أضاف الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني، جمال ولد عباس، خصوما جددا إلى قائمة المعارضين له، بعد إعلان أعضاء المكتب السياسي الذين أقصاهم مؤخرا، رفضهم القرار وإعلانهم تمردهم عليه في البيان الذي عمم بحر الأسبوع المنصرم. أعضاء المكتب السياسي المقصون وفروا فضاء جديدا داعما لمطالب شرائح واسعة في الحزب العتيد، على رأسها الدعوة إلى عقد دورة اللجنة المركزية المؤجلة منذ نحو عشرين شهرا، عكس ما ينص عليه القانون الأساسي للجنة المركزية، الذي يتحدث عن دورة على الأقل في كل سنة، وهو ما لم يحترمه ولد عباس. فما هي القيمة التي سيضيفها أعضاء المكتب السياسي المقصون للمطالبين برأس ولد عباس؟ وهل سيعجل ذلك بدعوة الأمين العام إلى عقد دورة اللجنة المركزية؟ وما مصير ولد عباس لو التأمت اللجنة المركزية هذه الصائفة؟ وما موقف وزارة الداخلية من التغييرات التي طرأت على المكتب السياسي؟ وهل هي مطابقة للقانون العضوي للأحزاب؟ هذه الأسئلة وأخرى سيحاول "الملف السياسي" لهذا العدد الإجابة عنها. دائرة الغاضبين منه تتسع يوما بعد يوم أي مستقبل لولد عباس على رأس الحزب العتيد؟ انزلق حزب جبهة التحرير الوطني في أزمة جديدة لتضاف بذلك إلى الأزمات الكثيرة التي يعيشها هذا الحزب منذ سنوات، في وقت تستعد فيه البلاد لخوض واحد من الاستحقاقات المصيرية ممثلا في الانتخابات الرئاسية المرتقب إجراؤها على بعد أقل من تسعة أشهر. ولم تكن هذه الأزمة وليدة إصدار البيان الذي وقعه مجموعة من أعضاء المكتب السياسي بحر هذا الأسبوع، وإنما هي قديمة قدم الخلافات الموجودة بين ولد عباس ومن تركهم الأمين العام السابق، عمار سعداني، في الهيئات القيادية للحزب العتيد. فولد عباس أقدم على إقصاء غالبية أعضاء المكتب السياسي بقرار، وجاء بأعضاء جدد لتعويضهم بقرار، وهو الأمر الذي اعتبره المتضررون قفزا على القانون الأساسي والنظام الداخلي للحزب وكذا النظام الداخلي للجنة المركزية. وإلى حد الآن لم يقدّم ولد عباس تبريرات من منظومة الحزب القانونية، تضعه في موقف ينزهه من الاتهامات الموجهة إليه من قبل خصومه في الحزب، سوى التأكيد على أن القرار يندرج في سياق "إعطاء دفع جديد للحركية التي يعرفها الحزب واستعداده لخوض الاستحقاقات السياسية المقبلة وفي مقدمتها الانتخابات الرئاسية المقبلة"، بحسب البيان الذي عممه الحزب. غير أن أعضاء المكتب السياسي المقصين لم يقصروا في سرد المبررات السياسية والقانونية التي تدين قرار ولد عباس، وقد تضمن البيان الذي وقعه المعنيون إشارة إلى كل المواد القانونية التي تؤيد عدم اعترافهم بالقرار وتمردهم عليه. أولى المواد التي ساقوها هي المادة 35 من القانون الأساسي، الفقرة رقم 9، التي تتحدث عن "تزكية (اللجنة المركزية) لأعضاء المكتب السياسي، الذين يقترحهم الأمين العام"، وكذا المادة 42 من القانون ذاته، التي تنص على أنه: "يتكون المكتب السياسي من 16 على 19 عضوا، تزكيهم اللجنة المركزية باقتراح من الأمين العام". كما اعتمدوا على المواد 10، 11، 12، 13 و14 من النظام الداخلي للجنة المركزية، وهي المواد