنت الرسائل عبارات سب وشتم دون مبرر ودون أن يتمكن أهل الطفل من فهم ما يحدث حولهم. وفي الليلة الثانية من عملية الاختطاف وفجأة الرسائل التي فاق عددها ال20 رسالة توقفت والهاتف النقال انطفأ ولم يعد الأهل يتلقون أي اتصال وظل الوضع على حاله إلى غاية اليوم الثالث، أي يوم الثلاثاء، وبينما كان الجميع ينتظر استئناف الخاطفين لعملية الإرسال يأتي الخبر من طرف رجال الدرك لبلدية تيزي نبشار الذين عثروا على جثة طفل مرمية بمنطقة نائية تدعى بوشامة، وبسرعة تم إخطار رجال الدرك بالعلمة الذين استدعوا والد عامر وتنقلوا إلى مصلحة حفظ الجثث بمستشفى عين الكبيرة للتعرف على الجثة، وعندها تأكد أن المتوفى هو عامر، فلم يتمكن الوالد من تمالك نفسه من شدة الصدمة، ليصل الخبر إلى كافة أفراد العائلة في أمسية أول أمس، وهو الخبر الذي اهتزت له المدينة لتكون بذلك نهاية الاختطاف مأساوية للغاية وبطريقة لم يتوقعها أحد. وكرد فعل عن الحادث قرر تلاميذ مدرسة هلالي عمر التوقف أمس، عن الدراسة وحذا حذوهم كل تلاميذ المدارس والإكماليات والثانويات بالمدينة التي أغلقت أبوابها حزنا على عامر، كما قام تجار دبي بغلق محلاتهم تضامنا مع والد الضحية. من جهتنا، تنقلنا إلى بيت الضحية أين التقينا بوالد عامر والذي لم يتمكن من الحديث معنا من شدة البكاء واكتفى بقول عبارة واحدة »هؤلاء لم يهلكوني لوحدي، بل أهلكوا أمة محمد بكاملها«، لتبقى بذلك عملية قتل عامر لغزا محيّرا لم يفهمه أحد ولم تتمكن أي جهة من التعرف على هوية الخاطفين، والشيء الوحيد المؤكد أنهم يعرفون أهل الضحية جيدا. المشتبه فيه من أقارب الضحية وفيما تتواصل عملية ابحث عن قاتل الطفل عامر، علمنا من مصادر مطلعة أن المشتبه فيه من الأقارب و تربطه علاقة بن عمومة مع الضحية. حيث لم يظهر له أي اثر منذ اختفاء الطفل و ظلت مصالح الأمن تبحث عنه في كل مكان دون أن تعثر عليه، و لذلك أعتبر في حالة فرار. هذا في الوقت الذي تتحدث بعض الأوساط عن تمكنه من الهروب و دخوله التراب التونسي. و حسب المعطيات الأولية، يكون هذا الشخص قد لجأ إلى هذه الجريمة للظفر بمبلغ من المال. لكن الوضعية تعقدت، فلم يجد خيارا سوى قتل الطفل عامر، باعتبار أن هذا الأخير يعرفه جيدا. و في حالة بقائه حيا، سيُكشف أمره بسهولة. هذا التأويل تؤكده الطريقة التي اختطف بها الطفل، فعندما ركنت السيارة بأقرب من بيت عامر و طلب منه أصحابها أن يصطحبوه، ركب معهم عامر ''ركوب ثقة'' ، لأنه يعرف الشخص الذي دعاه إلى ركوب السيارة، و لم يكن ليتصور أبدا أنه سيتعرض للاختطاف من طرف أحد أقاربه. النقطة الثانية التي تصب في نفس التفسير تتمثل في معرفة المتهم لأهل الضحية و علمه برقم هاتف ابن عم والد الضحية الذي كان يتلقى الرسائل القصيرة بأس.أم.أس'' الحاملة لعبارات التهديد و المطالبة بالفدية. كما أن المتهم عمد إلى بعث رسائل مكتوبة عوض الحديث بالهاتف النقال وذلك حتى لا يتم التعرف على صوته ومن جهة أخرى فان مجريات الحادثة تشير إلى أن الفاعل غير محترف وغير مختص في مثل هذه العمليات ولم يتمكن من ضبط الطريقة التي تسمح له بالحصول على المبلغ المالي مقابل تسليم عامر إلى أهله ولذلك بدا مضطربا للغاية خاصة بعد اليوم الثاني من الاختطاف حيث انفلتت منه الأمور ولم يستطع التحكم في الوضع و بالتالي لجأ إلى قتل الطفل لأنه الوحيد الذي يمكنه أن يكشف ملابسات القضية خاصة و أن عامر يبلغ من العمر 11 سنة ويتميز بذكاء حاد ، وتجدر الإشارة إلى أنه لما تم الاطلاع على جثة الضحية لوحظ عليها آثار الخنق التي تمت في أغلب الظن بسلك فولاذي كما تم اكتشاف آثار خدوش على وجه عامر مما يعني أن الطفل أبدى مقاومة قبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة وباستثناء هذه الآثار المذكورة كانت الجثة سليمة ولا توحي بتعرض الطفل لأي نوع من الضرب ليبقى التحقيق وحده الكفيل بكشف ملابسات القضية للإشارة فان قضية عامر لازالت تصنع الحدث في العلمة فبعد تشييع الجنازة بمقبرة الزاوية في موكب مهيب أغلق تجار دبي محلاتهم وتوقفت الدراسة بكل المؤسسات التربوية بالعلمة ولا يزال الحزن يخيم على المدينة وسط جو من الفزع لدى الأولياء الذين أصبحوا يخشون وقوع أي مكروه لأبنائهم ،هذا في الوقت الذي لايزال أصدقاء عامر بمدرسة هلالي عمر تحت الصدمة يتساءلون بأي ذنب قتل صديقهم الذي لن يلعب معهم ''الكريات'' بعد اليوم ودون شك لن يفهم هؤلاء الصغار وحشية الكبار التي فاقت كل اعتبار.