تحول مجلس قضاء وهران صبيحة أمس، إلى قبلة للمتتبعين.. الجميع كان يتحدث عن محاكمة الخليفة في البليدة وفضائح الإمبراطورية الورقية التي تتداول الصحف هذه الأيام بعض أسرارها، وتبدي كثيرا من دهشتها... خليفة قال إنها قضية دولة.. (فهل البيسيا كذلك؟) سأل أحد المحاميين المتربصين زميله الذي انغرست عيناه في إحدى الجرائد وهو يقرأ ما تكتبه عن محاكمة الخليفة، وانطلاق جلسات البيسيا.. وفي داخله، ربما سؤال أكبر من ذلك الذي طرحه زميله، حول الفرق الشاسع بين ما درسه في كلية الحقوق وما تشهده الآن محكمتا البليدةووهران. بعدها بربع ساعة، بدأ المحامون في تحويل القاعة إلى (بحر أسود) من خلال لباسهم الخاص، البعض تشّيك، وكأنه ذاهب إلى حفلة وليست جلسة محكمة، قال لنا محامي كبير في السن قبل أن يضيف "سيؤجلها مرة أخرى.. صدقني" وعندما استفسرته عن السبب، اكتفى برفع حاجبيه وكأنه يؤكد سرا لم يرد الإفصاح عنه لفظا. تؤجل أو لا تؤجل..؟ وبداية المواجهة هذا السؤال الذي استحوذ على كل الوافدين والذاهبين في قاعة المحكمة التي تم غلقها أمام الجميع، ماعدا المحاميين والمتربصين وكذلك الشهود وطبعا المتهمين... كما ظهر النائب العام زغماتي بلقاسم خارجا من القاعة الرئيسية أكثر من مرة، وهو أقوى المتمسكين بإجراء المحاكمة في وقتها. بعدها، وفي تمام الساعة التاسعة وعشرين دقيقة، دخلت هيئة المحكمة برئاسة القاضي عشعاشي عبد الوهاب (رئيس الغرفة الجزائية بالمجلس) وبعد افتتاحه الجلسة رسميا، بدأ يتلو أسماء المتهمين والشهود (بعض المحاميين توكلوا عن أكثر من متهم).. ثم طلب القاضي إن كان قد نسي اسم أحد المتهمين، علما أن قراءة الأسماء استمرت لأكثر من 20 دقيقة. الدفاع لم ينتظر طويلا ليبدي أولى ملاحظاته الرئيسية، وذلك بخصوص استمرار الجدل القائم حول الصفة التي سيمثل بها الأشخاص الذين قدموا طعونا لدى المحكمة العليا، ولم تفصل المحكمة فيها بعد (ويتعلق الأمر أساسا بخروبي احمد وخروبي محمد علي) وأصر الدفاع على أن تقديمها للمحاكمة بصفة متهمين يعد خرقا للقانون، خصوصا بعد الطعن في قرار الإحالة وعدم فصل "المحكمة العليا"، حينها، فضل القاضي التشاور مع بقية هيئة المحكمة.. وبعدها ب 5 دقائق عاد ليتحدث عن موضوع آخر، هو استكمال تشكيل المحكمة بتعيين محلفين عن طريق القرعة، الأمر الذي فهمه الدفاع على أنه تجاهل من القاضي، حيث أبدى أحد المحاميين رفضه لذلك من خلال قوله لرئيس الجلسة (سيدي الرئيس، نريد ردا على استفسارنا الآن؟)، ثم أجاب القاضي (لماذا تقاطع؟ لقد تداولنا في الطلب، وسننظر فيه بعد تشكيل المحكمة تشكيلا قانونيا..). الساعة 9:50 دقيقة، المحامي مقران آيت العربي يدخل القاعة الرئيسية وفي أجندته طلب مباشر للقاضي، بضرورة جدولة الدفاع وأوقات المرافعة "حتى لا نبقى 20 يوما بانتظار مثول موكلينا"، قال الأستاذ آيت العربي الذي تسلم الدفاع عن مدير وكالة بنكية وأحد التجار. رئيس الجلسة صرح مجيبا (فليعلم الدفاع أننا يمكن الاستمرار حتى يوم الخميس، وسننظر بعد المداولة في بقية المطالب). ثم أعلن القاضي عشعاشي توقف الجلسة إلى حين