لم تكن الخطوة التي أقدم عليها الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني، جمال ولد عباس، بعزل 15 من أصل 19 عضوا في المكتب السياسي، مفاجئة للمتابعين، فالقضية تخفي صراعا صامتا بين الرجل وسلفه في الأمانة العامة للحزب، عمار سعداني على مدار أشهر. وتعتبر الأسماء التي أسقطها ولد عباس من المكتب السياسي وجوها معروفة بانسجامها مع الأمين العام السابق، فهو الذي اقترح أسماءهم على اللجنة المركزية ونالوا تزكيتها، في صورة كل من الصادق بوقطاية وبعجي أبو الفضل وعبد القادر زحالي ورشيد عساس ومصطفى بوعلاق.. كما أن كل هؤلاء وغيرهم كانوا في "بطالة مقنعة"، أي لم يشاركوا في اتخاذ القرارات المصيرية، ومن ثم فإقصاؤهم يعتبر تحصيل حاصل. أما الأربعة الناجون من المقصلة، وهم أحمد بومهدي وسعيد بدعيدة وليلى الطيب ومحمد قمامة، فهم شخصيات تاريخية، أكبر من ولد عباس ولا يمكن أن يكون له تأثير أو فضل عليها. وكانت تسريبات قد تحدثت عن تمكن الأمين العام السابق، عمار سعداني، من جمع النصاب القانوني لدعوة اللجنة المركزية للانعقاد، غير أن عدم وجود مؤشرات غضب على ولد عباس في قمة الهرم السياسي، حالت دون تفعيل المسعى، فيما تشير تسريبات أخرى إلى أن هذا المسعى سيرى النور بعد انقضاء شهر رمضان. ولم يحصل أي انسجام بين ولد عباس وفريق المكتب السياسي المبعد، منذ الوهلة الأولى، وتجسد ذلك من خلال الأزمة التي اندلعت بين الطرفين قبل الانتخابات التشريعية الأخيرة، فقد لام الكثير من أعضاء هذه الهيئة ولد عباس، على عدم إشراكهم في إعداد قوائم المترشحين، وانتفض الكثير منهم وعبروا عن ذلك في تسريبات تناقلتها مختلف وسائل الإعلام. كما يذكر المتابعون الأزمة التي وقعت بين ولد عباس وعضو المكتب السياسي والناطق الرسمي السابق باسم الحزب، حسين خلدون، الذي قدم استقالته من المكتب تعبيرا عن رفضه للعمل معه، كما قال، وكذلك ما حصل مع خليفة خلدون، الوزير السابق موسى بن حمادي، الذي لم يعمر بدوره طويلا في منصبه وقرر رمي المنشفة. ما أقدم عليه ولد عباس، يعتبره المراقبون لشؤون الحزب العتيد مخاطرة، لأنه أضاف بقراره هذا أعداء جددا لقائمة المتذمرين منه وما أكثرهم، لا سيما وأن القانون الأساسي للحزب يحتم عرض تشكيلة المكتب السياسي الجديد على اللجنة المركزية للتزكية، قبل بدء مهامه رسميا. ومعلوم أن اللجنة المركزية لم تنعقد منذ نحو عشرين شهرا (منذ 22 أكتوبر 2016)، في تعارض تام مع النظام الداخلي لهذه الهيئة القيادية، الذي يؤكد على أن "اللجنة المركزية تنعقد مرة واحدة على الأقل كل سنة"، وهو الأمر الذي فسره العارفون بخبايا الحزب العتيد بالخوف من احتمال تعرض ولد عباس لعملية انقلابية قد تسقطه من عرش الأمانة العامة، مثلما حصل ذات مرة مع الأمين العام الأسبق، عبد العزيز بلخادم. وتعتبر تشكيلة اللجنة المركزية الحالية من نتائج "تخييط" الأمين العام السابق، في المؤتمر الأخير، وهو ما يجعل غالبية أعضائها تدين له بالولاء التام، ومن ثم فأي إشارة منه (سعداني) قد تقلب الكثير من معطيات المشهد، وهو ما يكون ولد عباس قد أخذه في الحسبان.