اندهش كل من حضر الجلسات الأولى من طبيعة القضية ومدى تنظيمها، إذ وعلى هامش المحاكمة انتهزت الشروق فرصة خروج بعض المحامين الذين اعتبروا أن القضية تتجاوز كونها مرتبطة بإختلاس وتبديد أموال عمومية، والنصب والإحتيال... بل قد تتعلق بتشكيل جماعة أشرار أكثر إحترافية، هدفهم المشترك السطو على المال العام والخاص، خاصة إذا علمنا أن المتهمين قد انتهجوا سبلا وطرقا تجاوزت التنظيم الإجرامي بين أطرافها "فضيحة" الخليفة. مضيفين أن الأمر لا يقتصر على العمليات الخاصة بخصم السفاتج المتعلقة ببعض الزبائن والتي لا يوجد بشأنها أي ترخيصات صادرة من قبل المديرية العامة للقروض. بل تجاوزت هذا الحد، كون السفاتج موضوع النزاع هي عبارة عن أوراق تجارية غير نظامية استعمل فيها السحب بالمجاملة وسوء النية والسحب المزدوج المتقاطع الملتوي، وهذا ما ورد في قرار الإحالة. زيادة على أنها أوراق تجارية فارغة وسفاتج مسحوبة من شركات ذات أعضاء من نفس العائلة... والملفت للإنتباه هو عدد المتهمين الذين بلغ عددهم 63 متهما، تفاوتت التهم المنسوبة إليهم بين التزوير في محررات مصرفية، والمشاركة في ضياع أموال عمومية وأخرى تعلقت بعدم التبليغ عن الجناية والإقرار الكاذب. واعتبر أحد محاميي الطرف المتضرر أنه إذا كانت "الخليفة" تقوم بتقديم تحفيزات ومبالغ إغرائية للتمكن من جلب أكبر عدد من الزبائن لإيداع أموالهم بالبنك، فإن "البيسيا" قد اعتمدت على "مدرسة" من المحترفين والمختصين في الجريمة المنظمة، حيث غالبا ما كانوا ينجحون في إيهام الزبائن بعقود مزورة للسفاتج. وفي أغلب الأحيان كانوا زبائن خياليين تستعمل حساباتهم لتحويل المبالغ إلى البنك مباشرة وحتى من دون استلام البضائع... فيما يرى المتتبعون أن خطورة القضية تكمن في مدى الوقت القياسي الذي اختلست فيه ما قيمته 1300 مليار سنتيم. فماذا لو كان تنظيمها أكثر شيوعا وانتشارا؟.. لكان المبلغ أكثر بأضعاف المرات... كمال يعقيل جلسات محاكمة ثاني فضيحة بعد الخليفة تستمر اليوم بوهران أين ذهبت ال1300 مليار سنتيم؟ بداية تفجر القضية كان بتاريخ 22 ماي من سنة 2003، في ذلك اليوم تقدم المدير الجهوي للبنك الخارجي الجزائري في وهران بشكوى إلى مصالح الأمن يقول فيها أن نائبه "ج.ب" أخبره قبل أربعة أيام أن البنك التجاري والصناعي الجزائري يرفض الوفاء بمبلغ بعض السفاتج أو الكمبيالات التي تم خصمها من البنك الخارجي، والمقدرة قيمتها ب4.2 مليار دينار... المبلغ كان ضخما، وأحس البعض أنه لم يكن سوى الجزء الظاهر من جبل الجليد، لكن ذلك لم يكن رأي نائب المدير الذي بقي 6 أيام كاملة لإخبار رئيسه في العمل بالكارثة، وعندما استفسره عن السبب، قال انه ينبغي طرح السؤال على شخص ثالث سيظهر فيما بعد أنه أحد المحاور المهمة في القضية، ويتعلق الأمر بالمدعو "ع.العربي"، رجل في العقد الخامس من العمر، بدأ عمله في البنوك منذ كان في الثامنة عشر من عمره، لكن ذلك لم يمنع من توجيه أصابع الاتهام الأولى إليه.. المدير الجهوي قال لمصالح الأمن أن "ع.