منذ أكثر من أسبوع وأثناء تدشينها للمركز والموقع الإلكتروني لتظاهرة "الجزائر عاصمة الثقافة العربية 2007" برياض الفتح أحدثت وزيرة الثقافة خليدة ضجة كبرى وهي تصدر أوامرها أمام الصحافيين بإغلاق ملهى يقع فوق المركز السمعي البصري. وصرحت الوزيرة أنذاك قائلة : أأمر بغلق هذا الملهى إبتداء من يوم غد.، وبعد أكثر من أسبوع الملهى المذكور مازال ينشط بصفة عادية جدا ولم يجد أمر الوزيرة طريقة إلى التنفيذ. ربما أن ما قامت به الوزيرة لم يكن إلا مناورة سياسية، لكنه أعاد فتح ملف شائك وهو كيف تحول رياض الفتح إلى أكبر مجمع للملاهي الليلية بالجزائر.. وبأوراق رسمية. الوزيرة وصاحبة الملهى والقضاء ثالثهما الحادثة الأخيرة التي كانت بطلتها وزيرة الثقافة برياض الفتح ليست إلا جزءا صغيرا من حقيقة كبرى يحاول الكثيرون تحاشي الخوض في تفاصيلها، لأن القضية معقدة بما فيه الكفاية وخطيرة إلى درجة تتلاشى أمامها أية أوامر حتى ولو كانت وزارية، والدليل أن الملهى محل الخلاف والمسمى "بيانو بار" مازال ينشط حتى الآن بشكل عادي رغم أوامر الوزيرة التي اعتبرته خرقا للنصوص المسيرة للفضاءات الثقافية بإعتبار أنه كان مسرحا للاطفال قبل أن يغير نشاطه. صاحب الملهى اليوم هو السيدة "س.ع" التي اتصلنا بها لمعرفة حقيقة ما حدث، فقالت أنها منذ أسبوع إطلعت على الموضوع من خلال الصحافة الوطنية ولكنها لم تتلق أي ورقة رسمية حتى الآن، وتساءلت السيدة عن دوافع قرار الوزيرة بما أنها لا تملك أي سلطة قانونية، بإعتبار أن المحل مرخص له من الجهات المعنية وهي ولاية الجزائر، وأضافت قائلة: "لست أدري هل "البيانو بار" هو الملهى الوحيد في رياض الفتح، لماذا تغاضت الوزيرة عن أكثر من عشرة ملاهي كلها تنشط بنفس المكان ولم ترى إلا المحل الذي أديره؟.. وعن قصة تحويله من مسرح للأطفال إلى ملهى، أجابت السيدة "س.ع" أنا لم أحوله إلى ملهى، لأني استأجرت المحل منذ ثلاث سنوات فقط، وكان ينشط كملهى وعملية تحويل نشاطه تمت منذ أكثر من 13 سنة، حيث كان ملكا لشخصية معروفة لم يجرؤ أحد على معارضته، وقد تم التحويل بموافقة مدير ديوان رياض الفتح أنذاك فَلِمَ تتحرك الوزيرة إلا الآن بالضبط، وإذا كان الأمر يتعلق بخرق النصوص فهناك قانون، وإذا كانت الوزيرة تريد إغلاق المحل فهناك شيء إسمه القضاء، وأنا معي كل الأوراق الرسمية التي تضمن لي حق إستغلال المحل كملهى. مدير ديوان رياض الفتح: الوزيرة لا تملك السلطة القانونية لإغلاق الملهى ولمعرفة الجانب القانوني في القضية، إتصلنا بالسيد: "تيجيني حمزة" المدير الحالي لديوان رياض الفتح منذ سنة 2003 الذي أكد أن المحل ينشط بطريقة قانونية ويمتلك كل الرخص القانونية التي تخول له مزاولة نشاطه وهي رخص مسلمة من ولاية الجزائر. أما بالنسبة للأمر بالغلق الذي أصدرته الوزيرة، فأكد السيد تيجيني أنه وباعتباره مديرا لديوان رياض الفتح لا يملك حق إصدار مثل هذا القرار ولا الوزيرة لها السلطة في ذلك، والي ولاية الجزائر يضيف محدثنا هو الوحيد الذي يمكنه إصدار مثل هذا الأمر مدعما بأسباب قد تكون أمنية أو متعلقة بالأداب، لهذا يقول السيد تيجيني أنه لم يفهم من أي باب وإستنادا إلى أي نصوص قامت الوزيرة بإصدار أوامرها. وعن سؤالنا حول ما آل إليه مجمع رياض الفتح ،وكيف أصبح يضم هذا العدد الهائل من الملاهي الليلية، أشار محدثنا إلى أن هذا التحويل حدث في سنوات التسعينيات وأنه تولى إدارة المجمع سنة 2003 فوجده كما هو عليه وبمشاكل لها أول وليس لها آخر ابتداء من انعدام أي إعانة من الدولة للمجمع إلى الخلافات مع بعض المستأجرين الذين يرفضون دفع مستحقاتهم ونحن لا نملك سلطة تنفيذ أحكام الغلق فنجد أنفسنا أمام القضاء وهو أمر يأخذ سنوات لذا نحاول الوصول إلى إتفاقية لتقسيط ديونهم، لأن ميزانيتنا لا تسمح لنا بالخوض في هذه الأمور وإنتظار الأحكام القضائية، وقد رفعت تقارير بذلك إلى الجهات المسؤولة. حكاية رياض الفتح مع الملاهي حين تم تدشين مجمع رياض الفتح سنة 86 لم يكن يحتوي إلا على مرقص واحد المعروف باسم "التريان.