في أجواء روحانية رمضانيّة، ووسط حضور قوي لمختلف أطياف المجتمع بقلعة الولاية الرابعة التاريخية، من مجاهدين ودكاترة وطلبة علم وأئمة مساجد ومن عامّة الناس وخاصتهم، أبوا جميعهم إلاّ أن يحضروا حفل الشروق التكريمي وتقليد درعها للمجاهد الفقيه الشيخ لخضر الزاوي ، الرجل الذي نذر حياته لطلب العلم وتلقينه الناس إلى يوم هذا، حيث تهافت الحضور تباعا على قاعة الحفلات "بحّة الزتش" بوسط مدينة المديّة، والتي وضعت تحت التصرف إكراما للشيخ دون مقابل يذكر. وقد التقى الجمهور جماعات وفرادى، تبادلوا أطراف الحديث حول مبادرات "الشروق" في تكريم العلماء، قبل أن يدخل الشيخ الزاوي ويتزاحم الجميع على تقبيل رأسه وإلقاء السلام عليه، ثمّ يصعد منصة التكريم، وقتها سكن الجميع وأشربّت آذانهم وخشعت أبصارهم، وكأنّ على رؤوسهم الطّير، وبشغف كبير استمعوا إلى المتدخلين الذين توالوا على المنصة، للإدلاء بشهاداتهم في الشيخ واستعراض مسيرته العلمية والجهادية وكذا التعليمية، وجوانب خاصة في حياته، حيث ورغم اختصار الشهادات، إلاّ أنّها كانت ثرية ومميّزة، تناولت علم وخلق وسمت الشيخ لخضر الزاوي، الذي جمع بين الجدّ والدعابة والحزم والرحمة والرأفة بفقراء القوم وضعافهم وحبّه الشديد للوطن وأبنائه. وبعد الفراغ من شهادات من عايشوا الشيخ ورافقوه في مسيرته التعليمية أو الجهادية وكذا شهادات طلبته وقولهم الشعر في حقه، تفضل الشيخ لخضر الزاوي بكلمته المختصرة لفظا والكبيرة معنى، فبدأ بتعقيبه على ما قيل في حقّه قائلا "لقد بالغتم في مدحي وقولكم الخير في شخصي ولا أملك إلاّ أن أقول مثل ما قال أبو بكر رضي الله عنه حين مدحه الناس: "اللهم لا تؤاخذني بما يقولون واغفر لي ما لا يعلمون واجعلني خيرا مما يظنون"، كما أثنى على مؤسسة الشروق نظير حرصها على تكريم علماء الأمة ومشايخها ومصلحيها، داعيا المولى القدير أن يوّفق القائمين عليها لما فيه خير البلاد والعباد . وبعدها عاش المشاركون في الحفل لحظات لا تُنسى مع مراسيم توشيح الشيخ المجاهد لخضر الزاوي بدرع العلماء، الذي تسلّمه من ممثل مؤسسة الشروق، وسط أجواء عمّتها الفرحة والروحانية واختلجت فيها الأحاسيس اللطيفة، ليتهافت بعدها الحضور على أخذ صورة تذكارية مع الشيخ، وهو يحمل درع الشروق الذي تقلّده قبله ما يربو عن مائة علامة ومصلح في هذا الوطن الكبير كبر ما فيه من قامات وعلماء، وجب علينا ردّ الاعتبار لهم وشكرهم على ما قدّموه لهذا الوطن وأبنائه، وفي التغطية تلخيصا لما ورد من كلمات وتدخلات في مسيرة هذه القامة السامقة في العلم والجهاد. "لخضر الزاوي"..