في عزّ الأزمة المالية والتقشف، وفي ظل استمرار "قائمة الممنوعات" من الاستيراد، تكشف أرقام رسمية أن الجزائريين، بعضهم أو أغلبهم أو كلهم، "كلاو" ما لا يقلّ عن 4 ملايير دولار من الدقيق والحليب واللحوم والقهوة والشاي والسكر والبقوليات، خلال 6 أشهر فقط، فهل هكذا يتمّ تشديد الأحزمة وربطها؟ تحليل هذه الملايير من الدولارات، تعطي الانطباع بأن الاستيراد لم يتوقف ولا هم يحزنون، وأن قائمة السلع التي تجاوزت ال800 مادة، لم تعد سوى قصة قديمة، طالما أن فاتورة الاستيراد عرفت تزايدا وليس تناقصا وانخفاضا، وهذا إن دلّ فإنما يدلّ على أن "التبذير" متواصل رغم محنة البترول، وتزامنا مع مواصلة عملية نسخ وطبع الأموال لسدّ العجز! استيراد الملايير من "المأكولات" التي بإمكان الجزائريين إنتاجها هنا بالجزائر، يجب أن يدفع إلى "القنطة"، أليس من العيب أن نستمرّ في استيراد الدقيق والحليب واللحوم والعدس واللوبيا والحمّص، وغيرها من المواد الغذائية التي من المفروض، أننا حققنا فيها الاكتفاء الذاتي؟ أليس من العار أن نضيّع الاستفادة من كباش أولاد جلال وتيارت، وقمح حقول البويرة وقالمة، وبطاطا عين الدفلى والوادي، وغيرها من المواد الواسعة الاستهلاك، ثمّ يتهافت المستوردون على حجز البواخر لإدخال الأطنان من "شبيهات" تلك السلع التي كان من الواجب تصديرها بدل استيرادها؟ يا ريت كان الاستيراد قانونيا وأخلاقيا، في جميع فصوله وأشواطه، فقد استورد البعض لحوما "جيفة"، واستورد آخرون بطاطا خنازير، وجاءنا البعض بحليب منتهي الصلاحية، وأغرق آخرون الأسواق ب"المايونيز" والأجبان "الفايحة"، ولم يستح الكثيرون من التركيز على استيراد "الخردة"، فهل هذا هو الاستيراد الذي تستحقه البلاد والعباد؟ عندما يصل الحال بالسفير الصيني مثلا، في وقت سابق، إلى فضح رجال مال وأعمال ومستثمرين ومستوردين سابقين، بالقول أنهم يطلبون من شركائهم ونظرائهم "الشناوة" تصنيع ما خفّ وزنه وقلّ ثمنه، فهنا يجب أن ندخل تحت التراب، لأن المشكلة فينا وليس في غيرنا! من الطبيعي أن نستورد ولا نصدّر، فالأراضي الفلاحية الناجية من النهب وعدم الاستغلال، أكلها "البيطون"، والمتيجة التي كانت توفر لنا سلاحنا الغذائي، تحوّلت إلى عمارات وبنايات غير مكتملة، والمستثمرات والمزارع أصبحت بلا غلة، والكثير من الفلاحين والموالين "نزحوا" إلى المدن بعد ما كرهوا من معيشة الأرياف الضنكى و"تمرميدة" العزلة!