الفصل في المطالب، وهو ما تم فعلا، في العاشرة صباحا. عائلة خروبي.. تكسب حرب الإجراءات مثلّ الفصل في موقع المدير العام للبنك خروبي احمد، وكذا خروبي محمد علي أكثر الردود التي انتظر الجميع الفصل فيها من طرف المحكمة، وفعلا، تفاجأ البعض واحتار البعض الآخر لحظة سماع رئيس الجلسة وهو يقول (إن الأخوين خروبي غير معنيين بالقضية سواء كشهود أو كمتهمين). لقد كان واضحا أن المداولة في هذا المطلب استمرت ساعة كاملة، حيث غاب القضاة من العاشرة حتى الحادية عشر صباحا، ليعودوا بعدها معلنين أن قرارهم بإرجاء الفصل في قضية خروبي محمد علي واحمد، جاء بعد الاطلاع على قرار الإحالة ونسختي الطعن المودعة من طرفهما بتاريخي 13 سبتمبر 2005 و5 نوفمبر 2006، كما لم تفصل المحكمة العليا ذلك التاريخ في الطعون بما يجعلهما غير معنيين بالمحاكمة استنادا إلى المادتين 278 و199 من قانون الإجراءات الجزائية. من جهته، قال المحامي مقران آيت العربي في رده على سؤال ل "الشروق اليومي" حول تأخر المحكمة العليا بالفصل في الطعون المقدمة قائلا "إنه أمر غير مفهوم ذلك أن القانون يحدد مهلة 3 أشهر للفصل في مثل هذه الطلبات، لكن ذلك لا يمنع من الانطلاق في المحاكمة". وفي الوقت الذي كان الجميع يتوقع أن (إعفاء) الأخوين خروبي سيكون المفاجأة الوحيدة صباح أمس، أطلق رئيس الجلسة (عشعاشي عبد الوهاب) مفاجأة أخرى (من نفس الوزن) حين رد على طلب الدفاع بخصوص وضعية خروبي بدر الدين، وخروبي شكيب بالقول إنهما مايزالان متهمين في نظر المحكمة، لكن لم يتم استدعاؤهما (لا كشهود ولا كمتهمين) حتى إذا اقتضت الضرورة أو رأى الدفاع أهمية لذلك. قائمة 11 شاهدا إضافيا... تلّغم الجلسة أثار موقف بعض المحاميين بإخراج ورقة الشهود الإضافيين عشية المحاكمة، جدلا امتدت تفاصيله إلى داخل القاعة.. حيث ضمت القائمة 11 اسما أبرزهم أحمد أويحيى، رئيس الحكومة السابق، وعبد اللطيف بن اشنهو، وزير المالية السابق، وكذا محمد لكساسي محافظ بنك الجزائر.. وهو الطلب الذي رد عليه رئيس المحكمة بالقول إن طلب استدعاء الشهود تم قبوله شكلا، أما موضوعا، فالمحكمة تحتفظ بحقها في استدعائهم إذا رأت في ذلك ضرورة. والملاحظ أن فريق الدفاع لم يكن متفقا في جلب هؤلاء الشهود، حيث أن بعض المحاميين قالوا إن القضية تستحق شهادة شخصيات من الوزن الثقيل، في حين رأى البعض فيها (وبينهم مقران آيت العربي) "بريستيجا" لا طائلة منه. قادة بن عمار مقران آيت العربي ل "الشروق اليومي": القضاء البريطاني لا يسير بالهاتف حتى يسلم الخليفة" أطلق المحامي مقران آيت العربي تصريحات نارية اتجاه سير قضيتي الخليفة والبيسيا، حيث قال بخصوص الأولى إنها تسير نحو محاكمة المتهمين (من الدرجة الثانية) مع استبعاده كلية تسليم عبد المومن خليفة من طرف القضاء البريطاني الذي وصفه مقران آيت العربي في رده على سؤال ل "الشروق اليومي" أنه لا يسيّر بالهاتف كغيره، و"أن عبد المومن خليفة كان مصيبا باختياره بريطانيا لطلب اللجوء السياسي". أما بخصوص حالة أحمد خروبي، المدير العام للبنك التجاري والصناعي، فقال مقران آيت