أقصى ما تعانيه الجزائر في السنوات الأخيرة هو ظهور أنواع جديدة من الجرائم التي أدخلت الجزائر في إرهاب طال البراءة، وهو إرهاب من دون عنوان جمع كل أنواع الجرائم من خطف وحجز وهتك عرض وتعذيب وتنكيل بالجثث وقتل وذبح ودفن في الآبار، جمعها كلها في جريمة واحدة ضحيتها هم أطفال أبرياء حرقوا أفئدة أهاليهم وحرقوا معها آمال الناس أجمعين. عبد الحليم أنيس... ياسر.. لبنى... عامر... محمد، للأسف القائمة طويلة جدا لأطفال أبرياء تعرضوا للخطف، منهم من ينتظر.. وأي انتظار، وعندما يتم إحصاء 146 حالة خطف للأطفال خلال عام 2007 فقط وعندما تنتهي 25 حالة من هاته الحالات بالقتل والتصفية الجسدية، فإن الأمر يصبح أبعد من الخطورة فهو يكاد يشبه الوباء الفتاك الذي يأتي على »أخضر« البلاد ويزرع اليأس في قلوب كانت تحلم بانقضاء أيام العشرية الحمراء فإذا بها تغرق في أوحال أشد إيلاما من الإرهاب. ياسر.. المأساة التي لم تهز أحدا! آخر وأبشع صور الإرهاب الذي طال البراءة كانت حكاية الصغير ياسر جنحي الذي بلغ يوم مقتله سن الثالثة والنصف، والذي استهل عام 2008 بالذهول والدهشة، فالطفل الوسيم الذي كان يصنع لوحده ربيع والديه وجده وجدته »وحيد أبويه« اختفى فجأة في عمارة بحي ماسينيسا بالخروب بولاية قسنطينة... الصغير طلب من جدته علبة "ياوورت" وخرج إلى جده ثم اختفى، المشكلة أن خاطفه هو جاره الذي يبلغ ال 27 عاما، أدخله مسكنه وكتم أنفاسه ثم مارس عليه الجنس وهو جثة هامدة، وتركه ميتا إلى جانبه طوال الليل ثم راح يذبحه وهو ميت، وفي هدوء »غريب« حمله وطرق باب بيت جدته وركنه أمام البيت واختفى، أي قلب أمكنه فعل هذا؟ المؤكد أن الجاني في مثل هذه الجريمة ليس واحدا وإنما المجتمع بأسره، لأن ظهور شخص مثل هذا الوحش في مجتمع إسلامي يعني أن أخطاء كثيرة نضجت في مناحي متعددة من حياتنا. سفاح ماسينيسا عندما سألته مصالح الأمن وقاضي التحقيق »لماذا قتلت« الصغير ياسر؟ قال ببرودة دم »الغيرة هي السبب«، هل يعقل هذا؟! المأساة أن هذا السفاح ليس وحده فعندما نعد في عام واحد 146 عملية اختطاف للأطفال فهذا يعني أننا نمتلك جيشا من السفاحين ومشاريع أخرى لسفاحين بهذا الشكل المرعب، فالذي يمتلك القدرة على كتم أنفاس طفل صغير وهتك عرضه وذبحه بإمكانه إبادة شعب كامل. سؤال طرحته "الشروق اليومي" على عائلة المرحوم ياسر إن كانت قد تلقت زيارة مواساة أو تعزية من مسؤول من بلدية الخروب أو ولاية قسنطينة أو الجزائر العاصمة، أو مناضل في أي حزب أو جمعية، وجاء الجواب صدمة عنيفة »لا«. الجزائريون الذين تابعوا حكاية اختطاف صبية بسيطة في بلجيكا عبر الفضائيات العالمية وكيف توقفت الحياة في هذا البلد المسيحي وتحول إلى مسيرات شارك فيها حتى ملك بلجيكا سيصدمون بالتأكيد عندما يعلمون أن رئيس البلدية الذي يتسوّل الأصوات قبل الانتخابات تثقل رجليه عن السير في جنازة بريء ويجف حبره عن كتابة تعزية لأهل الضحية. الخيبة