قصّة فقيه تحدّى الفقر والاستعمار (تلخيص: جمال مرسلي مدير مكتب الشيخ لخضر الزاوي) هو أبو محمد لخضر بن رابح الزاوي، ولد سنة 1931 م بقرية فلاحية تسمّى الحَوض، والتي تبعد عن مدينة المدية في الوسط الشمالي للجزائر بمسافة عشرين كيلومترا، حيث إنّها (القرية الفلاحية) تقع بالقرب من بلدية سي المحجوب إحدى بلديات ولاية المدية التابعة لدائرة وزرة . ومنذ الخامسة من عمره حرص والداه على تعليمه القرآن الكريم أين ذهب به والده إلى المدرسة القرآنية، وكانت المدرسة التي يعلم فيها القرآن في ذلك الوقت تسمى "الكُتّاب"، أين تعلّم الكتاب وتلقّن أحكام التلاوة على يد شيخه امحمد بن شهرة. روي أيضا عن والدته – فاطمة الزهراء – حرصها الشديد وإصرارها على تحفيظه كتاب الله وتعليمه العلم النافع، والذي بدا لهم في ذلك الوقت أن علوم الدين والقرآن والفقه هي من أرقى العلوم وأهمها، على أمل أن يصير ابنهم من حفظة القرآن الكريم . حفظ الشيخ القرآن الكريم في حدود السبع سنوات أي في عمر الثانية عشر عاما . وفي سنة 1949م حيث كان سن الشيخ لخضر الزاوي ثمانية عشر سنة خرج مع قريبه الصادق بن يخلف مع طلوع شمس يوم من أيام فصل الخريف سيرا على الأقدام وسط الجبال، قاصدين زاوية الهامل، قبل أن يستقرّ بهما المقام في زاوية الشّيخ سيدي عبد القادر بن مصطفى بالإدريسية، وهي تبعد عن الجلفة غربا بمائة كيلومتر. هناك انكبّ الشّيخ لخضر على طلب العلم في تلك الزاوية وتابع دروس الشيخ خليل من أوّلها، وكان شرح الدردير وحاشية الدسوقي هو المعتمد في التدريس، لما فيه من التسهيل والنور، وهو المعتمد في الفتوى. وتابع دروس ابن حمدون على ميارة، وجوهرة التوحيد، والأجرومية، والأربعين النووية. بدا بعدها لشيخ الزاوية -الشّيخ عبد القادر- أن يجيز الشّيخ لخضر الزّاوي لما رأى فيه من النجابة كما روي عنه ، فأذن له في التّسبيق وتعليم وتكوين الطّلبة، وأذن له بالإفتاء على المذاهب الأربعة، وأجازه إجازة علمية. فدامت دراسته بالزاوية 6 سنوات، وأذن له بالرجوع إلى بلده وقومه ليعلمهم الفقه والتوحيد، وكان ذلك سنة 1955م. بعد نحو ذلك من رجوعه، بدأ يدرّس القرآن الكريم ومبادئ الإسلام لطلبته وهم جماعة من الأطفال من "روس الغابة" بين سي المحجوب والمدية وذلك مع اتّفاق مع الأولياء لينتقل إليهم ويعلّم لهم أولادهم، مقابل إعطائه ما يمكنهم من غذاء وطعام. من محاريب العلم والفقه.. إلى معاقل الجهاد والثورة بقي الشيخ لخضر يدرّس في "روس الغابة" حتّى وصلت إليهم ثورة التحرير سنة 1956م، فعيّنه المجاهدون قاضيا ومفتيا، يفصل بين المتنازعين والمتخاصمين، ويحرّر لهم عقود الزّواج، حتى لا يلجأ الأهالي إلى المحتل الفرنسي، ومن قادة تلك المنطقة الشهيدان إمام الياس وسي امحمّد بوقرة. في سنة 1958م وصل خبر تولي الشيخ لخضر القضاء والإفتاء إلى الاحتلال الفرنسي، وكان الضابط المسؤول عن المنطقة "كاميل فنيو" والذي أصدر بيانا باعتقاله مع من معه من إخوانه المجاهدين . فأخذ الجيش الفرنسي يبحث عن الشيخ وعن اللّجنة التي كانت تعمل معه، فهرب لخضر الزاوي بأهله، ونجا من بطشهم بأعجوبة، بينما تمّ القبض على رفقائه وعذّبوا ثمّ قُتّلوا . رجع الشّيخ لخضر الزاوي مختفيا إلى زاوية زنينة (الإدريسية) الّتي درس فيها وتخرّج منها عند أهل زوجته آمنة، أين كان الشيخ عبد القادر قد كبر في السن وعجز عن إمامة المصلّين فقدّم