شيّعت الجزائر بمقرة دالي إبراهيم بالعاصمة، الإثنين، واحدة من أبرز أعمدة المسرح ليس في الجزائر فقط لكن في الوطن العربي الفنانة صونيا التي رحلت عن عمر يناهز 65 سنة بعد صراع مرير مع السرطان. صونيا أو "سكينة مكيو" من مواليد 31 جويلية 1953 بالميلية ولاية جيجل خريجة معهد الفنون الدرامية ببرج الكيفان عام 1973 ومنذ تخرجها لم يفارقها المسرح أبدا، حيث رافقت الراحلة من خلال أعمالها كمخرجة أو ممثلة هموم الجزائر وتحولاتها الاجتماعية وكانت منحازة للمرأة ومرافعة للحرية والحياة. تنتمي صونيا إلى الجيل الذهبي الذي صنع مجد الخشبة الجزائرية إلى جانب علولة بن قطاف سليمان بن عيسى، عبد الحميد رماص وغيرهم، قدمت الراحلة ما يزيد عن خمسين عملا تبقى في ريبرتوار المسرح والسينما و التلفزيون على غرار"قالوا لعرب قالوا" و"بابور غرق" و"العيطة"و"فاطمة" وغيرها. بقيت صونيا وفية للمسرح حتى في عز سنوات الدم والدموع وقدمت أعمالا أكدت بها انحيازها لثقافة الحياة مثل "الصرخة" و"حضرية" و"الحواس"، وكان آخر عمل قدمته صونيا للمسرح "بدون عنوان" الذي أخرجته ومثلت فيه إلى جانب مصطفى عياد كما شاركت في فيلم"طبيعة الحال" للمخرج كريم موساوي. كان المسرح بالنسبة لصونيا أكثر من مجرد مهنة أو اختيار، كان حياة، حيث تؤكد الراحلة في أحد حواراتها" لو عاد بي الزمن سأفعل ما فعلت وسأسلك ما سلكت، وسأختار المسرح مهنة لي؛ إذ لا يمكن لسياقي النفسي والفكري إلا أن يمشي في هذا المسار". اختارت صونيا الانحياز للمسرح في سن مبكرة جدا 17 سنة، وقد واجهت اعتراض الأهل والمحيط، حيث كان يومها التمثيل بالنسبة للمرأة مرادفا للانحراف، لكنها كسرت القيود والتحقت آنذاك رفقة أربع ممثلات أخريات بمعهد برج الكيفان، انحيازها للمسرح كلفها غاليا "عانيت نحو 20 سنة من القطيعة وعدم التواصل والبعد عن أهلي بسبب المسرح والتمثيل". شكلت صونيا نواة الجيل الذي أنار وأثرى الخشبة الجزائرية على مدار أربعة عقود كاملة، حيث شاركت صونيا في بدايتها في عمل جماعي إلى جانب كل من محمد فلاق وحميد رماص بعنوان لنعبر للعالم الذي عبرنا، حيث كانت يومها لا تتجاوز 20 سنة، امتهنت الراحلة المسرح كممثلة إلى جانب كل من المرحومين عزالدين مجوبي وعلولة، كما عملت مع سيد أحمد أقومي وامحمد بن قطاف وزياني الشريف عياد، وعملت كمخرجة، حيث نقلت رواية والسيني الأعرج إلى الخشبة وقدمت "امرأة من ورق" كما قدمت أيضا "مسرحية الجميلات"، وهي أعمال حملت بصمة صونيا المناضلة في سبيل حرية وحقوق النساء، كان لصونيا حضورا فوق الخشبة، حيث يصعب لمن يلتقي بها أن ينساها بسهولة، حيث تبقى صيحاتها فوق الخشبة راسخة في الأذهان، وقد بقيت وفية لنفسها ولخطابها المسرحي الذي رفضت طيلة مشوارها أن يسقط في الابتذال. ومثلما كان عبورها على الخشبة له بصمة خاصة كان أيضا مرورها على معهد برج الكيفان كمديرة له وقعه وغادرته إلى مسرح