حكاية الرقم الأخضر، أو الرقم المباشر، من أجل التبليغ عن بنايات الموت، وغشّ المقاولين، وتدليس هيئات الرقابة القبلية والبعدية، تستدعي، الضحك والبكاء في نفس الوقت، والأهم من ذلك رسم سلسلة من علامات الاستفهام والتعجّب والاستغراب، ولو بأثر رجعي. أين هي حصيلة "التحقيقات" التي فتحتها الإدارة ووزارة السكن، قبل أكثر من 15 سنة، في أعقاب اتهام مقاولين ومقاولات وحتى مصنعين لمواد البناء، بالتسبّب في كارثة العاصمة وبومرداس، إثر الزلزال الذي كشف المستور في سنة 2003؟ لقد سقطت آنذاك بنايات بأكملها، مثلما يتهاوى الكارطون خلال ألعاب الأطفال، وثارت الثائرة عندها بعدما حامت الشكوك والشبهات حول تورّط مقاولين ومقاولات في عمليات "قتل جماعي" عرّاها الزلزال واستدعى التحقيق في تلك "الجريمة" التي اقترفت ضد أبرياء عزل وهم في بيوتهم! الأكيد أن الرقم الأخضر الذي أطلقته وزارة السكن، سيكون مفيدا، لو تم الاعتماد عليه فعلا، فقد كشف "ضحايا" الغشاشين والمحتالين و"القتلة"، خلال الأيام الأخيرة، بعدما بثوا فيديوهات وصوّرا، نتمنى أن تكون مغشوشة ومفبركة، لأنها إذا صدقت، فإنها الفضيحة والكارثة! لسان حال الكاشفين والضحايا يردّد في الليل والنهار: "الله لا تربّحكم".. "وكيلكم ربي".. فهل يُعقل أن تمتدّ أيادي العبث والغش إلى الجدران والأسقف التي ينام بينها وتحتها جزائريون؟ ومن المتورّط: هل هو أخ جزائري مات قلبه، فاستسهل كلّ شيء؟ أم هو أجنبي لا يهمه سوى الربح؟ أو هو "مزيج" بين الأول والثاني، أبرما حلف الشيطان لجمع المال ولو بتهديد حياة الآخرين؟ من يبني مشروعا سكنيا فوق واد متحرّك، لا يستحق أدنى احترام، ومن "يدفن" مئات المواطنين في "حيّ جديد" تقاسمهم فيه الخنازير والكلاب الضالة، لا يستحقّ كذلك أيّ رأفة، ومن يتواطأ ويغمض عينيه على "منكرات" الإنجاز بعقلية "كوّر ومدّ ألعور"، يجب ألا ينال قيد أنملة من التعاطف أو التضامن، فكلّ هؤلاء متورطون وتجاوزوا الأخلاق وكل الخطوط الحمراء! ستتهاطل المكالمات والتبليغات والتحذيرات والإخطارات والإعذارات والفضائح، عبر "الرقم الأخضر" الجديد، فهل سيتحرّك المعنيون؟ هل سيُعاقب المتورطون؟ هل سيردّون الحقوق لأصحابها؟ كيف سيعالجون العيوب وعمليات الغشّ: بالهدم وإعادة البناء؟ بإخلاء البنايات المشبوهة؟ بتقوية المشاريع المعنية، أم ب"ضرب النحّ" بلا "أحّ" وبعدها ترديد "الشحّ"؟ فعلا، صدق من قال إن السيل بلغ الزبى، فعندما يتجرّأ البعض بكلّ وقاحة وجرم، ويستهدفون "قبور" المواطنين في هذه الحياة، فمن الطبيعي أن يتحوّل الغشّ إلى وظيفة، والتدليس إلى هواية!