شخصت المنظمة العالمية للجمارك الداء الذي ينخر جسد الجمارك الجزائرية من انعدام رؤية مستقبلية واضحة مرورا ببيروقراطية تقف حجر عثرة أمام أي إصلاح إلى جانب أعوان يتقاضون أجورا لا تسمن ولا تغني من جوع وتسيير أقل ما يقال عنه أنه لا يشجع الاستثمار الأجنبي ووصفت" الأومدي" الدواء لتحويل هذه المؤسسة إلى أداة فاعلة وفعالة في خدمة الاقتصاد الوطني مثل اقتراحها غلق ميناء الجزائر وتحويل نشاطه خارج العاصمة و تقليص عدد الأعوان المتواجدين على المستوى المركزي. بتحويلهم نحو المناطق الحدودية الفقيرة من ناحية الموارد البشرية والمادية بالإضافة إلى دفع الجمارك الجزائرية إلى بذل مجهود أكبر في محاربة المخدرات والرشوة أو البقشيش" مثلما جاء في تقرير هذه المنظمة. رغبة في التطوير تقابلها كتلة بيروقراطية تدافع عن الوضع الراهن جاء في تقرير أعده فريق من المنظمة العالمية للجمارك في الفترة ما بين 19 الى 29 مارس الماضي "أن هذه الإدارة تتصف بالازدواجية بين طرح المسؤولين حول ضرورة التغيير من أجل مواجهة تحديات العولمة وكتلة بيروقراطية تعمل للدفاع عن الوضع الراهن " ويقول التقرير أن" العقليات لم تسمح بعد بإقامة شراكة حقيقية بين المتعاملين الاقتصاديين والجمارك على الرغم من الخطب التي لا تعبر عن الواقع". ومن بين الأولويات التي يجب أن تسير خلفها إدارة الجمارك حسب ذات التقرير الذي تحصلنا على نسخة منه" ضرورة التوقف عن محاولة الرقابة الجمركية بنسبة 100 في المائة حيث أن هذا الإجراء يتنافى مع الأهداف المسطرة للجمارك وكذلك يتنافى مع هدف تسهيل المبادلات الدولية , مع ضرورة وضع تحت تصرف الجمارك والمتعاملين الشروط المادية التي تسمح بتسهيل سير البضائع وال"سلع. وفي هذا الإطار يركز التقرير على" ضرورة أن ينتقل ميناء الجزائر إلى خارج العاصمة وكذلك إنشاء قسم للميزانية والإحصائيات يعمل حسب المقاييس الدولية" وينصح التقرير بإعادة نشر أعوان الجمارك المتواجدين بنسبة تفوق الحاجة في الشمال وبالتحديد بالجزائر إلى المناطق الحدودية حيث تنقص الموارد البشرية خاصة في الجنوب بالإضافة إلى وضع تحت تصرف المسافرين والمهنيين والسياح معلومات حول قانون الجمارك ويمكن وضع هذه المعلومات في مكاتب أعوان الجمارك الذين نادرا ما تتوفر لديهم المعلومات الوافية عن المؤسسة التي يعملون بها". فعند وصول البواخر في ميناء الجزائر هناك نظام مراقبة 100 في المائة لمستعملي البواخر مشكلة من فرقة بحرية وفرقة لمراقبة المسافرين وثالثة متنقلة وأخرى للمراقبة وسادسة للتحقيقات والبحث. في الوقت الذي توجد فيه خمس رسوم جزافية 150,100,75,50,25 في المائة تطبق على قيمة البضائع بحسب قائمة وضعت في المادة 156 من قانون الجمارك, غير أنه لا يتم التعامل بهذا النظام لأن شبكة الإعلام الآلي تكون في كثير من الأحيان معطلة مما يتيح الفرصة لأعوان الجمارك بتطبيق نظام جمركة يتصرف فيه الجمركي كيفما يريد. كما يشير التقرير أن معدل جمركة البضائع على مستوى الموانئ يستغرق ما بين 2 إلى 6 أيام الأمر الذي يخلق بيروقراطية كبيرة موازاة مع غياب إجراءات خاصة بالمتعاملين الاقتصاديين. وأشار التقرير في هذا الصدد أن مواقيت العمل الرسمي لمكاتب الجمارك المتمثلة في من 8 إلى 12 والواحدة زوالا إلى الرابعة والنصف زوالا غير كافية للإسراع في عملية جمركة البضائع خاصة إذا علمنا أن غياب مفتشين يتكرر. وحسب الوثيقة نقلا عن المستوردين فانه لا يمكن جمركة البضائع بالوتيرة الأزمة إلا بعد دفع البقشيش كإجراءات متابعة. الرجوع في كل صغيرة وكبيرة إلى المديرية المركزية وتعاني إدارة الجمارك حسب هذا التقرير من مركزية القرار بحيث تسير من الفوق ليتم اللجوء إلى المديرية المركزية في كل كبيرة وصغيرة التي يشتغل بها 1008 عون من مجموع 13 ألف جمركي وهو ما يعني أن 9 في المائة من مجمل الموظفين في هذا السلك يعملون بالإدارة المركزية مما يشكل حسب التقرير عدم التجانس في المهام. وعدم توفر نصوص دقيقة تطبق على الجميع ومعروفة لدى الجميع تفتح الباب لتعدد التفسيرات واتخاذ قرارات متناقضة أكثر من ذلك قد تسهل الرشوة, ويشير التقرير أيضا إلى العزلة شبه