سكيكدة إلى جانب إدارتها لمهرجان المسرح النسوي بعنابة قبل أن تسدل الستار على مسار حافل بقيت فيه صونيا واقفة وفية لنفسها وانحيازها للخشبة، فهي التي رفعت يوما شعار"أريد أن أبني مسرحا في كل شارع". تزوجت صونيا بالفنان الشاعر المصري الراحل أحمد فؤاد نجم، وكانت بداية علاقته بها من المسرح، حيث انبهر بأدائها على الخشبة في مسرحية "جحا باع حماره"، كما قال في أحد تصريحاته الإعلامية "كانت نسخة من سندريلا الشاشة سعاد حسني". اختارت صونيا أن تبتعد عن الأضواء وترحل بعيدا عن الضوضاء والانهيار الذي شهدته الساحة الثقافية ليحتفظ لها الجمهور بصورة المرأة القوية والوفية لنفسها وقناعاتها. كانت ستكتب رسالة المسرح العربي في جانفي 2019 هيئات دبلوماسية وشخصيات عمومية ومسرحيون عرب يرثون صونيا ساعات قليلة بعد رحيل الفنانة صونيا تهاطلت التعازي والمراثي التي وشحت المنصات الاجتماعية من فنانين ومبدعين ليس في الجزائر فقط، لكن من فنانين من العالم العربي وحتى سفارة فرنسابالجزائر قدمت تعازيها للأسرة المسرحية في الجزائر، الأسى والحزن الذي عمّ الأسرة المسرحية العربية يعكس حضور صونيا وسمعتها التي تخطت حدود الجزائر. كتب غنام غنام أن الهيئة العربية للمسرح تشاطر المسرحيين الجزائريين أحزانهم برحيل الفنانة الكبيرة صونيا، وأضاف غنام رحلت التي كان من المفترض تكون صاحبة رسالة اليوم العربي للمسرح في 10 يناير 2019 حملت معها الرسالة ورحلت، كما كتبت المسرحية المصرية صفاء ترثي صونيا قائلة "أنعي إلى أصدقائي كل مسرحيي الجزائر والوطن العربي.. السيدة الفاضلة "صونيا" سيدة المسرح الجزائري التي عرفتها عن قرب، والتقيتها مرات في مناسبات مسرحية عديدة، ولمست تواضعها وتفانيها وعشقها للمسرح" وأضافت المتحدثة تقول "رحم الله صونيا وأبدلها دارا خيرا من دارها وأهلا خيرا من أهلها وعفا عن سيئاتها وأبدلها بالذنب إحسانا"، المسرحي الفلسطيني من جهته نادر القنة كتب يعزي الخشبة الجزائرية قائلا "صونيا أثرت في تطوير مسار الحركة الإخراجية المسرحية النسوية في الوطن العربي .." الرابطة الثقافية الوطنية الفلسطينية، وقد أحزنها رحيل هذه الفنانة المبدعة المعطاءة، فإنها تستذكر في تاريخ مسارها الفني والفكري والإبداعي انحيازها لقضاياها الوطنية، دفاعا عن تاريخ النضال الجزائري ..ومساندتها لقضايا الحق والعدل والحرية والديمقراطية، ونبذ العنف، ومناهضة الاستعمار بكل أشكاله، والتي ترجمتها إبداعا وفنا عاليا فوق خشبة المسرح.. وإنتاج جيل جديد من الممثلات الجزائريات المبدعات… وتتقدم الرابطة من الحركة المسرحية الجزائرية، والحركة المسرحية العربية بخالص العزاء وصادق المواساة، داعين المولى سبحانه وتعالى أن يتغمد الفقيدة بواسع رحمته ويسكنها فسيح جنانه، ويلهم ذويها ومحبيها وزملائها جميل الصبر والسلوان … إنا لله وإنا إليه راجعون. في حين كتب المسرحي المصري سيد علي اسماعيل