عبد العالي رزاقي هل يكرر التاريخ نفسه؟ وما الفرق بين حكام الوطن العربي من عهد الخلفاء الراشدين إلى اليوم؟ ولماذا يتجدد الصراع بين الأمويين والعباسيين، في كل عصر، وأي مستقبل لوطن عربي يتمسك بسنّة أزلية وهي كلما دخلت أمةٌ لعنت أختَها حتى يداركوا فيها جميعا دينا وآخرة، وما علاقة صورة الماضي الدموي بالحاضر الأكثر دموية وانهزاما؟ البويهيون قادمون!؟ حافظ الأمويون خلال تسعين سنة (660 - 749) على أصولهم العربية، فقد تداول على الخلاقة 14 حاكما من أب وأم عربيتين، وتراوح حكم الخلفاء ما بين 20 سنة (معاوية بن سفيان) وأربعين يوما (معاوية الثانية) وأربعة خلفاء فقط قتلوا، في حين أن خامسهم مات حزنا على جارية أحبّها وهو يزيد بن عبد المالك. ومع ذلك انتزع العباسيون منهم الخلافة ودام حكمهم 196سنة (750 946)، تداول على الخلافة 22 خليفة قتل منهم 12 خليفة بطرق مختلفة. والمفارقة، كما يقول سليمان فياض في كتابه "الوجه الآخر للخلافة الإسلامية"، "ومثلما كان خلفاء بني أمية يلعنون عليًّا والعلويين من فوق المنابر، راح العباسيون يلعنون معاوية والأمويين على المنابر"، والمفارقة الأكثر غرابة هي أن روح الانتقام العباسي دامت تسعين سنة وهي الفترة نفسها التي دام فيها حكم الأمويين. والأمويون والعباسيون، في الوقت الراهن، يمثلان المعارضة والسلطة أو التداول "غير السلمي" على السلطة في الوطن العربي. وإذا كان البعض يعتقد أن الخلفاء الراشدين كانوا يؤسسون لمفهوم الشورى، وأن الأصل العربي حافظ عليه الأمويون، فإن هناك من يعتقد أن العباسيين أكثر تمسكا ب"الخلافة داخل البيت الهاشمي" وأكثر انفتاحا على بقية الأعراق والثقافات. والخلافة منذ ميلادها لغاية سقوطها على أيدي العثمانيين كان أبو جعفر المنصور الأكثر فهما لها حين قال: "إنما أنا سلطان الله في أرضه". والنظام العربي بشتى أشكاله وألوانه، كان له شبيه في تاريخ الخلافة وهو "العهد البويهي" خلال الخلافة العباسية، حيث صار الخلفاء في أيدي "ملوك بني بويه" يجلسونهم على العرش متى شاءوا ويعزلونهم متى شاءوا، ويلبسونهم "بردة الرسول"، ويخاطبونهم ب(لقب أمير المؤمنين) ويضعون أمامهم مصحف عثمان. ويبدو لي أن الإمبراطورية الأمريكية تمثل حاليا صورة »العهد البويهي«، فهي التي تعيّن الرؤساء والملوك والسلاطين والأمراء والزعماء. الوجه الآخر ل"النظام السياسي العربي" هل يستطيع وال أو وزير فشل في تأسيس »بيت عائلي« أن يسيّر شؤون غيره؟ وكيف يستطيع من لم يتحمل مسؤولية أسرة أو عائلة أن يتحمل مسؤولية مجتمع. حين واجهت "الصين الشعبية" الكثافة السكانية سنّت قانون تحديد النسل، يلزم الزوجين بوضع مولود واحد سواء كان ذكرا أو أنثى، فاختفت ظاهرة الأخ والأخت والعمومة والخؤولة، وحين أرادت أمريكا إشراك المجتمع في اتخاذ القرار فتحت المجال أمام "ربّ أو ربة الأسرة" الصالحة لتولى المسؤوليات، ولكننا في الجزائر تجاهلنا شروط قيام الأسرة، وبناء العائلة، وتأسيس المجتمع. فالرئيس الأسبق أحمد بن بلة تزوج في السجن والرئيس الراحل هواري بومدين تزوج بعد أن فرض عليه "الأمر الواقع" ذلك. وعباسي