الشيخ لخضر الزاوي للإمامة في الزاوية، وكان ذلك في سنة 1958م. بقي الشيخ لخضر في الإمامة إلى سنة 1963م، ثم عيّنته وزارة الأوقاف بعد الاستقلال إمامًا رسميًّا يفتي ويفصل في النّزاعات بين العروش على الأراضي المتنازع عليها، وكان قد زكاه الشيخ المفتي مصطفى فخار . وفي سنة 1973م طلب الشيخ لخضر من الوزارة الانتقال إلى المدية فقبل طلبه وعين بالمسجد الحنفي، وانتقل إلى المسجد المذكور، ثمّ إلى المسجد الجديد، ثمّ إلى مسجد وزرة، ثمّ إلى المسجد المالكي، وبقي فيه نحو عشر سنوات هناك، وكان له درس في كلّ ليلة يشرح فيه مختصر الشّيخ خليل، وكان الشيخ نصر الدين باشن من الطلبة الملازمين له في هذه الدروس. هؤلاء مشايخ الزاوي.. وهذه نشاطاته التعليمية في ربوع المديّة أما المشايخ والأساتذة الّذين التقى بهم الشيخ لخضر وسمع منهم بعد شيخه سيدي عبد القادر بن مصطفى الطاهري، الشّيخ عطية مسعودي مفتي الجلفة وضواحيها، والشّيخ عامر محفوظي بالجلفة، والشّيخ عبد القادر بن أبي زيد بن عيسى الشّطّي، والشّيخ بابا اعمر مفتي المالكية وإمام بالجامع الكبير بالجزائر العاصمة، وقد أجازه، وذلك سنة 1963، والشّيخ فضيل اسكندر مفتي الحنفية بالمدية، وقبل وفاته أوصى أهل المدية خيرا بالشيخ لخضر الزاوي، والشّيخ مصطفى فخّار مفتي المالكيّة بالمدية، والشّيخ أحمد حماني، والشّيخ الطّاهر آيت علجت. والنّشاطات التعليميّة التي كان يؤدّيها الشيخ لخضر كثيرة ومتنوّعة، منها: تدريسه لطلبة الزّاوية بعد أن أذن له الشّيخ في ذلك، ومنها: التعليم القرآني الحر، ومنها: تدريسه للأئمة بأمر من الشؤون الدينية. وبعد تقاعده اشتغل ولا زال يشتغل بتقديم الدروس للطلبة والأساتذة، والفتوى، والإصلاح بين المتخاصمين، وعقد القران بين الزّوجين، والإصلاح بينهما، ومساعدة الفقراء والمساكين: يجمع لهم الكفّارات والزكاة، ومشاورتهم له في الأمور الخاصة والعامة. ومن أهم مناقب الشيخ لخضر الزاوي: انفتاحه في الفتوى على المذاهب الأربعة، مستندا في ذلك على إجازة شيخه سيدي عبد القادر بن مصطفى الطاهري مول زنينة. عضو المكتب الوطني لجمعية العلماء قدور قرناش: " وجب طبْع فتاوى الشيخ الزاوي لصيانة المرجعية الفقهية" في بداية كلمته، شكر عضو المكتب الوطني بجمعية العلماء المسلمين الجزائريين قدور قرناش مؤسسة الشروق التي أظهرت هاته الشخصية التي أريد لها أن تحجب عن الجيل الجديد، قائلا "أريد لهذه الشخصية العلمية أن تحجب بالحجاب، والله عز وجل قيّض مجمّع الشروق مشكورا ليعرّف الجيل الجديد بمن هو فضيلة الشيخ لخضر الزاوي". وقال قرناش "نحن طالما تحدّثنا في هاته البلاد عن المرجعية الدينية، وعن المرجعية الفقهية، وعن حماية المرجعية، فإن كنا حقا نؤمن بضرورة صيانة المرجعية، فلنُظهر مثلَ هؤلاء، فلنهتم بمثل هؤلاء، وأقل ما يمكن فعله، فلنطبع فتاوى الشيخ لخضر الزاوي، التي هي فتاوى يحتاجها الأئمة في مساجدهم، في فتواهم للناس، الهيئات المعنية فلتطبع فتاوى الشيخ الزاوي ولتعممها