كلما عادت نتائج البكالوريا، ركزت وسائل الإعلام، عند قراءة الأرقام، على "تفوّق" الإناث على الذكور، وكذا عدد الراسبين، والحقيقة أن لكلّ جهة، الحقّ في قراءة الأرقام والنسب، من الزاوية التي تراها هي، فمثلا وزارة التربية، تركز على المعدلات العالية، والولايات الأولى، والنسب المحققة "منذ الاستقلال لأوّل مرّة"، بينما يفضل آخرون التركيز على السلبيات! عندما يفشل نحو 300 ألف مترشح في النجاح، فهذا دون شك وبلا تزييف، رقم مثير وخطير، ويجب التساؤل عما فعله آلاف الأساتذة، وكذا آلاف الأولياء، خلال المسار الدراسي، وأثناء السنة الثالثة ثانوي، حتى ينتظروا نتائج أحسن؟ كما ينبغي رسم علامات استفهام وتعجب أمام محلّ الوزارة من إعراب هذا الرقم المدهش والمثبط للعزائم! لكن ألا يمكن التفاؤل بنجاح نحو 400 ألف مترشح؟ وهل من الضروري تحصيل نسبة نجاح مائة بالمائة، حتى يُقال بأن الوزارة نجحت، وبأن الأساتذة يستحقون التكريم، وبأن الأولياء فعلوا ما كان يجب عليهم فعله؟ نعم، العبرة بالنتائج، لكن المثل الشعبي يقول "كمشة نحل ولا شواري ذبّان"، وفي هذا المقام لا يُمكن إخفاء المحاولات الفاشلة لضرب ما تبقى من مصداقية للبكالوريا من خلال إغراق الامتحانات في الغشّ والتسريبات والاستسهال في الحراسة، موازاة مع "شبهة" تسييس النتائج من خلال تدخل الوزارة لرفع نسبة النجاح والتظاهر بأن كلّ شيء على ما يرام! قرابة ال56 بالمائة، المعبّرة عن نسبة الناجحين في بكالوريا 2018، هي نسبة مشجعة ومقلقة في نفس الوقت، لأن المطلوب كان الوصول إلى نسبة أكبر وأهمّ، لكن هذا لا يعني بأن ال44 بالمائة المتبقية، والتي شكلت نسبة المتعثرين والراسبين، تدعو إلى إطلاق الأفراح والليالي الملاح، لأن عدد الفاشلين كبير وكبير جدا! المطلوب الآن، قبل الاهتمام بالفائزين، إعانة الراسبين، على تجاوز المحنة، وبطبيعة الحال ليس كلّ راسب، فاشل ولم يكدّ ولم يجتهد، فبينهم دون شكّ مجتهدين ومتفوقين ومثابرين، لكن لأسباب متعددّة، وبينها في كثير من الأحيان "الحظّ"، سقط هؤلاء "الضحايا"، وما عليهم إلاّ تكرار المحاولة السنة المقبلة، إمّا كمتمدرسين أو كأحرار، وصدق من قال "خيرها في غيرها"! لا يجب اختزال النجاح بالبكالوريا، فكم من تلميذ نجح فيها، لكنه شاب وشبّت عليه الشهادة، وظلّ لسنوات وهو صديق "الحيطان"، بلا عمل ولا هم يحزنون، وكم من راسب غادر أسوار المدرسة، لكن الله فتح عليه ببديل وفير، لكن هذا لا يعني بأيّ حال من الأحوال، التشجيع على التكاسل ومعاداة التعلم، فمن تعلم ووضع الشهادة في جيبه، كمن سلّح نفسه بذخيرة لا تفنى!