يقول" لم أكن أعلم وأنا أصوّر ندوتها في أيام الشارقة المسرحية عام 2016 بأن هذا التصوير سألجأ إليه لأضعه في صفحتي (الآن) في يوم وفاتها .. رحمها الله " وحتى شخصيات عمومية بعيدة عن الخشبة أمثال محمد الطاهر شعلال مدير الوكالة الوطنية للتشغيل"صونيا إيقونة الوطنية الوجه المسرحي البارز، غادرتنا نحو عالم أفضل، كنت طالبا في جامعة الجزائر في الثمانينات، كان لي حظ وفرصة الإعجاب بها على الخشبة، تعازينا الخالصة لعائلتها والعائلة المسرحية الكبيرة"، كما كتب رئيس بلدية الجزائر الوسطى يرثي صونيا "ببالغ الأسى والحزن وبقلوب مؤمنة بقضاء الله وقدره تلقّت أسرة المجلس الشعبي لبلدية الجزائر الوسطى خبر وفاة واحدة من قامات الفن الجزائري الفنانة "صونيا" المصاب الجلل، أتقدم أصالة عن نفسي ونيابة عن كل منتخبي وإطارات بلدية الجزائر الوسطى، ولا سيما عمال مسرح الجزائر الوسطى باخلص التعازي وأصدق المواساة لعائلة الفقيدة، سائلين الله عز وجل أن يتغمّد الفقيدة بواسع رحمته ويسكنها فسيح جنانه وينعم عليها بعفوه ورضوانه، ويلهم ذويها جميل الصبر والسلوان"، السفارة الفرنسية كتبت على صفحتها على تويتر ترثي صاحبة "الصرخة" تقول"الممثلة سكينة مكيو رحلت أمس عن عمر يناهز 63 سنة تحية لهذا الوجه البارز والكبير للمسرح الجزائري. مخرجة "الجميلات" عملت إلى جانب العمالقة مجوبي وعلولة وبن قطاف هكذا نعى ممثلون ومخرجون وكتّاب سيدة المسرح صونيا بعد تلقيهم خبر وفاة سيدة وثائرة المسرح الجزائري، نعى فنانون وممثلون وكتاب الراحلة صونيا مكيو، التي توفيت مساء الأحد عن عمر ناهز 65 سنة إثر مرض عضال أجبرها على تقاعد مسبق والتوقف عن العمل في المسرح والسينما والتلفزيون. وزير الثقافة ميهوبي: صونيا ناضلت من أجل المرأة وشخصية ثقافية قوية "تلقى وزير الثقافة، عز الدين ميهوبي، بقلب مؤمن بقضاء الله وقدره، وبحزن وأسى عميقين نبأ انتقال الفنانة القديرة الممثلة الملتزمة صونيا الإثنين، الأحد 13 ماي 2018 إلى جوار ربها. هذه الفنانة التي ظلت متألقة خلال كل مسيرتها الفنية، وهبت حياتها للفن وللإبداع ولخدمة الثقافة والفن. فنانة عرفت بالتزامها العميق وبكل ما يخدم الإنسان ويرتقي بالذوق، ظلت تحظى دائما باحترام وتقدير الأوساط الثقافية والفنية، اختارت بعد أن ألم بها المرض أن تبتعد عن الأضواء محافظة على تلك المكانة التي كانت حققتها في المجال الفني والثقافي والإعلامي، وكانت الراحلة، صونيا- رحمها الله- تمتلك شخصيةً ثقافية، فنية قوية، كانت مناضلة من أجل قضية المرأة، مدافعة عن حقوقها وملتزمة بالقضايا التحررية. وبهذه المناسبة الأليمة، يتقدم عز الدين ميهوبي بتعازيه الخالصة إلى أسرة الفقيدة وإلى كل العائلة الثقافية والفنية. رحم الله الفقيدة وأسكنها فسيح جناته، لله ما أعطى ولله ما أخذ. إنا لله وإنا إليه راجعون". موساوي: شرف أن شاركت في "في انتظار السنونوات" قال المخرج كريم موساوي "إنّه تلقى ببالغ الحزن والأسى خبر وفاة الصديقة والمرأة الكبيرة في المسرح والسينما صونيا (سكينة مكيو).. لقد غادرتنا". وأضاف موساوي في منشور على صفحته بالفيسبوك: "كان لي الشرف الكبير أن رأيتها في فيلمي الأخير "في انتظار السنونوات"..