على المساجد تعميما للفائدة، وفي ذلك صيانة للمرجعية الدينية، والمرجعية الفقهية". وأضاف المتحدث "الشيخ لخضر الزاوي هو أحد أقطاب المرجعية الدينية في الجزائر، فوجب الاهتمام بمثل هاته الشخصيات"، مؤكدا "لقد أحسن قادة الثورة المسلحة صنعا وعلى رأسهم العقيد سي امحمد بوقرة الذي كان من قادة المنطقة التي كان فيها الشيخ لخضر الزاوي، إذ رأوا أنّ من صيانة الثورة المسلحة وضرورة حمايتها أن لا ننساق في أي مسألة من المسائل إلى العدو الغاصب، فجعلوا الشيخ لخضر الزاوي مفتيا للثورة وللمنطقة". وشدّد قرناش "ما أحوجنا اليوم أكثر من تلك الأيام بأن نهتم بمرجعيتنا الدينية، والبلاد تحت الاحتلال يومها وكرّمت العلماء، واهتمت بالعلماء، ولنعد إلى سنة 1937م يوم أن أقام أهل قسنطينة احتفالهم الرائع تكريما للشيخ عبد الحميد بن باديس في ختم القرآن الكريم، فالأمة وإن كانت يومها تحت الاحتلال وأعطت الاعتبار لعلمائها، فكيف اليوم مثل هذه الشخصية". واغتنم ممثل جمعية العلماء الفرصة موجها النداء، سواء للقائمين على ولاية المدية من السلطات المحلية أو إلى القيادة العليا في البلاد، بأن يحظى الشيخ لخضر الزاوي بتسمية إحدى معالم الدولة الجزائرية باسمه ، إن هنا على مستوى ولاية المدية، أو على مستوى القطر الجزائري. أستاذ التعليم العالي البروفيسور محمد عبد النبي: العلماء أكبر من الانتماءات الحزبية لأنهم مراجع الأمّة تعليقا على تكريم الشيخ لخضر الزاوي، شدّد البروفيسور محمد عبد النبي، بخصوص الذين يتأسفون على عدم الاهتمام بمشايخنا أو على عدم الاهتمام بالمرجعية الجزائرية، بأن المرجعية الوجدانية موجودة، لكن المشكل في المرجعية الإعلامية المفقودة، وقال "نحن قد رأينا في العقود الأخيرة تقريبا كيف أن نجوما على شاشة التلفاز وعلى شاشة الفضائيات ليس لهم أدنى رصيد، الإعلام رفعهم، وجعل لهم صيتا على المستوى العالمي، وهم ليس لهم نصيب، لا في العلم الشرعي، ولا في الدعوة، ولا في كثير من الأمور"، وأوضح المتحدث في كلمته أنّ ذنب الشيخ لخضر أو المشايخ السابقين في أنّ هناك ظروفا كثيرة تظاهرت على عدم فاعلية مرجعيتهم، من بينها السنّ فهو له دور كبير، لا يمكن مثلا للشيخ لخضر في هذه السن أطال الله في عمره ومتّعه بالصحة والعافية أن يجاري طموحات أو احتياجات الشباب، لأنه ينبغي أن نقر، بما حدث في العقود الأخيرة، مع الانفجار المعلوماتي الموجود، ووسائل التواصل الحادثة والحديثة، التي كان لها الأثر الكبير في كثير من الوعي الحادث. وأكد "عبد النبي" أنه ينبغي أن ندعو إلى الاهتمام بهذه المرجعيات، فنحن نعاني من افتقاد مريع للمرجعية الفاعلة، متسائلا: هل هي إرادة عليا؟ هل هو إهمال؟ قبل أن يجيب: لسنا ندري، لكن الذي ندريه أنه في الجوار هناك مرجعيات فاعلة، وعلماء فاعلون، واهتمام رسمي بهؤلاء العلماء، عبر المدارس، عبر المساجد، عبر المواقع الالكترونية، عبر التكريم، عبر الاحتفاء. وشدّد المتحدث على أمر ينبغي أن نذكره، لأنه جزء من المرجعية، وهو عدم القدرة المادية الكافية للعالم، "حين لا يحس بأنه مرتاح على المستوى المادي، سيؤثر ذلك فيه أحببنا أم كرهنا، حتى من حيث الهندام، حتى من حيث الهيئة، سيؤثر فيه، العالم الذي ليس له سائق وليست له سيارة هذا يؤثر فيه، أحببنا أم كرهنا". ونبّه أستاذ الشريعة بالعاصمة على أنّ اجتهاد بعض هؤلاء الأعلام اجتهدوا في مسألة وطنية، سياسية أو حضارية، أخطأوا أو أصابوا، وكانت الجهات الرسمية على خلاف مع هذا الاجتهاد، لا يبرّر أن تقصى هذه المراجع باسم ذلك الخلاف، مشدّدا على أنه يجب التأسيس لتعامل حضاري مع النخب، حيث نُبعدها عن الاحتكاكات السياسية والحزبية اليومية، وينبغي هم أنفسهم، لأنهم يخاطبون الأمة، أن لا يتورطوا في الانتماءات الحزبية الضيّقة، وأن ينأوا بأنفسهم عن أن يحبسوها في أُطُر معيّنة، لأنهم هم أصلا هُيّئوا لأن يكونوا مراجع للأمة كلها. كلمة الدكتور إبراهيم شيخ التهامي: الشيخ يدفع من ماله كراء معهد لتدريس الطلبة! فضّل الدكتور إبراهيم شيخ التهامي أن يبدأ شهادته بشكر "الشروق" قائلا: "هذا التكريم لعلم من علماء الجزائر، شيء جميل قامت به هذه المؤسسة، وأنا أذكر مرة الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله لما كرموه في حياته تفاجأ فعقّب: أنا كنت أعرف أن العالم يكرم بعد موته، ولكن أنا كُرّمت في حياتي"، معلّقا "فلا ننتظر حتى يموت العالم ثم نكرمه، للأسف الشديد ذلك ما دأبنا عليه في السابق، بينما العالم من المفترض أن يكرّم في حياته، ويعطى هذه الأهمية، ويكرّم بكل شيء". وصرّح المتحدث أنّ الشيخ الزاوي همّش وأُبعد عن الساحة بسبب موقف من المواقف أخطأ أو أصاب فيه، هذا شيء سيحدده التاريخ، ولكن لا ينبغي بجرة قلم أن نبعد عالما عن الساحة ونحن محتاجون إليه، بينما نرى في الإعلام أشياء غريبة جدا، وكأن التوجه يقول لنا: إذا أردت أن تعيش حياتك، وأن تملك، وأن تكون لك الشهرة ينبغي أن لا تسلك هذا الطريق، طريق العلماء، وأضاف التهامي "لقد سمعتم عن حياة الشيخ الزاوي، وكيف قضاها طالبا ومدرّسا للعلم، إذا كان هذا الجهد كله لا يجد عليه تكريما من السلطات أو من أهله، فمن هو جدير إذن بالتكريم"، قبل أن ينبّه "ليس فقط السلطات هي التي تهمّش العلماء، هنا في الجزائر، ولكن حتى الشعب عندنا، لا يهتم بهؤلاء العلماء". وأكد المتدخل في شهادته "الشيخ الآن المفترض أن يكون له مسجدا، أن تكون له مدرسة يدرّس فيها، يعلّم، ولكن للأسف، إذا كانت السلطات لا تقدم هذا، أليس في استطاعة أهل البلد، وأهل الفضل وأهل الدين وأهل المال أن يفعلوا هذا؟، سمعنا أن المكان الذي يدرّس فيه الشيخ هو الذي يدفع أجرته، من أين للشيخ أن يدفع الأجرة؟ ولكن حرصه على العلم وبذله لطلبته هو الذي جعله يبذل ويضحي بماله من أجل هذا". وقال الدكتور التهامي "الشيخ له كتب، من المفترض أن يساعد على طبعها، من أين له أن يطبع كتبه أو مقالاته أو أي منتوج علمي؟ لا يستطيع؛ لأن العالم محدود القدرة". وأوضح المتحدث أنّ "مما يمتاز به الشيخ الزاوي أنه ليس مفتي الطبقة الفوق، هو مفتي العوام، مفتي الناس جميعا، ولذلك تجده في الجنائز، تجده في المجالس، مع الناس العاديين، وميزته أنه يسهّل الفتوى". قيادي "جمعية العلماء" التهامي مجوري: الشيخ الزاوي..رجل المصالحة الوطنية بامتياز وبدوره، قال عضو المكتب الوطني لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين التهامي ماجوري أنّ هنالك معلومة قد يغفل عنها الكثير، وهي مهمة في مسار الشيخ، في فترة العشرية الحمراء، الشيخ على كبر سنه، وجلالة قدره ابتلي بما ابتلي به شباب الحركة الإسلامية، واقتيد كما اقتيد غيره من الشباب، ولما عاد بعض الرشد لهذه البلاد وكانت المصالحة كان أيضا عنصرا فاعلا فيها، وقدّم ما يمليه عليه ضميره خدمة للعباد وحقنا للدماء، وخدمة للأمة". واغتنم المتحدث الفرصة ليؤكد أنّ "مدينة المدية حاضرة علمية، وجيلنا كان يعرف المدية كأنها قطعة من المشرق العربي"، موضحا "أنا بالنسبة إلي من جيل الحركة الإسلامية، جيل السبعينات، أعتبر أن طبقة الشيخ لخضر الزاوي توقّف عندها التعليم الشرعي، لأنّهم قد استصحبوا طريقتهم التي كانوا عليها أثناء الاستعمار، وهي مواصلة النشاط التعليمي والدعوي مهما ضيّقت السلطة، مهما ضيّقت الإدارة، هو والشيخ حسين سليماني، الذي كانت له مدرسة التي واصلت إلى غاية 1976م، أيضا المشايخ الفضيل اسكندر، الشيخ اسطنبولي، الشيخ فخار، هؤلاء من كبار العلماء الذين كنا نسمع عنهم، وكأننا نسمع عن مدينة من مدن سوريا، كدمشق أو حلب، وخاصة أن هذه المنطقة في حد ذاتها كنا لما نتكلم عنها نتكلم عن رائحة الخلافة، رائحة الأتراك، بكل أبعادها، لا نتكلم عن العنصر، أتكلم عن العادات، عن الطبائع، عن التعليم الشرعي، ولذلك كانت المدية من بين مدن قلائل التي يوجد فيها مفتيان، المذهب الحنفي والمذهب المالكي، في الجزائر كلها لم تبق هذه إلا في مدن قليلة جدا منها المدية والعاصمة، هذا دليل على أن هذه المنطقة حاضرة علميّة". ولذلك خاطب قيادي الجمعيّة الحضور " يا أهل المدية يجب عليكم ما لا يجب على غيركم، في الاهتمام بهذه القضية، وإحياء هذه السنة التي فُقدت في حياة المجتمع، بإعادة ما فقدناه ". كما فسّر "التهامي" افتقاد المرجعية الفاعلة في الجزائر بأمرين، أولهما أنّ: "الجزائر لم يكن فيها جامعة إسلامية، ولا كلية شرعية، إلا في الثمانينيات من القرن الماضي، أي بعد عشرين سنة من الاستقلال، بل إنّ وزارة الشؤون الدينية نفسها، يقول رابح بيطاط رحمه الله، لم يكن مقررا في أول حكومة بعد الاستقلال، حيث كان هناك وعد لشخصيتين لكي يكونا على رأس وزارة التربية، فوقعوا في مأزق، بعدما وعد مسؤول فلانا، ومسؤول آخر وعد ثانيا بنفس الوزارة، عندها تمّ استحداث وزارة الأوقاف، وأسندت إلى أحمد توفيق المدني خروجا من "الأزمة". وأضاف المتحدث أن عقليات إدارية بخلفيات حزبية ضيّقة منعت "جمعية العلماء" من العودة للنشاط لتقوم برسالتها بعد الاستقلال، لكننا الآن والحمد لله في سعة من أمرنا، حيث يمكن لأي شعبة أن تنشئ ناديا وتجمع فيه هذه الكوكبة من بقايا العلماء ويأخذون عنهم بالسند العالي، ويمكنها تأسيس المدارس، تأسيس المعاهد، مرافقة هؤلاء الشيوخ، هذه هي الأمور التي ينبغي أن نعيد الحرص عليها، ونعيدها إلى السكة". الدكتور عبد النور المهري: الزاوي..