العربي" لم يقدم أجوبة مقنعة عندما استفسره حول السفاتج، وتمسك هو بالقول أنها كانت مضمونة وانه تم اقتطاعها لفائدة بعض الزبائن، وفقا الإجراءات البنكية المعمول بها، وقبل انتهاء تاريخ استحقاقها تم إرسال هده السفاتج إلى وكالة الأمير عبد القادر المختصة بمعالجة كل السندات التجارية والتي بدورها قامت بتقديمها إلى بنك الجزائر قصد الوفاء بها عند المقاصة، وهو الجرد الذي يقوم به البنك عادة، لكن البنك التجاري والصناعي أطلق قنبلة كان يتخوف منها الجميع، حين صرح مسؤولوه أن الرصيد غير كاف للتسديد، كما أن موعد تاريخ التقديم قد انقضى... يبدو أن هذا الكلام لم يكن مقنعا للجميع، وأولهم المدير الجهوي للبنك الخارجي الجزائري الذي تقدم بشكوى لمصالح الأمن وتأسس البنك كطرف مدني... ثم بدأت الرؤوس تتساقط، وتبين أن الأمر لا يتعلق فقط ب400 مليار. التحقيق الأمني يتهم... ويتساءل مصالح الأمن تحركت، وحققت، ودققت.. لتعود في نهاية الأمر وتؤكد وقوع ما وصفته بالمؤامرة، وتقول أن مسؤولي البنك الخارجي الجزائري وبتواطؤ من طرف البنك التجاري والصناعي وبالاشتراك مع تجار خواص قاموا بتخطيط وتنفيذ طريقة محكمة قصد التمكن من استغلال السيولة النقدية، واعتمدت هذه الخطة على ضمان سفاتج من طرف البنك التجاري والصناعي لتسلم إلى تجار على غرار كل من شركتي سوترابلا وفواتيح، والنبية ببنك البيسيا الذين قبلوا بهذه السفاتج اتضح أنهم كانوا مجرد زبائن مفترضين وأن الأمر يتعلق بمعاملات تجارية وهمية، فهؤلاء الزبائن لم يتحصلوا إطلاقا على أية بضائع من الشركتين وإنما كان ينحصر دورهم في الإمضاء على بياض على سفاتج دون علمهم في اغلب الأحيان بالمبالغ المدونة عليها ولا وجهتها وهو العمل الذي كان يتكرر شهريا مقابل مبلغ يقدر ب100000 دينار، عن كل سفتجة كانوا يستلمونه نقدا من المدير الجهوي لبنك البيسيا، وان السفاتج بقيت دون مقابل.. وفي وسط هذه الفوضى المالية تبين أن بنك البيسيا بدأ ينهار، واتضحت المعالم الأولى لذلك من خلال إدراك المسؤولين وجود ثغرة مالية وعجز في الرصيد، وكأن مؤشرات الانهيار كانت قد بدأت في الظهور.. حينها وحسب التحقيق الأمني دوما، فإن خروبي محمد علي لم يكتف بتحويل سيولة نقدية من وكالة يوغسلافيا، أو الوكالة 74، بل انه اتجه إلى وكالة أخرى هي وكالة سيق، وسلم مجموعة من السفاتج ممضاة على بياض من طرف الزبائن المفترضين لشركتي سوترابلا وفواتيح والنبية الى 4 موظفين قاموا على الفور بخصم هذه السفاتج من البنك بالتواطؤ مع ثلاثة موظفين آخرين... زبائن آخرين قالوا أنهم لم يستلموا أي بضاعة، أما المفاجأة الكبرى فهي مع اكتشاف التحقيق الأمني أن حركة الأعمال الخاصة بشركة سوترابلا في الفترة الممتدة من سنة 2000 إلى 2003 تفوق حوالي 10مرات رقم أعمالها وان مسؤولي البنك الخارجي كانوا يخفون ذلك بالإضافة إلى عدم إظهار السفاتج المخصومة في بطاقات الخصم، لأن ذلك سيظهر الخطة... وأمام تكرر عملية إرسال السفاتج وتبرير ذلك، وجد مدير وكالة يوغسلافيا نفسه في مأزق رفقة مسؤول شركة سوترابلا وفواتيح.. فلجأوا حسب التقرير الأمني إلى طريقة جديدة هي وضع تسبيقات على سندات تتعلق بسندات صناديق صادرة من بنك البيسيا، وكان الضرر المادي كبيرا، ويتمثل في: - الضرر الناتج عن خصم السفاتج بوكالة وهران 6791226750 دينار. - الضرر في وكالة سيق 2891669378 دينار. - الضرر عن تسبيقات