العربي، إن تأخير تسليمه يعود إلى غموض الإجراءات مع استبعاد توجيه التهمة له أصلا عقب التعديلات"، خصوصا أن آيت العربي يعتقد أن البيسيا مثل الخليفة تعتبر تصفية ل "حسابات سياسية". ق. ب أصداء محكمة وهران - أدى انقطاع الصوت أكثر من مرة في الشاشة الكبيرة المخصصة للصحفيين خارج القاعة إلى تشبيه المحكمة بتلك التي عرفتها جلسات محاكمة صدام نتيجة الحوادث الصوتية المتكررة ... البعض قال إنها الأنفال وليس البيسيا، قبل أن يستدرك المسؤولون الخلل التقني الخارج عن نطاق (الصحفيين) ويصلحوه.. لكن" من قطع الصوت في البداية؟". - مقران آيت العربي، كان أكثر المحاميين قربا من الصحفيين..ربما لأنه (رجل ديمقراطي ومدافع عن حقوق الإنسان).. وقد استغل الفرصة للحديث عن الفساد في الدولة، قائلا إن (الخليفة) وشقيقتها الصغرى "البيسيا" تمثلان فضيحة للنظام السياسي وليس المصرفي. - بعض المحاميين أصروا على وضع جدول للمرافعات، ليس حبا في النظام (فقط) بل أن لهم جلسات أخرى و(متهمون آخرون) في عدة قضايا مثل الخليفة في البليدة. - يعتقد البعض أن اسم القاضي عشعاشي عبد الوهاب، المكلف بقضية البيسيا سينافس القاضية فتيحة براهيمي المكلفة بالخليفة، ربما ينافسها (إعلاميا) أما من حيث إجراءات (البريستيج الأمني) فقد كان التعامل معه بسيطا. ق. بن عمار المحامي بن عيش عبد الرحمان: الأخوان "خروبي" ليسا في حالة فرار من الناحية القانونية أكد السيد بن عيش عبد الرحمان محامي الأخوين المتهمين خروبي أحمد ومحمد علي، أن هذين الأخيرين غير موجودين في حالة في فرار من الناحية القانونية، كونهما في اتصال دائم مع العدالة. وذكر ذات المصدر أن المتهم "خروبي أحمد" أصيب بوعكة صحية، تابع على إثرها العلاج بالجزائر العاصمة، لينتقل بعد ذلك إلى باريس لاستكمال علاجه ولم يهرب من العدالة. وقد أضاف محامي المتهمين المذكورين آنفا أنهما لن يسمعا كشاهدين أو حتى متهمين وذلك نظرا لتأخر البت في الطعون التي تم إيداعها لدى المحكمة العليا والتي طعنت بالنقض في قرار الإحالة بتاريخ 13 سبتمبر 2005 و05 نوفمبر 2006، ولأن المحكمة العليا لم تَرد إلى حد الساعة على الطعون المودعة لديها من قبل الأخوين "خروبي"، فإن محكمة الجنايات من الناحية القانونية غير مهيئة للفصل في قضيتهما، وسيتم إرجاء ذلك إلى حين تسلم رد المحكمة العليا، وهما في هذه الحالة متهمين غير معنيين بالقضية، مع العلم أنه من الناحية القانونية وحسب قانون الإجراءات الجزائية، فإن شهادة متهم ضد متهم لا يعتدّ بها قانونا. للإشارة، فإن بداية المحاكمة عرفت أخذا وردا بين الدفاع ورئيس محكمة الجنايات وذلك على مستوى الإجراءات القانونية المعمول بها في الاستماع للمتهمين، سيما أولئك الذين يمثلون أثناء جلسة المحاكمة كشهود، حيث ذكر الدفاع أنه لا يتم سماع أي طرف كان ما لم يتم سماعه عند قاضي التحقيق. محمد حمادي ظهر ذلك جليا أثناء تلاوة قرار الإحالة تناقض في تصريحات المتهمين عند قاضي التحقيق قرر رئيس المحكمة عشعاشي عبد الوهاب برمجة الاستماع إلى قرار الإحالة في الجلسة المسائية التي بدأت في حدود الثانية زوالا، وقد استمرت قراءة القرار المذكور أكثر من ساعتين نظرا لاحتوائه على 56 صفحة. وأهم ما تضمنته التفاصيل أن القضية تعود إلى تاريخ 22 ماي 2003 عندما تقدم المدعو "ب.