خليل المدية ومُفتيها على المذاهب الأربع وصف القيادي بجمعية العلماء المسلمين الجزائريين الشيخ لخضر الزاوي بأنه علم من أعلام المدية، يشهد له كثير من العلماء، كما نعته الشيخ مصطفى فخار رحمه الله: (هذا خليل المدية)، نسبة إلى الشيخ خليل رحمه الله. وأضاف المهري في شهادته أنّ الزاوي هو شيخنا وفقيهنا، وأبونا هنا في هاته الربوع، فهو المفتي في المذهب المالكي، وكما ذكر تلامذته، فهو يفتي على المذاهب الأربعة. وذكر المتحدث "أن الشيخ عبد الرحمن بن رقية (الديلمي) رحمه الله، حينما نذهب إليه في فتوى فيرشدنا دائما إلى من هو أعلم منه، يرشدنا إلى الشيخ عبد القادر بن مولود حفظه الله وشفاه، أو يوجهنا إلى الشيخ لخضر الزاوي، وحينما نذهب إلى الشيخ عبد القادر بن مولود لنسأله يسألنا: هل ذهبتم إلى الشيخ لخضر الزاوي؟ فإذا قلنا له: لم نذهب، يقول لنا: اذهبوا إليه واسمعوا منه أولا"، شاركا مجمع "الشروق" على هذه المبادرة الطيبة في هذا الشهر المبارك. مفتش العلوم الإسلامية محمد الأمين بوقلقال: "الزاوي" رجل ربّاني من بركات "الولاية الرابعة" كما قال الأستاذ محمد الأمين بوقلقال أنه "مِن مَنّ الله سبحانه وتعالى علينا أن حضرنا لقاء التكريم المبارك، ولا يسعني إلا أن أقدّم جزيل الشكر لمجمّع الشروق الذي أتاح لنا هذه الفرصة من أجل أن نجالس رجلا ربانيا أوجدته هذه الولاية المباركة، شيخنا الشيخ لخضر الزاوي، سائلين المولى سبحانه وتعالى أن يبارك له في عمره وفي علمه، وأن يجعلنا نلتمس هديه في هذا الطريق، وعلى كل حال أنا تقريبا أحد أبنائه، فأنا دائما رفيق له، أحضر مجالسه، أكون عونا له في سفره، إلى زاوية زنينة، في كثير من الأحيان، أنتفع ببركته وبعلمه وبدعائه، وبهذه المناسبة أشكره جزيل الشكر أن رآني أهلا لمرافقته، فجزاه الله عنا كل خير" أحد تلاميذه، بشير ولد بابا علي: "تعلمنا من الشيخ استنباط الأحكام الشرعيّة" من جهته، قال أستاذ مادة العلوم الإسلامية بالتعليم الثانوي الأستاذ بشير ولد بابا عمّي وهو يخاطب الحضور " إننا نكرم أنفسنا لا نكرم الشيخ، لأن وجود الشيخ بيننا يعلمنا ويربينا ونأخذ من سمته قبل علمه، هذا من فضل الله وبركته ومنّه على أهل المدية، وأهل الجزائر". واعتبر المتحدث أن الشيخ الزاوي هو ثمرة من ثمار المربّي الفاضل الطاهري مول زنينة، رحمه الله. وعن شرح مختصر سيدي خليل، قال "بابا عمي": كنت درستها في أدرار عدة مرات، لكن ما يميّز الشيخ في تدريسه لنا أنه ينقلنا من النظري إلى التطبيقي، حيث يعلمنا كيف نستخرج الحكم الشرعي من هذا الكتاب ثم كيف نسوغه، حتى يكون سهلا ميسّرا، ويكون نقلة للأمة بشرح سيدي خليل لإعادتها إلى