يكشف الأستاذ علي مزيان، - أحد أقرب المحامين لمصفي بنك الخليفة منصف بادسي، في هذا الحوار الأول من نوعه الذي خص به "الشروق اليومي" - خفايا الجولات الماراطونية التي قادت موكله بادسي إلى عدة عواصم عالمية بحثا عن المال الضائع من "امبراطورية الخليفة"، كما يكشف أيضا في هذا الجزء الأول من الحوار جوانب مثيرة تخص شخصية الإعلامي اللبناني راغد الشماع، وتدوخ معه عندما يقول لك أن عبد المومن خليفة لم يكن يعلم بكل ما يجري في بنكه، ويتحدث كذلك عن تفاصيل لقاءاته الأربعة مع الميلياردير الهارب في لندن، وعن سبب رفض السعودية استقباله، وقصة الصورة اللغز التي التقطت له في فندق "لانس بورو" مع مومن خليفة وأشياء أخرى تميط الكثير من الجوانب الخفية في ملف أكبر فضيحة مالية تهز البلاد منذ الإستقلال. * بصفتكم محامي أقرب شخصية إلى ملف الخليفة، هل تعتقدون أن المحاكمة تسير حاليا في الطريق الصحيح؟ * نحن قلنا أننا أمام جزء صغير من ملف الخليفة وليس هذا هو كل ملف الخليفة، لأن هذه المحاكمة، تخص فقط الصندوق الرئيسي لبنك الخليفة والوكالات التابعة له، وحتى الوكالات حصرها التحقيق في (EES)، وهي الكتابات ما بين المكاتب، أي الوثائق الإدارية التي تبين حركة الأموال ما بين وكالة ووكالة، أو بين وكالة والمديرية العامة للبنك. هناك تضارب في الأرقام حول القيمة الحقيقية للخسائر، هناك من يقول مليار، ملياران، ثلاثة؟ ما هو الرقم الصحيح؟ لا يوجد تضارب، فيما يخصنا، وهذا قلته في المرافعة أننا أحصينا خسارة ب 1.5 مليار دولار، ولا أعتقد أن هناك فرقا كبيرا في تقديرات الخبراء، لأنه في النهاية ستكون الخسائر في حدود 2 مليار دولار في خزينة بنك الخليفة كأقصى تقدير، وحسب الخبرة المنجزة من طرف السيد فوفة فإن الأضرار التي لحقت بحزينة الخليفة وحدها تقدر ب 4 مليار دينار وهي قيمة الأموال التي خرجت دون تبريرات، نحن وفي الوقت الحالي وحتى قبل أن تنتهي التصفية قلنا أن الخسائر المقدرة هي 1.5 مليار دولار. أعود للسؤال، بعد شهرين من المحاكمة، هل أنتم في الطريق الصحيح، أم أن المحاكمة غرقت في فنجان كما يقول مومن خليفة؟ أنا أقول أن ملف الخليفة تم فتحه بالفعل، ولكن ليس هذا هو كل ملف فضيحة الخليفة، وباعتباري تقني في القانون ليس بإمكاني الإجابة بأن المحاكمة في طريقها الصحيح، أم لا، وإنما أقول أننا في محاكمة ونحن ملزمون بالتقيد بما جاء في قرار الإحالة.. أما فيما يخص فضيحة الخليفة، فأحب التوضيح أنه إلى جانب ملف الخزينة الرئيسية لبنك الخليفة، فهناك ملفات أخرى مرتبطة به تم فتحها من طرف العدالة، كملف خليفة للطيران، وملف محطات تحلية المياه، وملف التحويلات المالية للخارج، وهناك ملف خليفة للبناء، وهذه هي أكبر الملفات واهمها. وبخصوص ملف التحويلات إلى الخارج فقط، أقول أن هناك تحويلات كبيرة وهي مربط الفرس، ولهذا من يقول أن المحاكمة الجارية لم تعالج كل ملف فضيحة الخليفة، فهو محق، لأننا أمام ملف الخزينة الرئيسية للخليفة في هذه المحاكمة التي تجري منذ قرابة شهرين. إذا كان ملف الخزينة الرئيسية استمر شهرين ولم ينته بعد، فكم ستدوم المحاكمة في باقي الملفات الأخرى؟ لا أعتقد أن الملفات الأخرى ستأخذ فترة طويلة كملف خزينة بنك، وتفسيري لطول المحاكمة في ملف خزينة بنك الخليفة، هو أنه من أجل فهم حقيقة المعاملات التي جرت حول الخزينة الرئيسية للبنك وكان واجبا فتح كل الملفات المرتبطة بالبنك، فلماذا مثلا نتكلم عن ملف خليفة أيروايز التي لها مصفيها الخاص، لأن هناك أموالا خرجت من خزينة بنك الخليفة باتجاه الخليفة إيروايز. فهناك تحقيقات قضائية تم فتحها على مستوى محكمة الشراڤة في قضية خليفة للبناء، وعندما ينهي قاضي التحقيق عمله، الملف سيأخذ مجراه العادي، كما حدث مع الملف الحالي، حيث ستتم إحالته إلى غرفة الإتهام، ثم هذه الأخيرة تقرر إحالته إما أمام محكمة الجنايات وإما تلغي كل شيء وتقول مثلا أنه لا يوجد أي جرم، أو تطلب تحقيقا إضافيا. موكلكم المصفي بادسي، التقى عبد المؤمن خليفة 4 مرات، ماذا جرى بينهما بالضبط خلال هذه اللقاءات؟ السيد المصفي بحكم وظيفته المتمثلة في السعي لتحصيل الأموال، توجه إلى لندن لزيارة مكاتب محامين بريطانيين، وذلك لمعرفة الإجراءات القانونية لرفع دعاوى قضائية ضد الخليفة، والسيد بادسي إتصل بمكتبين للمحاماة لهذا الغرض، ومن جهته خليفة عندما سمع بقدوم المصفي بادسي إلى لندن اتصل به، ولم يرفض بادسي لقاءه من مبدأ علمه أن مومن هو أعلم بأسرار مؤسسته وأعلم بوجهة الأموال المنهوبة. متى كانت هذه اللقاءات، وهل كانت متتالية؟ جرت كلها في 2003 واللقاءات جرت في الفترة التي كان فيها بادسي في لندن، يعني أن المصفي لم ينتقل أربع مرات إلى لندن، بل اللقاءات الأربعة تمت في تنقل واحد إلى هناك. لماذا أربعة لقاءات كاملة، ولماذا لم يكتف بادسي بلقاء واحد؟ لأن مومن كان يقول لبادسي أن لديه معلومات سيعطيها له، كما وعده أيضا بإرجاع مبلغ 45 مليون أورو للمساهمة في تعويض بعض الضحايا.. وعندما اكتشف المصفي أن قضية 45 مليون أورو هي مجرد كلام وليست أمرا جديا، أوقف المصفي لقاءاته مع مومن خليفة. من كان حاضرا في هذه الإجتماعات؟ السيد بادسي كان معه جزائري، لا أستطيع أن أكشف عن هويته. ولا يذهب تفكيركم بعيدا، فهو ليس شخصية كبيرة، ولا هو رجل أمن ولا من الرئاسة ولا من أي جهاز آخر في الدولة، هذا الشخص هو أحد المقربين لمنصف بادسي، وهذه طريقته في العمل، حيث لم يحدث أن استقبل السيد بادسي شخصا لوحده، لا بد وأن يكون هناك شاهد على لقاءاته، احتياطا لما يمكن أن يحدث، فأنتم تعرفون المشاكل المتعلقة بمثل هذه اللقاءات ومن حقه أخذ كل احتياطاته. وما هي قصة الصور التي حاول مومن بها ابتزاز المصفي بادسي؟ في الحقيقة، يتعلق الأمر بصورة التقطها مصور مجهول عندما خرج السيد بادسي رفقة عبد المومن خليفة من فندق "لانس بورو" بلندن، حيث تحين المصور فرصة خروج موكلي مع الخليفة ليلتقط الصورة، وطبعا لم يجد بادسي الوقت ولا الظرف مناسبا ليسأل عن هذا المصور الذي اختفى بمجرد التقاطه الصورة. هل تعتقدون أن الخليفة هو من كلف هذا المصور بالتقاط صورة له مع بادسي ليساومه بها فيما بعد مثلما أوضحتم في مرافعتكم أمام محكمة الجنايات؟ نحن لا نعرف بالضبط، هل مومن كلف هذا المصور لاستغلال هذه الصورة في أغراض ما، أم أن هناك جهات أخرى وراء هذه الصورة، وعلى كل نحن لم نتحصل على نسخة من هذه الصورة، لكن السيد بادسي وقتها لم يجد ما يفعله، هل ينزع الكاميرا من المصور، أم ماذا يفعل، لكنه قال في نفسه أنه "لا يوجد شيء" أخفيه حتى أتحرج من هذه الصورة مع الخليفة.. ومن كان مع عبد المؤمن الخليفة خلال هذه اللقاءات؟ حسب معلوماتي كان معه محام، وأفراد من الشرطة البريطانية. وهل سلم مومن شيئا لبادسي، ولو وثيقة واحدة مثلا؟ لا، لم يسلمه أي شيء، لا وثيقة ولا أموال، وظل يردد على المصفي أنه ترك الأموال في الجزائر، لكن المصفي قاطعه قائلا له "اعتقد أنك لا تعرف بنكك جيدا"، وأجابه مومن بالصمت.. وفي اعتقادي ومن خلال ما لاحظناه في هذه المحاكمة، فقد كانت هناك أشياء لم يكن يعلم بها خليفة نفسه، وأظن انه لم يكن ليقبل بها لو علم بها، وهذه الأمور تحدث في عالم المال، غير أن هذا لا يعفيه من المسؤولية، لأنه كان بإمكانه وضع آليات لمراقبة التسيير الصارم لبنكه. هل التقى بادسي بمسؤولين بريطانيين هناك؟ لا، لم يلتق أي سياسي أو مسؤول، كل لقاءاته كانت مع محامين لمعرفة السبل لمقاضاة الخليفة في كيفية استرجاع الأموال. إلى جانب بريطانيا، ما هي الدول التي زارها موكلكم بادسي بحثا عن الأموال الضائعة؟ زار بادسي كلا من فرنسا، بريطانيا، سويسرا ولبنان. لكن بعض المعلومات تتحدث عن زيارته لأكثر من 40 دولة؟ لا، هذا غير صحيح، لم يزر سوى هذه الدول الأربع التي ذكرتها لكم. ولماذا سويسرا في جولة المصفي، هل الأمر له علاقة بالبنوك السويسرية؟ لا، الأمر له علاقة بشركة تصنيع محطات تحلية المياه، وهي تسمى "سات أوتا"، وبخصوص محطات التصفية، فقد تم شراء اثنتين من السعودية وهما موجودتان بمرفأ زموري، وهناك 3 محطات أخرى تم اقتناؤها من اليونان، وبلغاريا، وسويسرا. وفيما يخص السعودية؟ هل حقا رفضت استقباله؟ آه، فيما يخص السعودية.. كل بلد له سيادته ومن حقه ألا يبرر سبب الرفض لمنح التأشيرة، لكن حسب علمي فإن طلب المصفي بادسي تزامن مع موسم الحج، الأمر الذي عطل حصوله على التأشيرة، ولو كان المصفي قد عاد إليهم بعد انتهاء الحج لوافقوا على طلبه، ولعلمكم فإن موضوع الزيارة يخص محطات تحلية المياه التي تم اقتناؤها من هناك. بلغنا أن الأمر يتعلق بشركات ملكية سعودية هي التي باعت هذه المحطات ولهذا رفضت السلطات السعودية منح التأشيرة؟ لا أعتقد أن هناك دوافع سياسية وراء منع بادسي من دخول السعودية، خصوصا وأن أغلب الشركات السعودية مملوكة للخواص. سؤالنا نابع من كون راغد الشماع الإعلامي اللبناني، المعروف بعلاقاته الواسعة مع ملوك ورؤساء دول عربية، هو من كان وراء هذه الصفقة؟ بخصوص راغد الشماع، فقد سألت عنه رضا عبد الوهاب، الحارس الشخصي لعبد المؤمن خليفة، وحتى سكرتيرته الخاصة نجية عيواز خلال الجلسات، وقد أكد لي الحارس الشخصي للخليفة أن الشماع كان دائم العلاقة والحضور مع مومن، وقد سألته عن الصفة التي كان يتعامل بها الشماع، هل كان مستشارا، أم مفوضا عاما باسم الخليفة، وبالنسبة لنا فتحديد وظيفته سيمكننا من تصنيف الأعمال التي كان يقوم بها لصالح الخليفة. لكن الشماع في آخر تصريح له على لسان محاميه الأستاذ فطناسي محمد قال أن علاقته بالخليفة كانت محدودة ولم تتجاوز زياراته للجزائر أربع مرات؟ أنا قلت أن الحارس الشخصي قال أنه كان يراه مع مومن ولم يقل أنه رآه في الجزائر، فقد يكون التقاه في باريس. وما يهمنا من الشماع هو معرفة وضعيته القانونية اتجاه مجمع الخليفة.. يعني هل كان مستشارا فقط، أم لديه تفويض من الخليفة يتعامل به لإمضاء العقود، وهو أمر يختلف تماما عن وظيفة المستشار التي يمكن اختصارها في دور تقديم النصائح والإرشادات غير الملزمة. هل لديكم أدلة تورط راغد الشماع أو تبين حقيقة علاقته بالخليفة؟ في الحقيقة لم نجد أثرا كتابيا واحدا يدل على هذه العلاقة، وبالنسبة لي فإن تصريحات الشماع الأخيرة قدمت معلومات جديدة، فعندما قدم نفسه على أساس أنه مستشار الخليفة لم أفهم ماذا كان يريد من وراء تأكيد استعداده لإرجاع بعض الأموال التي أخذها كعمولة من صفقة محطات تحلية المياه، لأن المعروف أن المستشار يأخذ أتعابا أما العمولات فيأخذها التاجر!! ومعلوماتنا تقول أن راغد كان حقيقة يتوسط في عدة صفقات، كصفقة محطات تحلية المياه، وصفقة شراء فيلا "كان"، وصفقات شركات الطيران، ويمكنني القول أن الشماع كان وراء جميع الصفقات المتعلقة بالخارج.. حتى أنه في مرة من المرات، بحسب ما كشف لي الحارس الشخصي لمومن خليفة، فإن الشماع قد توسط لدى الرئيس المالي لصالح الكنفدرالية الإفريقية لكرة القدم "الكاف" عندما كان مومن وعيسى حياتو في طريقهما إليه!! وليس سرا القول أن الشماع معروف باتصالاته الكبيرة مع جميع الدول، خصوصا في تونس وجزر القمر ولبنان والولايات المتحدة. وما هي قصة الطائرات ال13 الصغيرة التي قيل أن الشماع فككها وباعها خردة؟ حسب المعلومات التي لدينا من مصادر مؤكدة (لا أكشف عنها لكم) فإن جهاز ال"أف بي أي" الأمريكي هو الجهة الأولى التي كشفت خيوط القضية، وتقرير ال"أف بي أي" يشير إلى أن الشماع فكك 13 طائرة صغيرة (avion- taxi) فوق التراب الفرنسي قبل أن يتم بيعها كقطع غيار في الولايات المتحدة. المعلومات التي بحوزتنا تقول أيضا أن هناك طائرة صغيرة في لبنان باسم زوجة الشماع، وهذا ما لدينا من معلومات، ولا أستطيع أن أؤكد لكم أن هذه الطائرة مستعملة، أم أنها متوقفة الآن. وهل باشرتم اتصالات للقاء الشماع بعد تصريحاته الأخيرة؟ نعم، تم هذا الأمر عن طريق محاميه فطناسي، ونحن نتمنى مجيئه للجزائر، لكن ليس لدينا مشكل للإنتقال إليه أينما كان متواجدا سواء في باريس أو بيروت. هل لأن مومن كان يوزع الأموال ذات اليمين وذات الشمال عن طريق مجرد قصاصات ورقية؟ نعم، الأموال التي كانت تخرج أغلبها غير مبرر، ومومن خليفة كان يوزعها بقصاصات ورقية لا تحمل أي صفة قانونية، وأوراق أخرى عادية، كأنه يوزع الحلوى، ومثلا أحد الأشخاص استفاد من أكثر من مليار سنتيم بهذه الطريقة، وشخص آخر استفاد من 25 مليون سنتيم بتوصية كتبها له مومن خليفة على ظهر دعوة وجهتها له السفارة الفرنسية في الجزائر لحضور حفلة عشاء؟! نفتح ملف المستفيدين »المجهولين« من أموال الخليفة، هل استطاع السيد بادسي معرفتهم؟ لقد قالها السيد بادسي وقلتها أنا خلال المحاكمة، إن أموالا كبيرة خرجت بدون وثائق حيث تم أخذ الملايير بدون أي دليل، ولكن كانت هناك أيضا عمليات شرعية، وأحب أن أكرر أنه خلال سنوات 98، 99، 2000 الأمور كانت تسير على ما يرام رغم بعض الاختلالات التي توجد في كل البنوك، لكن في سنة 2001 وخصوصا في السداسي الثاني من 2002 فإن الأموال بدأت تخرج من البنك بشكل رهيب، وتفسيري لهذا الأمر هو أنه آنذاك عندما تخوفوا من إصدار قرار ضد البنك زادوا من وتيرة النهب. إذن أنتم توافقون عبد الوهاب كيرمان محافظ بنك الجزائر سابقا عندما قال في حواره للشروق إنه لما شرع في معاقبة بنك الخليفة تمت تنحيته من منصبه؟ بداية، أقول إن قرار الإحالة نفسه يتحدث عن تدخل بنك الجزائر، فإلى غاية نهاية ماي 2001 في عهدة سي كرمان تدخل بنك الجزائر 5 مرات. نفهم من كلامك أن كرمان قام بدوره كاملا عندما كان على رأس البنك؟ السيد كرمان قام بعمله وهذا الأمر واضح ولكن يجب عدم النظر إلى وقائع 2000 بنظرة 2007، فآنذاك كانت البلاد قد دخلت في الخوصصة وكان قرار توقيف البنك أمرا ليس بالهين. وإضافة إلى ذلك فنحن معروفون بثقل الإدارة الجزائرية ومعروفون بالتثاقل في أخذ القرارات، ولكن في رأيي كانت هناك 5 تقارير للتفتيش وكان هناك تعيين مقرر على مستوى اللجنة المصرفية، وأعتقد أن التفتيش قد تم في فترة كرامان، لكن هناك مشكل في تطبيق القانون كما قلت لكما، والقصد من كلامي أن تطبيق القانون دائما يخضع لمراحل ولا يمكن تطبيقه بصفة ميكانيكية وهناك وضعيات تحتاج دراسة ومراعاة للظروف المحيطة بها، وهو الشيء الذي وقع في حالة بنك الخليفة. إذن من هو المسؤول عن هذه الوضعية... بنك الجزائر أم وزارة المالية؟ مسؤوليات بنك الجزائر محددة في القانون، وهناك الوزارة واعتقد أن الخلل الكبير في قانون القرض والنقد المعدل في عام 1996، لأنه في وقت سابق كان بنك الجزائر له صلاحيات اتخاذ القرار لكن بعد التعديل تحولت هذه الصلاحيات إلى وزارة المالية. معناه وزارة المالية لم تبادر لمعاقبة بنك الخليفة رغم أن ذلك من صلاحياتها؟ هذا السؤال يجدر بكم توجيهه لمسؤولي الوزارة، لكن الوزارة قدمت تبريراتها بعدم التحرك بعد تقارير بنك الجزائر بما يلي: 1 التقرير الذي أعده بنك الجزائر لا يتحدث عن جرائم قائمة آنذاك. 2 كان هناك مشكل يخص الإجراءات الشكلية للتحقيق الذي قام به بنك الجزائر، من جانب أن المفتشين الذين أجروا التحقيقات في بنك الخليفة لم يكونوا محلفين (لم يؤدوا اليمين). وبشأن بنك الجزائر فلم يكن لديه وقتها مفتشين محلفين ولهذا لما وصل التقرير من بنك الجزائر إلى الوزارة تم تجميده. 3 وهناك تبريرا آخر قدمه السيد علي تواتي، نائب محافظ بنك الجزائر، فيما يخص تراجعه في التقرير الثاني عن ما تم اعتباره خروقات في التقرير الأول، وفي هذا قال تواتي إن القانون يشترط موافقة بنك الجزائر على تحويل أموال للخارج مقابل استيراد تجهيزات خدماتية، حيث قام الخليفة بجلب طائرات، ولكن تبيّن لاحقا حسب تواتي أن الخليفة لم يشتر هذه الطائرات وإنما قام بكرائها فقط، الأمر الذي يسقط ملاحظة بنك الجزائر عليه في هذه العملية. أما السيد الوزير فقد أكد هذه الملاحظات، بأن كراء الطائرات لا يعد خرقا لقوانين بنك الجزائر، كما أن مشكلة المفتشين غير المحلفين، ساهمت هي الأخرى في عدم تحرك الوزارة ضد بنك الخليفة بناء على تقارير بنك الجزائر... وللعلم، فاستيراد تجهيزات ذات طبيعة خدماتية يتطلب إذنا مسبقا من بنك الجزائر لتحويل الأموال إلى الخارج لجلبها... يبدو أن هذه هي المشاكل التي أخرت قرار حل بنك الخليفة؟ نعم بنك الجزائر قام بعمله، وعيّن مقررا وهذا المقرر توفي بعد 4 أشهر (رحمه الله) ثم حدث مشكل آخر في اللجنة المصرفية، حيث تم تعيين قضاة في اللجنة المصرفية لكن لم يتم ترسيمهم، ويبدو أن هذا المشكل ساهم في تأخير القرار النهائي في حق بنك الخليفة والذي تأخر إلى 27/11/2002 القاضي بمنع المعاملات التجارية الخارجية للبنك. هل تعتقدون أن إنقاذ البنك كان أفضل من حله؟ أولا ظاهرة إفلاس البنوك والمؤسسات ظاهرة ليس مقتصرة على الجزائر، لكن لابد من توضيح شيء، وهو أن إنقاذ البنك لم يكن ليفيد، لأن المودعين بعدما سمعوا ما جرى لبنك الخليفة فإنهم لن يتركوا أموالهم فيه حتى بعد إنقاذه من طرف الدولة، والمشكل يتمثل أن صعوبات بنك الخليفة لم تكن في التسيير، بل كانت في تعرض البنك للنهب من الداخل، فهل تنقذ الدولة بنكا منهوبا من أهله؟ نعود إلى شخص السيد بادسي، يبدو أنه من المستحيل أن يقوم موكلكم بهذه المهمة لوحده؟ فممن يتكون فريق »الكومندرس« الذي يرأسه؟ مستحيل أن يقوم بهذه المهمة لوحده، هناك فريق عمل كبير، وأغلبهم كانوا يعملون في بنك الخليفة، فعندما بدأت مهمته، أبقى بادسي على أغلبية موظفي البنك ممن كانوا يعرفون خبايا البنك. وأقول لكم شيئا، إن منهم من يوجد اليوم في قفص الاتهام ومتابعين بجنايات، ومثال على ذلك مدير وكالة البليدة لبنك الخليفة السيد كشاد، وآنذاك لم يكونوا متهمين، بل كانوا عمالا في إطار تصفية البنك. وكشاد مثلا كلفه بادسي باسترجاع الأموال الضائعة من وكالة البليدة لأنه أعرف بمن أخذها. وفي وقت لاحق لجأ المصفي إلى توقيف بعضهم عندما اكتشف شبهة في سلوكاتهم، وهناك طبعا من دخل أروقة العدالة، فتوقف عن العمل، لكن هناك من بقي يعمل لحد الآن مع المصفي. وهؤلاء عددهم تقريبا 40 فردا، وإلى جانب هؤلاء هناك حوالي 30 محاميا نظرا لكثرة الملفات المطروحة على المصفي. هناك أموال استفاد منها بعض الأشخاص بأسماء مشفرة، هل توصلتم إلى تفكيك هذه الرموز والشفرات؟ بالفعل هناك حالات ليست كثيرة، وليكن في علمكم أننا رفعنا عدة قضايا في التجاري، ضد مجهولين، ولكنهم أشخاص يتبيّن للوهلة الأولى أنهم وضعوا ملفات للاستفادة من قروض، لكن عندما وصلنا إلى قاضي التحقيق وجدنا أن المعلومات الواردة في الملفات خاطئة وأن هؤلاء الأشخاص غير موجودين أو غير حقيقيين. من هم زبائنكم الذين قصدوكم لاسترجاع الأموال، هل فيهم مسؤولون كبار؟ في البداية، أحب توضيح نقطة تخص طريقة عملنا، وهو أننا نفضل الطرق الودية لاسترجاع الأموال، وإذا لم تنفع هذه الطريقة نلجأ للعدالة، وزبائننا جزائريون من كل المستويات، مسؤولون كبار ومواطنون صغار. هناك شيء غريب يخص المتهمين الذين تكتّموا على أسماء أشخاص كبار استفادوا من أموال بنك الخليفة، فهل يعقل هذا وهم يواجهون أحكاما ثقيلة تصل إلى السجن بعشرين سنة؟ حتى نحن لم نفهم هذه الوضعية فإما هؤلاء المتهمين لديهم علم بأسماء وفضلوا الصمت اعتقادا منهم أن المحكمة ستصدر أحكاما مخففة في حقهم، وإما أن هؤلاء المتهمين هم من أخذوا الأموال في حسابهم الخاص، وعلى المستوى الرسمي لم ينطق هؤلاء باسم أي شخصية لكن في الخفاء يقولون أعطينا لفلان وعلان. وفي رأيي من غير المعقول هذا التصرف إذا ثبت فعلا تقديم الأموال من هؤلاء المتهمين لأصدقائهم أو مسؤولين ويرفضون اليوم الكشف عنهم، ونحن متيقنون أن هناك أشخاصا آخرين استفادوا من الأموال يوجدون خارج المحاكمة وقد حاولنا في الجلسات استنطاق المتهمين في شأنهم ولكن بدون فائدة، ولهذا سيدفع هؤلاء المتهمون الثمن بدلا عن الذين سكتوا عنهم. هل يستطيع المصفي بادسي تعويض كل الدائنين لبنك الخليفة؟ غير ممكن، ونحن قلنا نستطيع تعويض 5 بالمائة فقط من الدائنين الضحايا، سواء أكانوا خواصا أو مؤسسات عمومية، والباقي أموالهم ذهبت بكل أسف في الهواء، ما على الدائنين سوى تقبل الأمر كما هو، هذه هي عواقب الإفلاس، والدولة لا تستطيع تعويض كل الدائنين، كيف تعوض الدولة بدلا عن أشخاص قاموا بسرقة أموال ثم اختفوا؟! وهل سيتم المطالبة باسترجاع الأموال من المتهمين أنفسهم؟ أعتقد أنكم سمعتم بحجز ممتلكات بعض هؤلاء المتهمين (فيلات مثلا)، وأريد أن أوضح أن الأمر لن يطال ممتلكات عائلات المتهمين، ولكن سيشمل العقارات والممتلكات التي يثبت لدى النيابة العامة أنه تم شراؤها بأموال بنك الخليفة... وما هي قصة البطاقات المغناطيسية؟ هناك عدد معتبر من البطاقات المغناطيسية استفاد منها أشخاص من البنك، يتراوح عددها ما بين 100 و200 بطاقة، والقضية الآن على مستوى قاضي التحقيق، ولا يمكنني أن أضيف تفاصيل أخرى لأن قضية البطاقات المغناطيسة تدخل في إطار ملف التحويلات إلى الخارج الذي يوجد على مستوى التحقيق حاليا؟. ما هو حجم الأموال بالضبط التي وجدتموها في البنك عند حله؟ عند حل البنك وجدنا حوالي 1 مليار دينار، وعبد المومن خليفة يقول إنه ترك 33 مليار دينار استنادا إلى الميزانية التي صادق عليها البنك في ديسمبر 2002، والحقيقة أن هذه الميزانية 76 بالمائة منها موجودة في الحسابات قيد الانتظار، ولهذا لا يمكن حساب الأموال الموجودة بدقة، فخزينة بنك الخليفة لم تكن توجد فيها فقط أموال المؤسسات العمومية فقط بل هناك أموال شركات الطيران التي أجرت طائرات الخليفة، وأيضا عدد من الأشخاص الطبيعيين. لكن عبد المومن يتحدث كذلك عن مبلغ 3 ملايير دولار تركها في الجزائر؟ هذه أكذوبة وربما هذا دليل على أن عبد المومن لم يكن يعرف كل ما يجري في بنكه رغم أنه هو الرئيس المدير العام، وأكرر أنه لو كان فعلا عبد المومن ترك هذا المبلغ الضخم لما كان غادر الجزائر ولما أفلس البنك أصلا... فحتى حسابات البنك فيما يتعلق بشركة خليفة للطيران مثلا هناك 51 مليون أورو مذكورة في الميزانية لكنها ليست موجودة في حسابات الزبائن، بل في حسابات احتياطية، ولهذا لا يستطيع مومن أن يقول إنه ترك 3 ملايير دولار وإلا فإنه لم يكن ليغادر البلاد. كما أن الخسائر المسجلة لحد الآن قريبة من رقم 1.5 مليار دولار، وعندما تنظر إلى مجمع الخليفة تجد أنه ليس لديه أملاك، يدعي بموجبها أنه ترك 3 ملايير دولار، فهو في الحقيقة قام بكراء كل شيء، مثلما علق أحدهم قائلا »كل شيء استأجره واشترى فقط العباد«، وهذا هو أدق تعبير على سياسة بنك الخليفة في ذلك الوقت، وشخصيا تساءلت في نفسي في ذلك الوقت: كيف لبنك صاعد بكل تلك السرعة كل مقراته مؤجرة؟؟ فيما يتعلق بفيلا »كان« التي اشتراها عبد المومن، هل استرجعتم أموالها أم لا؟ هنا يجب أن نذكر أن السلطات الفرنسية شرعت من جهتها في تصفية شركة خليفة للطيران، وفيلا »كان« الأموال التي اشتريت بها خرجت من الجزائر، هذا أمر أكيد، اشتراها خليفة بمبلغ 35 مليون أورو رغم أن سعرها لم يكن يتعدى 12 مليون أورو، ثم لما تعفّنت الوضعية أعاد عبد المومن بيعها بالخسارة بمبلغ 16 مليون أورو، لكن السلطات الفرنسية جمدت عملية البيع هذه، لأنها لم تقتنع بها، هذه الفيلا هي في الحقيقة عبارة عن ثلاث فيلات كاملة اشتراها خليفة باسم شركة خليفة أيروايز... وطبعا القضاء الفرنسي ألغى عملية بيعها لأنه لاحظ أن العملية غير سليمة وأن الغرض منها هو تهريب الأموال... وحاليا هذه الفيلا توجد تحت الحراسة القضائية في فرنسا ونحن نتمنى أن تباع ونسترجع أموالها. ولكن موكلكم المصفي بادسي خسر قضيتين أمام القضاء الفرنسي؟ لقد قمنا باستئناف لدى محكمة النقض الفرنسية ولم نسترجع حقوقنا، لأننا كنا نطالب بأن تصفية شركة الحليفة للطيران يجب أن تتم في الجزائر وليس في فرنسا، لأن الشركة جزائرية وليست فرنسية، وهي خاضعة للقانون الجزائري، لكن الفرنسيين رفضوا ذلك وقالوا لا. وأكشف لكم أنهم أرادوا حتى القدوم إلى الجزائر لتصفية ما تبقى من هذه الشركة؟!، ولهذا أعلمكم أننا قررنا الاستئناف أمام المحكمة الأوروبية ونحن الآن ندرس الملف المتعلق بهذه الخطوة. وما هي قصة شركات الطيران الأجنبية التي تطالبكم بالتعويض عن الخسائر التي لحقت بها بسبب تعاملها مع مجمع الخليفة؟ الشركات هذه وهي »بوينغ«، »أيربيس«، »أتي آر« و»لوفتهانزا"، طالبت فعلا بتعويضات وهذه الشركات وقعت عقود كراء طائرات للخليفة، وخليفة مومن لم يكن يسدد ما عليه وفق ما كانت تنص عليه العقود كل شهر وكل 15 يوما، وهناك كذلك شركات تأمين عالمية تطالب بمستحقاتها، وهناك شركة »هافاس« الفرنسية تطالب بما تبقّى من أموال عقد السبونسورينغ الذي وقعه خليفة باسم شركة الخليفة للطيران مع فريق أولمبيك مرسيليا لكرة القدم، والعقد كانت قيمته 25 مليون أورو ولكن الفرنسيين لم يأخذوا سوى مبلغ 16 مليون أورو وهم يطالبون بالمال الباقي وخاصة وأنهم احترموا بنود العقد والفريق لعب كل المدة المتفق عليها بشعارات الخليفة للطيران على قمصان اللاعبين، وهناك أيضا طيارون بريطانيون استعان بهم الخليفة في وقت ما يطالبون اليوم بأموالهم، وهناك محامون كذلك عملوا مع الخليفة لم يأخذوا مستحقاتهم والقائمة طويلة وطويلة جدا... إذن الأمر لا يتعلق فقط بالمودعين سواء الكبار أو الصغار؟ لا هناك العديد من الأطراف خارج قائمة المودعين يطالبون هم كذلك حاليا بالتعويض. والجهات الأجنبية هل لديها أموال كبير تطالب بها حاليا على غرار شركات الطيران العالمية التي ذكرتها؟ نعم المبالغ التي يطالبون بها كبيرة وكبيرة جدا. ما هو حجمها بالضبط؟ ليس لدي رقم حاليا ولكن فيما يتعلق بشركات الطيران فقط فهي تطالب بحوالي 150 مليون دولار. حاوره: رمضان بلعمري/ نسيم لكحل [email protected] - [email protected]