ج" مدير البنك الخارجي الجزائري بشكوى لدى مصالح الأمن ضد مسؤولي البنك التجاري والصناعي (البيسيا)، بعد أن أخطره نائبه "ب.ب" بعدم تسديد المدعى عليه وهو بنك "البيسيا" لكمبيالات وصلت قيمتها إلى 4.2 مليار دينار جزائري، حيث رفض التسديد نظرا لعدم كفاية رصيده بالبنك الخارجي، إذ تم خصم هذا المبلغ لفائدة زبائن البيسيا بوكالة الأمير عبد القادر بوهران، والتي بدورها حوّلتها إلى البنك الخارجي الجزائري، وقد كانت الخروقات متعلقة بالشركات التي استفادت من مبالغ مالية لإجراء صفقات استيراد، ومثال ذلك ما حدث مع شركة خاصة بالبلاستيك تدعى "سوترا بلا" التي حصلت على رخصة قرض قيمتها 400 مليون دج، ثم تم رفعها إلى 800 مليون دج، ضف إلى ذلك استفادة هذه الشركة من مبلغ 300 مليار سنتيم في ظرف 20 يوما، وهو مبلغ لا يتناسب مع رقم هذه الشركة، إذ كانت التجاوزات عبارة عن سفاتج وهي أوراق تجارية سحبت عن طريق المجاملة، خاصة بأفراد عائلة واحدة، وكان الضرر الذي لحق بالبنك الخارجي الجزائري والمقدر ب 447 مليون سنتيم لم يكن في حقيقة الأمر إلا ضررا جزئيا، كون أن هناك عدة سفاتج بوكالات وهران حدثت بها تجاوزات، حيث لحقت بوكالة 74 لوحدها أضرار تقدر ب 07 ملايير و13 مليون سنتيم، وهذا دون حساب الفوائد، وقدر الضرر الناتج عن السفاتج الوهمية بأكثر من 6 ملايير دج بوكالة وهران وأكثر من مليار دينار بوكالة سيڤ، حيث تورط أعضاء من بنك البيسيا مع عدة شركات خاصة "كفواتيح وسوترابلا"، حيث كانت هنالك إمضاءات وهمية على سفاتج وهمية لزبائن وهميين لم يتحصلوا على بضائع من هاتين الشركتين، لكن كان ذلك بالمقابل. السفاتج التي تم خصمها بداية شهر أفريل 2003 لم يتمكن بنك البيسيا من الوفاء بها نظرا لعجز رصيده، وهكذا توالت عملية التغطية الشهرية لهذه المبالغ المالية المستحقة على البنك عن طريق "الخيالة" إلى غاية 18 ماي 2003، حيث لم يستطع البنك تدارك عجزه. وتم اعتماد عدة طرق لتدارك هذا العجز، إذ توجه المتهم "خ.أ" إلى وكالة سيڤ التابعة لبنك البيسيا واتصل بكل من المتهمين "ر.ل" و"س.ع.ر" العاملين بذات الوكالة لإمضاء سفاتج وهمية لزبائن لم يتسلموا أية بضائع، كما تم اعتماد طريقة أخرى بتقديم شيكات بدون رصيد في عملية "المقاصة" من طرف بنك البيسيا سعيا منه للحفاظ على رصيده في البنك الخارجي الجزائري وهو ما رفضه هذا الأخير. جاءت تصريحات المتهمين عند مساءلتهم عند قاضي التحقيق متنصلة من المسؤولية وكل واحد يحملها للطرف الآخر، حيث قال المتهم "ب.ي.ن" رئيس مصلحة الصندوق بالبيسيا، إن الشيكات الخاصة بالزبائن التي وصل عددها إلى 162 شيكا لم تكن تدون في السجل المخصص لذلك حتى لجنة المراقبة لم تتعرف عليها، أما المتهم "ع.م"، ففند أقوال المتهم المذكور آنفا وقال إنه اعترف بأخطائه أمام لجنة المراقبة وكان يطلع على أرصدة الزبائن، أما هو، فكان في البقاع المقدسة. محمد حمادي