سندات الصندوق 1550000000 دينار. - الضرر عن خصم سفاتج مضمونة من طرف يونيون بنك بلغت 500 مليون دينار. - الضرر الحقيقي الناتج عن المصادقة على الصكوك 1033680000 دينار. مصالح الأمن واصلت سماع المعنيين.. مدير وكالة يوغسلافيا قال أن سوترابلا حصلت على قرض 300 مليار خلال مدة 20 يوما بأمر شخصي منه، وحاول البعض الآخر من المعنيين بالقضية التأكيد أن النزاع تجاري محض. سوتابلا... اللغز تبدو شركة سوترابلا حجر الزاوية في كل هذه القصة، ذلك ان مسؤول هذه الشركة وقع في 08 افريل 2003 على ثلاثة سفاتج تجارية لفائدة شركته من اجل التموين بمادة السكر وبعد مرور فترة الاستحقاق تبين ان العملية كلها وهمية... سوترابلا بدأت العمل في سنة 1984 بفكرة من المدعو "ع.سمير" الذي كان تاجرا صغيرا في سنة 1975، ثم فكر في منتصف الثمانينات أن ينشئ شركته الخاصة لتحويل البلاستيك... شريكه الآخر المدعو "ه.عمر" صرح أنه التحق بالشركة سنة 1993 قبل أن يقع تعديل كبير في القانون الأساسي للشركة، حيث بدأت في استيراد المواد الغذائية وأصبح المسير الوحيد هو "ع.سمير" قبل أن تنفجر القضية بسبب تفكير الإدارة في استيراد مادة السكر بناء على قروض تحصل عليها من البنك. مسير "سوترابلا" قال أن السفاتج التي حصل عليها تعد عملية تجارية عادية، كان هدفها استيراد مادة السكر، إلا أن هذه العملية لم تتم فقاموا بإرجاع المبالغ المالية لأصحابها وذلك عن طريق تحويل الأموال من حسابهم الجاري إلى حساب الزبائن في "البيسيا"... المتهم قال أيضا كلاما خطيرا لدى قاضي التحقيق يتهم فيه بمحاولة البعض إلباسه ثوب الجريمة الاقتصادية لوحده، رغم أن هنالك 4 زبائن آخرين حصلوا على 4.2 مليار دج... لكن من يعرف هذه الشركة؟ وعلى أي أساس تم تسليمها هذه السفاتج؟ مدير وكالة "يوغوسلافيا" قال أنه يعرف جيدا "سوترابلا" فهي شركة كبيرة ولديها من الضمانات ما يكفي لسد كل أبواب الاتهام، وهو استعمل صلاحياته التي يخولها له القانون من أجل منحه السفاتج. أين ذهبت الأموال؟ يشير تقرير الخبرة و قرار الإحالة اللذان حصلت عليهما "الشروق اليومي" إلى تورط الجميع بدون استثناء في صنع الفضيحة... فكل الأوراق التي تم انجازها أثناء التحقيق الأمني والوثائق التي تم تقديمها إلى هيئة المحكمة والأدلة التي استندت عليها النيابة العامة في دعواها والأقوال التي أكدها البنك الخارجي الجزائري باعتباره طرفا مدنيا تشير بأصابع الاتهام إلى موظفين في البنك وإطاراته بالتواطؤ مع تجار معروفين وحبك خطة اجرامية للحصول على ما قيمته أكثر من 1300 مليار سنتيم... ولكن أين ذهبت هاته ال1300 مليار سنتيم؟ هل ستظهر الحقيقة؟ استمرت قراءة قرار الإحالة المتكون من حوالي 60 صفحة حتى ساعة متأخرة من مساء السبت الماضي، حيث تلا كاتب الضبط هذه الوثيقة "المهمة" التي أصبحت معظم تفاصيلها معروفة للمتتبعين، ابتداء من الساعة الثانية زوالا ولم ينته إلا عند الساعة السادسة والنصف مساء... في القاعة المجاورة لمكان انعقاد الجلسة، والتي وضعت فيها شاشة كبيرة، فضل كثير من المتتبعين المغادرة ب ما تأكدوا أن الجلسة المهمة لم تبدأ بعد، أحد المحاميين قال لنا بصريح العبارة أن الحسم سيبدأ مع أولى