الأخرى جاءت من وسيلة الإعلام الثقيلة التي كان بإمكانها متابعة مثل هاته المآسي كما تفعل كل تلفزيونات العالم ماعدا ذكر عابر في حصة وكل شيء ممكن. أما عن الجمعيات المختصة بشؤون الطفل، فيبدو أن همّها الوحيد هو الميزانية والمقرات والتقرب من المسؤولين. وقد تلقت "الشروق اليومي" بعد أسبوعين كاملين من مأساة »ياسر« رسالة من جمعية تهتم بشؤون الطفل فيها تنديد بارد جدا من رئيسة الجمعية التي ترجّتنا أن ننشر تنديدها لأجل منحها شهرة إعلامية!! هكذا مرت آخر وأبشع الجرائم في حق الطفولة من دون أن تهز فعلا أحدا، ماعدا أفئدة أهل ياسر. عبد الحليم... قطعوا جهازه التناسلي على الحدود التونسية، تقبع مدينة الحمامات التابعة لولاية تبسة في فقر مدقع يجعلك تجزم بأن أهل المدينة يخافون من ذبح دجاجة فما بالك بقتل طفل بريء.. لكن ما حدث للصغير »عبد الحليم بن عيسى« هو أشبه بالخرافة وأفلام هيتشكوك، فعندما أنهى دراسته وحوالي الساعة السادسة مساء تعرض هذا الطفل الذي لم يتعد سنّه ال 15 لعملية اختطاف، أمضى خلالها أهله ليلة ليلاء، وأصبحوا على صدمة، فالجناة الجبناء هتكوا عرض الذي كان يملأ أيامهم بالفرحة ثم قتلوه، ولم يتوقفوا عند هذا الحد بل قطعوا جهازه التناسلي. قد يكون القتل حالة خطأ، أو حالة جنون لكن التنكيل هو قمة الإصرار والترصد، بل إنه قمة قمم الإجرام الإنساني. المصيبة أن لا أحد فهم لماذا يحدث هذا لأن القتل لم يطل أبناء الأغنياء فقط بحثا عن الفدية وإخفاء للجريمة، ففي الكويف الموجودة في ولاية تبسة بدأنا عام 2008 بقتل طفل راعي مواشي بلغ من العمر 14 سنة، الجريمة جاءت على خلفية شجار عادي والفاعل هذه المرة أحد أقارب راعي المواشي. »لبنى ساسي« صبية أخرى في سن التاسعة تقطن بعين الزرقاء بولاية تبسة اختفت أسبوعا كاملا بعد أن خطفها رجال بالغين وبعد أسبوع تم استرجاع لبنى، وكتم أهلها سر الحكاية، ولكن لبنى ستعيش البسيكوز طوال عمرها. هذا حال تبسة الولاية الحدودية التي كنا نطلق عليها اسم سويسرا لهدوئها وطيبة أهلها ولكنها خلال عام 2007 سجلت 15 حالة اختطاف للأطفال انتهت أربع منها بمأساة التصفية الجسدية وتم إنقاذ 11 طفلا من أيدي السفاحين، ومازالت حالة الطفل البريء محمد بوطالب من بلدية الشريعة بذات الولاية غامضة، فقد اختفى صاحب ال 14 سنة في الأسبوع الأول من شهر جانفي 2008 ولم يظهر له أثر لحد الآن. أنيس وعامر... طلب فدية وتصفية جسدية وراء كل طفل... "بودي غارد" ظاهرة اختطاف الأطفال الصغار وخاصة الرضع منهم ليست حديثة في الجزائر، ففي زمن كانت فيه البلاد من دون دور الطفولة المسعفة كانت بعض العائلات المحرومة من الأطفال تقتفي جريمة الاختطاف ليس من أجل قتل أو هتك عرض أو التنكيل بجثة الطفل وإنما لأجل تبنّيه ووضعه أحيانا في جو عائلي جديد، ثم في زمن الجرأة على الجريمة تطور الأمر إلى اختطاف الأطفال وطلب الفدية كما حدث في قضية ابن مدينة العلمة بولاية سطيف