التامة لإدارة الجمارك منذ عدة سنوات مع العالم المحيط بها من مؤسسات ومتعاملين اقتصاديين والسواح مما يؤثر سلبا على نشاط هذه الإدارة ويعقد سيرها الحسن وخير دليل على ذلك ميناء الجزائر الذي تصعب فيه ترقية النشاط التجاري والاقتصادي الدولي وما يثير انتباه المراقب الأجنبي هو انعدام هدف استراتيجي تسعى لتحقيقه إدارة الجمارك ويبدو أن المراقبة من اجل المراقبة أصبحت هي الهدف, فتحصيل الضرائب ليس الهدف الأساسي والوحيد بحيث يضمن النفط مداخيل تسمح للبلد للسير الحسن, ولا مكافحة الرشوة التي يمكن أن تكون عنصر تجتمع حوله إدارة الجمارك لا يشكل هذا الهدف أولوية بالنسبة لهذه الإدارة ولا مساعدة التجارة الدولية بل على العكس فقد اعتزلت إدارة الجمارك عن الشركاء الاقتصاديين حيث لا تأخذ بعين الاعتبار ما يطرحونه من انشغالات. ويقول التقرير في ملاحظة هامة جدا أن هذه الانحرافات وعدم وضوح الرؤية لا يشجع المؤسسات الأجنبية على الاستثمار في الجزائر وهو ما يعني أن الإدارة تبتعد عن الهدف المنشود وهو الاكتفاء بصادرات النفط و خلق مناصب شغل جديدة. دعوة لإنشاء جهاز وطني لمحاربة الغش الاقتصادي ودعا التقرير الذي جاء في 49 صفحة ضرورة خلق جهاز وطني للتحقيقات والاستعلامات يساعد على محاربة الغش الاقتصادي, وتفطن معدوا هذا التقرير إلى أن الجريدة الرسمية في عددها ل 28 أوت 2005 تحدثت عن خلق هيئة وطنية مكلفة بمحاربة التهريب دون أن يتجسد ذلك إلى غاية اليوم. أما فيما يخص الميزانية يوضح التقرير أنه كان من الصعب جدا الحصول على معلومات دقيقة والمؤكد أن جزء كبير من هذه الميزانية يذهب إلى نشاطات لا تدخل في صميم عمل إدارة الجمارك وعلى سبيل المثال يضيف التقرير فان وجود نشاط يتعلق بالبناء من مهندس إلى سباك يكلف غاليا الإدارة وتشير الوثيقة ذاتها إلى الحالة المتدهورة للعقار والعتاد في كل إدارة الجمارك بتفرعاتها باستثناء مطار هواري بومدين .وينصح التقرير بإجراء جرد كامل للعقارات وأملاك هذه الإدارة. أما فيما يخص تسيير الموارد البشرية فهناك مديرية تتكون من 40 شخص تركز على مستواهاا كل ما تعلق بهذا الاختصاص من توظيف وتنقيط, عطل, تحويل إلى غير ذلك وتساءل التقرير عن الكيفية التي تمكن 40 شخص أن تسير 13 ألف موظف. ويشير التقرير في النقطة المتعلقة برواتب موظفي إدارة الجمارك انقسامها إلى ثلاث مستويات الأول خاص بأعوان الرقابة الذين يتقاضون في بداية توظيفه 15692 دج و في نهاية مساره الوظيفي يتقاضى 19130 دج أما المستوى الثاني فيخص حسب التقرير مفتش أساسي فيبدأ ب 20820 دج لينتهي ب27981 دج أما المستوى الثالث خاص بالمدراء الجهويين والذين يتقاضون ما بين 49280 إلى 56133 دج. في ذات السياق يشير التقرير إلى عدم دقة المعلومات الخاصة بالعدد الإجمالي لموظفي الجمارك ففي الوقت الذي تقدم فيه مديرية الميزانية بتاريخ 31 ديسمبر 2005 رقم 13211 عون تقول مديرية الموارد البشرية أن رقمها هو 12646 جمركي وفي تقرير سري يصبح الرقم 12981 جمركي وترجع الوثيقة ذاته سبب التضارب في الأرقام إلى النمط المركزي في التسيير . وعن محاربة تهريب المخدرات لاحظ التقرير ضعف النتائج المسجلة بالمقارنة مع مصالح الدرك الوطني ومصالح أمن والشرطة فبالنسبة لسنة 2006 تمكنت مصالح الجمارك من حجز 3069 كغ من القنب الهندي في حين حجزت مصالح الدرك 4066 كغ و 38588 من الحبوب المهلوسة فيما حجز الأمن الوطني 2310 كغ من المخدرات و278386 حبة مهلوسة وأشار التقرير إلى أن الجمارك تحجز 80 في المائة تقريبا من المخدرات في البلدان المتقدمة بفضل تموقعها الاستراتيجي في الحدود وهذا غير موجود في الجزائر وعن محاربة التقليد الذي أصبح حسب التقرير نقلا عن الصحف الجزائرية خطير بعدما أحذ أشكالا عديدة ومس مختلف المواد حتى الاسمنت بات واضحا أن مصالح قمع الغش في إدارة الجمارك غير قادرة على مواجهة هذه الآفة وذلك بسبب غياب نصوص قانونية واضحة تمكن من القمع الحقيقي لهذه الآفة وإذا كان وضع إجراءات تجبر تقديم وثيقة المطابقة من طرف صالح وزارة التجارة فان ذلك خلق بيروقراطية أكثر من محاربته لظاهرة التقليد والغش. عزوز سعاد:[email protected]