مدني كاد أن يشرد عائلته، لأن السجن فرض عليه زوجة جديدة. ولأن المسؤول الجزائري تعوّد العيش في الفنادق، أو السجون أو الثكنات أو المنافي، فإنه بمجرد أن تسلم زمام السلطة اختار "إقامات الدولة"، والبعض حوّلها باسمه حين قام بتأسيس أسرة، وحتى الذين كان لهم الحظ في بناء أسرة ودخلوا معترك السياسة فضلوا الإبقاء على زوجاتهم في البيوت، بحيث تساوى اللائكي مع الوطني والإسلامي. وعندما حاول نورالدين بوكروح بناء صورة ل"السياسي الجزائري" باصطحاب زوجته في حملته الرئاسية 1995 فإن رد الفعل الشعبي كان سلبيا. وإذا استثنينا الشاذلي بن جديد، فإن بقية رؤساء الجزائر كانوا يفضلون عدم ظهور زوجاتهم في المواعيد الرسمية والأماكن العمومية. والمفارقة أن زوجات الرؤساء والوزراء تفضّلن الظهور بعد رحيل أزواجهن. المطلوب: إقامات دولة لا دولة إقامات!؟ لو أن السلطات الجزائرية قامت ببناء إقامات دولة بمرافقها، لما تم الاستيلاء على الأملاك العمومية. فلو كان للرئيس إقامة رسمية يسمح للمواطنين بزيارة مرافقها، مثلما هو الحال بالنسبة للإقامات في الدول الديمقراطية الغربية. ولو كان لوزراء السيادة مثل العدل والخارجية إقامات أو لرئيس الحكومة، لأصبح التداول على السلطة والإقامة واضحين. لكن ما حدث هو اختفاء الأملاك العمومية التابعة لكثير من الوزارات، ولو أن كل وزير يسلم في محضر رسمي ممتلكات وزارته لمن يخلفه، لما بيعت مكتبات وزارة الثقافة ومقرات ديوان السينما فوغرافية وتحولت قاعات السينما إلى "قاعات أعراس". وحين تسمع بعض الندوات التي يقيمها بعض الوزراء تتأكد أنهم يصلحون لكل شيء إلا لأن يكونوا وزراء "الدولة اليتيمة" التي حولها جاهل عبر شركات مزيفة إلى حظيرة له، بحيث صارت وزارة الثقافة تستجدي به ليدفع أتعاب الفنانين، وفي مقدمتهم النجم العربي عادل إمام، ويتحول كتابها إلى "قطيع" تسافر به إلى الأقطار العربية إحدى تاجرات العقار. لو اقتدى الرؤساء عندنا بما فعله الرئيس علي كافي حين طلب تقريرا مفصلا لكل أملاك الرئاسة، ولو احترمت الحكومات الجزائرية ما تعهدت به وهو التصريح بممتلكات أعضائها، لما صار وزراؤها "شحاذي تذاكر" في مكتب عبد المؤمن خليفة. يبدو لي أن إصلاح الدولة يبدأ بشراء طائرات رئاسية، وسيارات حتى لا يتكرر ما حدث في القمة الإفريقية ال35 التي لجأت فيها الرئاسة إلى "الاستنجاد" بسيارات الخواص، وحتى لا تحجز بعض الطائرات بضعة أسابيع من أجل تهيئتها لسفر الرئيس. وحين ترى سيارة رئيس دولة غير بترولية أفضل من سيارة رئيس دولة مثل الجزائر تتساءل: "هل هو التقشف أو عدم التقدير للمنصب". وحين ترى الوفد المرافق للرئيس وهو يركب طائرة شبيهة بطائرات الشحن، تتساءل: هل هؤلاء جنود أم إطارات؟. أعتقد أنه آن الوقت للاهتمام بتجهيزات الرئاسة من طائرات وسيارات وأنه من حق بوتفليقة، كمواطن، أن يسكن الشقة التي هي ملك له، ولكنه كرئيس جمهورية مجبر على الإقامة في المكان الذي يليق بالمنصب. وبناء إقامات لرئيس الحكومة ووزراء السيادة يوفر للدولة الاستقرار، ويعيد الاعتبار للمنصب، ويطوي "صورة الماضي البئيس" لنظام الحكم في الجزائر.