الذي اختطفه المجرمون وهو في سن السادسة وطالبوا بفدية بلغت مئة مليون سنتيم ثم قتلوه في أبشع صور التصفية الجسدية ورموه في كيس زبالة، وقبل أن ينسى سكان هذه المدينة التي أصبحت تدعى »دبي« والتي تجمع المئات من المليارديرات، قبل أن ينسوا عامرا اهتزوا أواخر عام 2007 على خبر اختطاف بريء في عامه الثاني يدعى »أنيس بوناب«، كان جالسا أمام مسكن عائلته رفقة ابن الجيران ليتبخر في ساعة مليئة بالزحام (الثالثة والنصف عصرا)، وإذا كان والد عامر ميسور الحال فإن والد أنيس معدما وهو ما يجعلنا في حيرة مما يحدث من حوالينا.. أنيس اختفى لمدة تسعة أيام ثم وجدوه مرميا داخل بئر في منطقة النشاطات، وهذا في أول أيام عيد الأضحى المبارك... في »أحزن« هدية تصل عائلة مسلمة في تاريخ الأمة المحمدية، الخاطفون اتصلوا بالأب الفقير قبل العيد وطلبوا منه عشرة ملايين سنتيم ثم أغلقوا الخط في وجهه وقتلوا ابنه دون انتظار رده!! لماذا اختطفوا طفلا من أب فقير وقتلوه بوحشية؟! الجواب مازال غائبا مادامت الجريمة مقيّدة ضد مجهول، لكن حسب المكالمات التي بلغت أهل أنيس، فإن الشائع أن الجناة فكروا في خطف ابن ثري فأخطؤوا العنوان وحتى يمسحوا آثار جريمتهم قضوا على البريء بكل برودة. المهم أن بعض أثرياء العلمة استأجروا أناسا لحراسة أبنائهم مقابل حصولهم على رواتب وهذا في منتهى الخطورة. من تلمسان إلى تبسة عددهم خلال عام 2007 بالتحديد 146 بريء ب 146 حكاية و146 مأساة، الرقم في حد ذاته مصيبة بكل ما تعنيه هاته الكلمة المأساوية!! لماذا تتحرك الشرطة بعد 24 ساعة؟ تطورت الجريمة... و»الكلاب« خلف الجناة لم يتردد بعض أهالي الضحايا في توجيه اللوم الشديد للأجهزة الأمنية، فهم يريدون تحركا برقيا بمجرد التبليغ عن اختفاء فلذات أكبادهم، بينما مازال رجال الأمن في معظمهم لا يتحركون في رحلات التحقيق والبحث إلا بعد 24 ساعة، لأن بعض حالات الاختفاء اتضح أنها »بيضاء« أي من دون خطف، إذ وجد الأطفال لدى جيرانهم وأقربائهم لكن أمام هذا الرقم المذهل (146 عملية اختطاف في العام) وجب إلغاء هذا الإجراء الذي أضاع فرصة إنقاذ ياسر الذي خطفه جاره ولم يخرجه من العمارة نهائيا، إذ أن الكلاب المدربة كانت قادرة على كشف قاتل ياسر بماسينيسا في دقائق، وربما أمكن إنقاذ المرحوم.. ولكن ومع ذلك تمكن رجال الأمن من استرجاع 121 طفل من أنياب السفاحين فأعيدوا إلى أهاليهم. السحر وتجارة الأعضاء تؤكد محافظة الشرطة، السيدة مسعودان، أن نصف حالات الاختطاف كانت بهدف الممارسة الجنسية الشاذة على الأطفال القصر والبقية من أجل طلب الفدية أو الانتقام، لكن هناك أسباب أخرى مثل ممارسة السحر والشعوذة، حيث يطلب بعض السحرة من النسوة تجهيز طبق الكسكسي بيد صبي أو صبية وإطعامه للزوج، وأمام تشديد الخناق والحراسة على المقابر والمدافن حدثت حالات (قليلة) لخطف الأطفال من أجل مآرب السحر كما حدث في برج بوعريريج ومعسكر، ومازال البعض يؤمن