كل تعازي الخالصة لعائلتها ولأقربائها". حازرولي وكساب: ممثلة استثنائية وبوفاتها انهار المسرح المخرج السينمائي محمد حازورلي قال كلمات جميلة عن سيدة الشاشة والركح صونيا: "ممثلة استثنائية، سيدة كبيرة في المسرح والتلفزيون أيضا، صونيا.. لقد تركتنا، وتركت وراءها أعمالا لا تقدر بثمن.. ارقدي بسلام صونيا ورحمك الله". ولم يخف الخبير في السياسات الثقافية عمر كساب كيف كانت تتعامل صونيا باحترافية مع من يقصدونها أو يطلبون منها الدعم والمساعدة. وسرد حادثة وقعته له معها، جاء فيها بحسب منشوره في "الفيسبوك": "بعد أحد العروض المسرحية، تركت لها رسالة في يدها وكتبت فيها أود المساعدة في إخراج مسرحية خاصة بالأطفال المصابين بالتوحد". وأردف كساب: "بعدها اتصلت بي بعد سويعات وأعطتني كل الدعم اللازم الذي أحتاجه، واليوم بوفاة صونيا جزء كامل سينهار في مسرحنا الذي يتفتت ولكن الفنان لا يموت أبدا". شرشال: صونيا ثائرة المسرح وكانت تنوي دعوتنا إلى بيتها بعد شفائها من جانبه وصف السناريست المخرج المسرحي محمد شرشال الراحلة صونيا بثائرة المسرح الجزائري وكتب في منشوره على الفايسبوك: "ثائرة المسرح الجزائري في ذمة الله.. وداعا صونيا". وتأسف شرشال لعدم زيارته صونيا وهي مريضة قائلا: "كنت أتمنى أن أزورك في مرضك الذي طال، إلا إنني احترمت رغبتك في الابتعاد عن الأنظار لكي يحتفظ محبوك والأصدقاء بصورة المرأة القوية والممثلة الملتزمة الصامدة". وأضاف المتحدث: "اخترت أن تبقي جميلة فكان لك ذلك حتى في موتك". وتابع: "كنت أحاول أن أرفض كونك تتعذبين وتقاومين لوحدك ذاك المرض الخبيث، كنت أمني نفسي برؤيتك حين تشفين، لقد أبلغتني ابنتك سامية أنك نويت دعوتنا كلنا إلى بيتك لنحتفل بشفائك". وأكدّ شرشال أنّ صونيا قوية حتى في موتها، حتى في طريقة مغادرتها لعالمنا الرخيس البائس". وعلّق: ".. حين سمعت خبر وفاتك سيدتي أحسست بشيء يتمزق داخل أحشائي، لقد أحسست باليتم كله وبالحزن كله.. وداعا صونيا الممثلة التي أحببنا وصفقنا لها.. وداعا صونيا مديرة معهد برج الكيفان التي كانت لا تنام من أجل أن يكون طلبتها في أحسن حال، وداعا مديرة مسرح سكيكدة وعنابة التي كان الكل يحبها لشهامتها وانضباطها". وختم شهادته في حق الراحلة بقوله: "وداعا صديقتي، سنحتفظ لك دائما بالصورة الجميلة التي أردت لأننا لم نر لك يوما صورة بشعة ومؤلمة، ستظلين إلى أن نلحق بك تلك المرأة القوية، صونيا التي نحب إلى رحمة الله التي وسعت كل شيء. لك الجنة والخلد ولبنتك وزوجها وحفيدتك وكل عائلتك ومحبيك جميل الصبر، أنا حزين جدا لأجلك صونيا".