ل" وكل التغيرات التي حدثت على مستوى نشاطات المحلات في مجمع رياض الفتح كانت إبان العشرية السوداء، حيث شهد المجمع أسوأ أيامه على الإطلاق أدت بالكثير من أصحاب المحلات إلى التخلي عنها مقابل مبالغ رمزية عن طريق التنازل بإعتبار أن المحلات هي من أملاك الدولة وأصحابها مجرد مستأجرين فقط. المستأجرون الجدد راهنوا على إعادة بعث النشاط التجاري من جديد في رياض الفتح عن طريق تحويل المحلات إلى النشاط الليلي، بالحصول على رخص لبيع المشروبات الكحولية في إطار ما يسمى "بالعشاء الراقص" وبسبب قانون حظر التجول في التسعينات، ولأن الزبائن لم يكن بإمكانهم مغادرة المكان ليلا، قامت ولاية الجزائر بإصدار رخص لكل من طلبها وهي الرخص التي مازالت تنشط بها كل هذه الملاهي حتى الآن. وبعيدا عن ذكر اسماء أصحاب هذه الملاهي وكونهم يتمتعون بنفوذ قوي جدا يجعلهم في مأمن من أي مشاكل، فإن أهم مشكل يواجه مجمع رياض الفتح اليوم هو إنعدام الجانب الأمني وتفشي كل أنواع الفساد، حيث يضم مجمع رياض الفتح حاليا 17 ملهى تتواجد على مساحة 6 هكتارات هي مساحة المركز التجاري وغابة الأقواس، وينشط في المركز عشرة ملاهي هي: الموال، الياسمين، الباي، فوجي ياما، الصومام، البيانو بار، نادي الليل "التريان.ل" سابقا، النوبة، المسمكة، أما في غابة الأقواس فهناك البستان، زرياب، الفيراندا، VIP، الحرفيين، السلطان براهيم، بينما تم غلق كل من ملهى حيزية و"الجزائرية"، الأول لأسباب أمنية والثاني بسبب قضية مزاولته لنشاط الدعارة، هذا العدد الهائل من الملاهي الليلية المركزة في مساحة صغيرة جدا حول مجمع رياض الفتح إلى بؤرة حقيقية للفساد، وتكفي زيارة لرياض الفتح ليلا خصوصا في نهاية الأسبوع، حيث تشهد الملاهي إقبالا كبيرا للوقوف على حقيقة ما يحدث من تجاوزات، حيث ينهي الكثير من الساهرين سهرتهم في أقسام البوليس وبعضهم في المستشفيات. لهذه الأسباب رجال الأمن في رياض الفتح تخلوا عن مهامهم بعض المكلفين بالأمن في رياض الفتح ممن تحدثنا معهم، تأسفوا للحالة التي وصل إليها هذا المعلم، وحين يتكلمون عن خطورة الأوضاع فهم يؤكدون أن حياتهم أصبحت على كف عفريت، فهم لا يملكون أي أسلحة للدفاع عن أنفسهم، في المقابل فإن نوعية الزبائن التي أصبحت ترتاد المكان تغيرت كثيرا، فأغلبهم من أصحاب السوابق والمدمنين على كل أنواع الممنوعات، لهذا فالتعامل معهم خطير جدا. وعن معدل الجريمة في رياض الفتح، قال رجال الأمن الذين رفضوا ذكر أسمائهم أن رياض الفتح ليلا أصبح أخطر من أزقة باب الوادي والسكوار "حديقة بورسعيد".. مشاكل أخرى أثارها المكلفون بالأمن في رياض الفتح وهي أن كل المتورطين في أحداث الشغب داخل المجمع يتم إطلاق سراحهم مباشرة بعد تسليمهم لقسم الشرطة، وحدث أن تم إحتجاز رجل أمن للإستماع إلى أقواله، بينما أطلق سراح الشخص الذي قام بالإعتداء على فتاة وهو في حالة سكر شديد؛ وإن كانوا قد رفضوا توجيه تهمة التواطؤ لبعض رجال الشرطة مع أصحاب الملاهي، إلا أنهم أكدوا أن ما يحدث دفع بهم إلى التخلي عن أداء مهامهم بعد أن اتضح لهم أنه لا جدوى منها، لأن نفس الأشخاص يعودون دائما لإحداث المشاكل دون أي عقاب. الموضوع بحاجة لقرار سياسي من خلال حديثنا مع كثير من الأطراف، إتضح أن قضية تحويل مجمّع رياض الفتح إلى مجمّع للملاهي الليلية قضية معقدة جدا، وهي أكبر بكثير مما يحاول البعض إيهام الرأي العام به، ويكفي الحديث عن أرقام مداخيل هذه الملاهي والذي يقدر بالملايير في الشهر الواحد لمعرفة قوة أصحابها ومن يقف وراءها. ودون الدخول في تفاصيل بعض هذه الأماكن ونشاطاتها الحقيقية فإن خير دليل على قوة اللوبي المسير لها هو ما تلقيناه على لسان مدير ديوان رياض الفتح أثناء التحقيق، حيث قال "إن قضية تحويل مجمّع رياض الفتح إلى مجمع للملاهي موضوع صعب حصره، والأكثر من ذلك هو أن الأمر ليس له علاقة بإصدار أوامر، إن تسوية قضية الملاهي في رياض الفتح بحاجة إلى قرار سياسي على أعلى المستويات".