ما تزال تداعيات شحنة الكوكايين المحجوزة بميناء وهران تلقي بظلالها على المشهد، بالرغم من مرور أزيد من شهر عن الحادثة، فالإقالات ما تزال مستمرة، وقد استهدفت مسؤولين في العديد من القطاعات والمؤسسات، مؤكدة ما أشارت إليه الإشاعات والتسريبات. أحدث هذه الإقالات طالت قطاع الشرطة، وتمثلت في توقيع المدير العام للأمن الوطني، العقيد مصطفى لهبيري، على قرار إنهاء مهام رئيس أمن ولاية وهران، مراقب الشرطة، صالح نواصري، وتعيين الرقيب عبد المالك بومصباحي خليفة له. ولم يشر بيان الإقالة إلى خلفية هذا الإبعاد، وهو أمر اعتاد عليه صناع القرار في بيانات من هذا القبيل، غير أن المراقبين ربطوا إنهاء مهام المراقب نواصري، بالهزات الارتدادية لما بات يعرف بقضية "كمال البوشي"، التي أطاحت بالكثير من الرؤوس. وكانت تداعيات هذه القضية قد بدأت كما هو معلوم بالإطاحة بالمدير العام للأمن الوطني، اللواء عبد الغني هامل، في تطور فاجأ الكثير من المتابعين بالنظر لثقل الرجل وقربه من مصادر صناعة القرار، وذلك بعد التصريحات النارية التي أطلقها على الهواء، والتي قال فيها إن "من يحارب الفساد يتعين أن يكون نظيفا"، وهو التصريح الذي وصف ب"غير المقبول". وتعتبر إقالة رئيس أمن ولاية وهران، ثالث أثقل قرار يمس قطاع الشرطة، بعد تنحية الهامل طبعا باعتباره المسؤول الأول على هذا الجهاز، ثم قرار إنهاء مهام رئيس أمن العاصمة، مراقب الشرطة نور الدين براشدي، الذي يدير شؤون شرطة عاصمة البلاد، بما يتوفر عليه صاحب هذا المنصب من نفوذ كبير. ومعلوم أن ولاية وهران كانت مسرحا لقضية الكوكايين المحجوزة، وهو ما يضع مختلف المسؤولين فيها وعلى رأسهم المعنيين بمحاربة المخدرات والجريمة المنظمة، تحت ضغط شبهات التقصير في مواجهة هذه الآفة، لا سيما وأن شحنة الكوكايين المحجوزة تعتبر الأضخم من نوعها في تاريخ البلاد منذ الاستقلال. وإن كانت إقالة رئيس أمن وهران قد لفها الكثير من الغموض، كون القرار لم يتعرض إلى المبررات، إلا أن قرار إنهاء مهام الرئيس المدير العام للقرض الشعبي الوطني، عمر بوذياب، حمل بعض الإشارات، غير أنها لم تكن كافية لإزاحة الالتباس حول قرار جاء في وقت يطبعه الكثير من التساؤلات. فقد نسب بيان لوزارة المالية قرار تنحية الرجل الأول في القرض الشعبي، إلى الجمعية العامة للبنك، التي اجتمعت أول أمس الإثنين، والتي قررت إنهاء مهام بوذياب بعد أزيد من ثلاث سنوات من توليه هذا المنصب، وكلفت مجلس الإدارة بتطبيق القرار. ولم يشر البيان إلى وجود علاقة بين قرار إنهاء مهام بوذياب من على رأس القرض الشعبي، وما يعرف بقضية "كمال شيخي وإخوته"، التي تحولت إلى كرة ثلج تكبر من يوم لآخر، غير أن تزامنها وفترة التحقيق التي يخضع لها "الإخوة شيخي"، يدفع المراقبين إلى ربط هذه الإقالة بفروع هذه القضية المتشعبة. ويعتبر القرض الشعبي أحد أكبر البنوك العمومية، وهو يقوم بمنح قروض متوسطة وطويلة الأمد، للمتعاملين الصغار والكبار، الناشطين في مختلف القطاعات الاقتصادية (الحرف، السياحة، التعاونيات بمختلف أنواعها عدا الزراعية، والمياه والري، والتجارة، السكن والأشغال العمومية).