التفاصيل... وكما يقول المثل الانجليزي فإن "الشيطان يسكن في التفاصيل..". عند انتهاء كاتب الضبط من تلاوة نص قرار الإحالة، كان بعض المحاميين قد غادروا القاعة فعلا، في حين ظل البعض الآخر جالسا في مكتب النقابة المجاور، يرتشف قهوته بهدوء أو يدخن سيجارته.. في حين كان البعض مصرا على تركيز كل أحاديثه الهامشية حول أطوار محاكمة الخليفة في البليدة، ويبحث عن أي رابط مباشر أو غير مباشر لها مع البيسيا، أما المشهد داخل القاعة فقد كان مختلفا تماما، حيث تم السماح للشروق بالدخول إلى القاعة الرئيسية، وهناك لاحظنا قلقا وخوفا واضحين على أوجه المتهمين.. خصوصا بعد ما قال لهم بعض دفاعهم أن المحاكمة تتجه إلى محاسبة المتهمين "الصغار"، وأنه حتى المدير العام لن يكون شاهدا أو متهما. وقد كان واضحا أن هذا الخوف هو الذي دفع المحاميين إلى طلب الاتصال بموكليهم مباشرة بعد انتهاء كل الجلسات المسائية، الأمر الذي لم ترفضه هيئة المحكمة، بل وظهر رئيس الجلسة لينا إلى درجة كبيرة خلال قبوله هذا الطلب، رغم انه اشرط تطبيقه بدون فوضى. مدير وكالة سيق.. رحل ومعه كل الأسرار أكدت النيابة العامة خلال مداخلتها القصيرة مباشرة عقب تلاوة قرار الإحالة، واقعة وفاة أحد المتهمين وطالبت بالتالي إسقاط حق الدعوى القضائية المرفوعة ضده، ويتعلق الأمر بمدير وكالة البنك الخارجي الجزائري في سيق، المدعو "ع.ميلود"، وهو إجراء عادي يتم اتخاذه في مثل هذه الحالات، وقد سبق للنائب العام وان أكد للشروق أن وفاة المعني كانت عادية بشهادة تقرير الطبيب الشرعي.. لكن هذا التصريح لم يوقف الحديث عن الأسرار التي يمكن لطرف مهم كالمعني أن يأخذها معه بعد رحيله، خصوصا أنه مدير إحدى الوكالتين المتهمتين بوقوع الفضيحة فيهما... وفي سياق متصل، اختلفت آراء المحاميين حول ليونة هيئة المحكمة او شدتها، فقد رفضت كل الطلبات التي تقدم بها الدفاع وأبرزها الاعتراض على تقرير الخبرة. قادة بن عمار اصداء من المحكمة - من المسؤول عن منح الاعتمادات؟ ذكر أحد المحامين على خلفية محاكمة "البيسيا"، "..أنه أصبح أمرا عاديا أن تحدث عمليات اختلاس لأموال ضخمة عندما يصبح بمقدور كل من يملك مالا أن يتحصل على اعتماد فتح بنك خاص..."، مشيرا إلى تساهل المصالح التي تقدم هذه الاعتمادات و لجان التحقيق التي من مسؤولياتها مراعاة ظروف المساهمين وخبراتهم وكفاءاتهم في تسيير هذه البنوك، واصفا أن أغلب المستفيدين ليسوا سوى رجال ذوي رؤوس أموال و فقط...". - خلافات بين المحامين ظهر جليا من خلال الجلسات الأولى لمحاكمة "البيسيا" وجود خلافات بين المحامين عكست التناقض في تصريحات المتهمين... مما يجعل الجلسات المقبلة مرشحة لوقوع تصادم ليس فقط بين المتهمين، وإنما أيضا بين المحامين. وقد ظهر الخلاف حول تقرير الخبرة، إذ في الوقت الذي طعن فيه بعض أعضاء الدفاع، رفض آخرون التعليق عليه. - الخليفة في محاكمة البيسيا لفت المتهم الأول المدعو "ع.العربي" مدير وكالة وهران للبنك الخارجي الجزائري جموع الحاضرين خلال مساءلته من طرف القاضي حين قال أن أطرافا تريد توريطه في كل مشاكل البنوك ومصائبها... وأضاف "يكفي أن يقولوا أنني المدير العام لبنك الخليفة بدلا من عبد المومن". ق.ب/ك.ي