الكتاب والسنة. نجل الشيخ.. أمين الزاوي: وساطة بوتفليقة والإبراهيمي أفرجت عن والدي من رقان وبدوره، شكر نجل الشيخ لخضر الزاوي الشابّ أمين مجمّع الشروق على الالتفاتة الطيّبة، بتكريم والده الذي يعدّ والدا لأبناء الولاية بكاملها. وقال "أمين" في شهادته أنّ أنّ كل الناس لا تعرف عن والده إلا الخير كما سمع الجميع، مضيفا " من وقت ثورة التحرير وهو في محن، مرت عليه المصائب تلو المصائب، حيث اعتقل قسرا في التسعينات، و أخذ إلى المعتقلات برقان جنوب البلاد، كاشفا أنّ " الإفراج عنه جاء بوساطة من عبد العزيز بوتفليقة وأحمد طالب الإبراهيمي، كونهما صديقان حميمان ويعرفان براءة ووطنية والدي وحبّة للجزائر"، وصرّح أن الرئيس الحالي أنصف والده بإعادة الاعتبار له كمجاهد، من خلال تسوية ملفّه الإداري والمالي. وكشف عن سرّ آخر في حياة والده، وهو أنّ الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، قبل أن يترشح للرئاسيات لأول في 1999، طلب من والده أنْ يصلّ له صلاة الاستخارة، ليستأنس برأيه الحكيم، وبالفعل قال له بعد ذلك: إن شاء الله يكون على يدك الأمن والسلم في البلاد، وكان الحال كذلك، على حدّ قوله. وأضاف المتحدث أن الشيخ الزاوي صعد قمم الجبال، مغامرا بحياته، من أجل مشروع المصالحة الوطنية مطلع الألفية، ليقنع بعض العناصر المسلحة بالعدول عن طريق العنف، ونقل لها ما بلغه من وعود وضمانات، لم يكن فيها سوى رسول أمين ما عليه إلا البلاغ. وعن البعد الإنساني في شخصية الوالد، أوضح المتحدث أنه " رغم فارق السن الكبير الذي بيني وبين والدي أحس بأنه صديق لي، وأخ لانفتاحه في التعامل والتوجيه ورفضه الوصاية التسلطيّة". قصيدة الشاعر عبد الحفيظ بورديم، نظمها بمناسبة اختتام العلامة لخضر الزاوي لشرح "مختصر خليل في الفقه المالكي" يوم الجمعة 14 ذي الحجة 1439ه : سرّ الجلال على المديّة يُنْثَرُ والتيطَرِيُّ به الشذى يتعّطّر يا أخت قرطبة بل أخت أنقرة منك الحضارة تبْتدي وتُصوّرُ يا خير من نصر الجزائر حرّةً ذكراكِ من عهد الأمير يُعمَّر والعلم في بلدي زكيٌّ نبعُهُ مسكا إذا صحب الخليلَ[1] الأخضرُ[2] عَلَمَان سِفْرُهُما موطّأ مالك عن نافع يروي الحديث ويَنشَرُ قمران من هدْيِ النّبوة مطلِعا يحدو بركبهما الكتاب الأنور ملآ طباق الأرض فقها سائغا لو كان في الأقوام من يتطهّر هذي الجموع توافدت ميمونة خبّ النجيب بها وجاد المنظر فتلألأت كالرّوض فاح نواره وتهلّلت باليُمْن فهْي تكبّر وتماثلت بعقولها محمودة فكأنّها الإحسان لا يتعثّّر وتعانقت بقلوبها مازيغة فكأنّها فتح يجيءُ ويَنْصُر وتصافحت بلسانها عربيّة فكأنّها نصرٌ يَبِينُ ويظْهَر وتقابلوا مستبشرين كدأبهم إسلامُهم زينٌ لهم وتبخْترُ يا أمّتي قدرٌ هُداك تطهّري إنّ الكتاب يناله المتطهّر يا أمّتي قدرٌ علاك تحرّري إنّ الصدورَ ينالها المتحرّر يا أيّها الشيخ الجليل تحيّتي إنّ القريضَ لسانُ حِبٍّ يشْكر الهوامش: [1]أي: مختصر خليل. [2] أي الشيخ لخضر الزاوي.