بأن عصابات منظمة تهدف للاستفادة من أعضاء هؤلاء الأبرياء في تجارة الأعضاء حتى وإن كانت هذه الجرائم في حاجة إلى أطباء جراحين مختصين مجرمين. »الموؤودة« التي لا تدري بأي ذنب قتلت سيدنا يوسف.. خطفوه ورموه في الجبّ عددهم إذن 146 بريء في عام وحيد، وتاريخ جاهلية العوب قبل الإسلام لم يحصِ إلا عددا قليلا من العرب الذين وأدوا بناتهم دقائق بعد ولادتهن، وجاء ذكرهم في القرآن الكريم كواحدة من أكبر جرائم العصر إلى درجة أن الصبية الموؤودة سيتم سؤلها يوم القيامة عن الذنب الذي اقترفته، وصورة الأب الذي يدفن ابنته في ساعات مولدها الأولى تبقى أبشع جرائم الكون، فما بالك هذا التنكيل والهتك في حق أطفال في سنوات عمرهم الأولى.. وروى لنا القرآن الكريم أول عملية خطف مبرمجة هندسها أبناء سيدنا يعقوب في حق سيدنا يوسف عليهما السلام فقد قتلتهم الغيرة كما قا تعالى »إذ قالوا ليوسف وأخوه أحب إلى أبينا منا ونحن عصبة إن أبانا لفي ضلال مبين« وخططوا للجريمة »اقتلوا يوسف أو اطرحوه أرضا« ثم جاءت الطريقة »قال قائل منهم لا تقتلوا يوسف وألقوه في غيابات الجب يلتقطه بعض السيارة إن كنتم فاعلين«، وهذا هو الذي حدث مع سيدنا يوسف في أول عملية رمي طفل صغير في جب قبل أن يلجأ إليها مجرمو العلمة في حق البريء أنيس، ويبقى الفرق أن مجرمي العلمة خطفوا الطفل وطلبوا فدية تم قتلوه. القضاء الجزائري يحكم على هؤلاء الجناة بالإعدام والناس أصبحوا يطلبون بوضع أحكام جديدة ومنها تنفيذ الحكم أمام الملأ، وهذا ما طلبته إحدى الجمعيات.. وقد سألت "الشروق اليومي" الخبير القانوني الأمريكي »دافيد سيرز« الذي زار الجزائر مؤخرا عن تعامل الولاياتالمتحدة مع سفاحي الأطفال، فأكد أن المحاكمات تتم في غياب الحضور والقانون الأمريكي صارم جدا مع هؤلاء ويجهز لهم أقصى العقوبات، وعكس ما هو حاصل عندنا فإن الصحافة الأمريكية لا تركز على صور الضحية وإنما على صور المجرمين حتى يعرفهم الجميع تماما كما يحدث في مجلة »ديتيكتيف« الفرنسية التي تنشر صور المجرمين وكما تفعل الصحف المصرية أيضا. أرقام مرعبة وتعاليق مستحيلة 5300 حالة اعتداء جنسي على الأطفال وقعت منذ بداية القرن الحالي (منذ عام 2000) و70٪ من الاعتداءات الجنسية المخلة أو التي تدخل ضمن زنا المحارم ضحاياها من أطفال الجزائر، وتعرف هذه الأرقام تصاعدا على شكل متتالية هندسية تجلعنا نخاف من مستقبل يبدو أسود إذا ما تواصل الوضع على حاله وأكملنا رحلة إحصاء موتانا ووصف عمليات التنكيل بجثثهم الطاهرة البريئة، للأسف التحرك المرجو مازال لم يتحقق حتى أئمة المساجد لا يفتحون هذا الملف إلا في النادر من الأحيان بالرغم من فجاعته. قديما قال عمر بن الخطاب وكان أميرا للمؤمنين »لو عثرت بغلة في العراق لخشيت أن يسألني الله لأنني لم أصلح لها الطريق«، أما لآن، فإن أولياء أمورنا لا تعثر بغالهم فقط وإنما يقتل أطفالهم أمام أعينهم وينكّل بجثثهم.. ولا أحد يتحرك. ناصر