التي تتحدث عن حتمية تزكية اللجنة المركزية لأعضاء المكتب السياسي، وكذا المادتان 63 و71 من النظام الداخلي للحزب، اللتان تشككان أيضا في سلامة قرار ولد عباس. ولعل ما يزيد من مصداقية ما أقدم عليه خصوم الأمين العام للقوة السياسية الأولى في البلاد، هو أن اللجنة المركزية التي تعتبر صاحبة الكلمة الفصل في هذا النزاع، مغيبة منذ ما يناهز عشرين شهرا، كما لا يزال انعقادها غير معلوم في ظل هروب ولد عباس إلى الأمام. وبحسب أعضاء المكتب السياسي المقضين، فإن ولد عباس لم يقدم على قرار إبعادهم، إلا بعد أن تيقن من أنهم ضاقوا ذرعا بتهربه من عقد دورة اللجنة المركزية المؤجلة، التي يؤكد نظامها الداخلي على حتمية انعقادها مرة واحدة على الأقل في السنة، وهو الأمر الذي لم يحدث، فالرجل لم يدع إلى الدورة منذ تربّعه على عرش الأمانة العامة في 22 أكتوبر 2016. ويؤكد مراقبون لشؤون الحزب العتيد، أن ولد عباس لو يقرر الذهاب إلى عقد دورة اللجنة المركزية، سينتهي به المصير إلى ذلك الذي وقع لسلفه، عبد العزيز بلخادم في جانفي 2013، حيث انقاد لسحب الثقة، وهو الذي كان يعتقد أن الأمور محسومة لصالحه. أما ولد عباس فلا تبدو حاله أفضل من بلخادم، فأعضاء اللجنة المركزية الحاليون انتخبوا في المؤتمر العاشر الذي نسجه الأمين العام السابق، عمار سعداني، على مقاسه، كما أن هذا الأخير، وبحسب مطلعين لم يعد يحتمل ولد عباس، بسبب سعيه إلى تصفية تركته في الحزب، ولعل التسريبات التي تحدثت عن جمع سعداني التوقيعات المطلوبة لعقد دورة اللجنة المركزية "المهرية"، مؤشر على صدقية تلك التسريبات. عُضو المكتب السياسي السابق للأفلان، رشيد عساس ل "الشروق": ما أقدم عليه ولد عباس موقف وليس قرار وصف عضو المكتب السياسي السابق، رشيد عساس ما يعيشه الحزب العتيد ب "غير المقبول"، وانتقد الوضع الذي آل إليه الحزب من " تدهور وتعسف" لم يعرفه " الأفالان" منذ الاستقلال، وهو ما جعله يشدد على تضافر وتوحيد جهود المناضلين الغيورين على مسار حزب جبهة التحرير، من أجل إنقاذ ما يمكن إنقاذه قبل فوات الأوان. خرجتم ببيان يرفض الاعتراف بقرار إقصائكم من المكتب السياسي من قبل الأمين العام للحزب، جمال ولد عباس.. لماذا تأخر البيان إلى اليوم؟ تأخُّر البيان جاء لظروف وتوقيت صدور قرار الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني، وإن كنت لا أعتبر موضوع إقصائي "قرارا" وإنّما هو موقف اتخذه جمال ولد عباس، والذي كان مُفاجئا وصدر في شهر رمضان الكريم، وهو ما جعلنا نتريّث في إصدار بياننا، حيث عقدنا مشاورات واجتماعات مع الاخوة والأخوات المعنييّن بالموضوع وبقي الاجتماع مفتوحا، واستمرّت المشاورات إلى غاية 18 جوان تاريخ إصدار البيان. ما هي المؤاخذات السياسية والقانونية التي سجّلتموها على قرار إقصائكم من المكتب السياسي؟ أود أن أوضح، أن قرار فصل عضو من أعضاء المكتب السياسي للحزب، يتم عبر اللجنة المركزية لأنها هي من انتخبت أعضاء المكتب السياسي، وهي تنهي المهام باقتراح من الأمين العام للحزب. وللتوضيح أكثر، الأمين العام للحزب جمال ولد عباس وعند تقديمه حصيلة النشاط السياسي يقترح تعديل تشكيلة اللجنة السياسية المنتخبة من طرف اللجنة المركزية للحزب، وبالتالي فالأخيرة هي المخولة الوحيدة بإنهاء مهام أي عضو. أما ولد عباس فلا يملك أي صلاحية في إنهاء عضو أو أعضاء المكتب السياسي، إلا بانعقاد دورة اللجنة المركزية، وفي الإطار الذي ينص عليه القانون. ما هي الخطوات التي تعتزمون القيام بها لمواجهة القرار؟ على كل حال، البيان الأول الذي أصدرناه تكلم بالتفصيل عن ما أعتبره موقفا وليس قرارا. ومن جهة أخرى، أنا أستغرب تصريح الأمين العام للحزب جمال ولد عباس، والذي مفاده إنهاء مهام 15 عضوا بالمكتب السّياسي، وفي الواقع أنهيت مهام 12 عضوا فقط، فأين الثلاثة الآخرين؟ ولقد دعونا الأمين العام للحزب كما دعونا الهياكل القاعدية إلى عدم الاعتراف بهذا الإجراء، وكما أنّنا طلبنا من الأمين العام أن يلتزم ويستدعي دورة اللجنة المركزية بتاريخ 30 جوان المقبل، وهو التاريخ الذي تم الاتفاق عليه باجتماع المكتب السياسي المُوسّع بتاريخ 19 أفريل المنصرم، وفي حال لم يلتزم الأمين العام بالتاريخ المحدد، فستكون لنا كلمة أخرى. هل لديكم اتصالات مع الأجنحة المنتمية للحزب والتي ترفض الاعتراف بولد عباس أمينا عاما؟ مناضلو جبهة التحرير ومهما كانت خلافاتهم، فعندما تصلُ الأوضاع في جبهة التحرير إلى منتهى الخطورة، ولاسيما عندما ينتهك القانون الأساسي بهذا الشكل وبهذه الطريقة الفجة، ولما تُهمّش هيئات ومؤسسات الحزب، فهيئات الحزب الشرعية المتمثلة في اللجنة المركزية والمكتب السياسي ورئيس الحزب، فإذا انتهكت هذه الهيئات الشرعية، فالجميع مطالبون بتوحيد جهودهم، لغرض انقاذ الحزب من هذا التدهور، والذي لم يسبق له مثيل في تاريخ حزب جبهة التحرير الوطني منذ الاستقلال. وأؤكد وجود حراك وانشغال عميقين لدى كل مناضلي الحزب عبر الولايات تعدى مرحلة الإتصالات، وذلك بعدما وصلت درجة الخطورة بالحزب مستوى لا يمكن السكوت عنه. برأيكم، ما هي الخلفيات الحقيقية التي تقف خلف قرار ولد عباس بإقصائكم من المكتب السياسي؟ أعيد التذكير أن الموضوع ليس "قرارا " وإنما موقفا أو سمِّه أي شيء آخر إلا "قرارا" قابلا للتنفيذ، لأن ولد عباس لا يملك الصلاحيات في إنهاء مهامِّي، أمّا عن خلفيات إقصائي من المكتب السياسي، فهذا السؤال يوجه إلى الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني جمال ولد عباس، فهو الأدرى بالأمر. القيادي السيناتور بوزيد بدعيدة ل "الشروق": معارضة الأمين العام منتظرة.. والحزب يمرض ولا يموت يرى عضو مجلس الأمة عن حزب جبهة التحرير الوطني، السيناتور بوزيد بدعيدة، أن القرار الذي اتخذه جمال ولد عباس بالإعلان عن مكتب سياسي جديد، أنه من الطبيعي أن يخلف موجة غضب ضده، لكن لن يؤثر ذلك، برأيه، على استقرار الحزب وتماسكه، وقدر المتحدث أن القرار الذي اتخذه ولد عباس يعد شرعيا انطلاقا من الصلاحيات الممنوحة له من قبل النظام الداخلي للحزب، مشيرا إلى أن الشيء الأهم هو احترام لوائح الحزب والعمل على تجسيد استراتيجيته، كما قال. ما تعليقكم على البيان الذي وقعه أعضاء المكتب السياسي المقصين من قبل الأمين العام؟ في الحقيقة لا تعليق لي على هذا القرار.. لم نفهم سبب توقيع هذا البيان أو خلفياته لكننا ما زلنا ننتظر ما يخبئه المستقبل في قضية المكتب السياسي. المهم أن القرار قد اتخذ، وبالطبع فقرار اللجنة المركزية هو السيد وسيحتكم إليه الجميع عندما يحين وقته. يصف أعضاء المكتب السياسي الذين وقعوا على البيان قرار ولد عباس بغير الشرعي.. ماذا تقولون؟ لو نعود إلى لوائح الحزب من قانون أساسي ونظام الداخلي وكذا النظام الداخلي للجنة المركزية، نجد أن هذا الأخير يمنح صلاحيات واسعة للأمين العام للأفلان من بينها اقتراح أعضاء المكتب السياسي وعرضهم على اللجنة المركزية للمصادقة على المقترح بصفتها الجهة الوحيدة المخولة للبت في القرارات المفصلية التي تهم الحزب، وبالتالي أرى بأن قرار ولد عباس لم يحد عن النظام الداخلي الذي يسير عليه الحزب العتيد، فمن غير المعقول أن نعتبره قرارا غير شرعي والنظام الداخلي يجيز للأمين العام اقتراح مكتب سياسي إن رأى ضرورة لذلك أو فرضته ظروف معينة. موقعو البيان يطالبون بالاحتكام إلى اللجنة المركزية باعتبارها هي التي زكتهم.. لماذا يهرّب موعد انعقادها إلى أجل غير مسمى؟ لا أستطيع الإجابة، عن سبب تأجيل مواعيد انعقاد اللجنة المركزية للحزب وخلفيات ذلك، ربما يعود سبب عدم انعقادها إلى وجود مواعيد أخرى حالت دون ذلك أو ظروف معينة أجهلها، المهم نحن ننتظر انعقادها في الأسابيع القليلة المقبلة وقد يكون ذلك نهاية جوان أو شهر جويلية الداخل، المؤكد أن اللجنة المركزية ستلتئم وستنظر في مختلف القرارات التي تهم الحزب وتلك التي تعرض عليها. عدم حصول المكتب السياسي الجديد على تزكية اللجنة المركزية، ألا يجعل عملهم خارج قوانين الحزب؟ هذه أمور داخلية للحزب، وأعتقد أن الأمور تسير بشكل عادي، إلى حد الآن المكتب السياسي الجديد لم يتخذ أي قرار، وبعد انعقاد اللجنة المركزية أكيد ستكون هناك أمور أخرى، أعتقد أن اللجنة المركزية ستصادق على المكتب الجديد، وفي حال لم تصادق على ذلك أكيد ستكون هناك أمور أخرى، أود أن أضيف شيئا آخر.. تفضل.. أقول.. إن الأهم هو أننا كمناضلين، على يقين من أن الهدف الأسمى هو أن نتماشى مع استراتيجية الحزب في المستقبل والعمل وفق قوانين ولوائح الحزب والانضباط خلف أي مكتب سياسي كان، لا يهم من يكونون أعضاء فيه بقدر ما يهم السير على نفس النهج الذي سطره للحزب العتيد. قرار ولد عباس بإقصاء غالبية أعضاء المكتب السياسي، ألا يضيف له خصوما جددا قد يعقدون وضعيته؟ أكيد أن القرار الأخير الذي اتخذه الأمين العام سيخلف بعض المعارضة من الأعضاء المنتهية مهامهم، وبالتالي سيتسبب في بعض المشاكل ويظهر أشخاص ضد القرارات المتخذة وهذا أمر طبيعي في حالات من هذا القبيل، وهو ما من شأنه أن يؤثر نوعا ما على استقرار وانسجام الحزب في مرحلة ما، إلا أن الأمر المتعارف عليه هو أن الأفلان قد يشهد هزات مثلما حدث في مرات عديدة في السابق، لكنها لا تؤثر عليه باعتبار أن الجميع متفق على ضرورة احترام النظام الداخلي، والعمل على التحضير للاستحقاقات القادمة..