صدم مشهد توافد أزيد من 10 آلاف شخص السبت، إلى ساحة رياض الفتح، لمشاركة المراهق “ريفكا” احتفاله بعيد ميلاده الأحزاب السياسية وجمعيات المجتمع المدني، العاجزة عن تجميع مئات المواطنين في ساحة أو قاعة للاستماع لخطبتها أو برنامجها المسطر. لبى آلاف الشباب دعوة أحد المراهقين المدعو “ريفكا”، والبالغ من العمر 21 سنة، لمشاركته عيد ميلاده، وقد وقع الاختيار على رياض الفتح كمقر للاحتفال، وقد توافدوا من مختلف ولايات الوطن على المكان في الموعد المحدد الثالثة بعد الزوال، وهو ما خلق حالة من الفوضى استلزمت تدخل رجال الأمن لتفريق المتجمعين. وهي سابقة من نوعها لم يقدر حتى السياسيين من حشد آلاف الشباب طواعية في خطبهم ولقاءاتهم. واعتمد المراهق على تطبيقي “سناب شات” و”أنستغرام” لدعوة أصدقائه الافتراضيين، وكانوا يطمحون في أن يكون الحفل الأول من نوعه في الجزائر كبيرا ويحظى بانتشار واسع، غير أن ما جرى لم يكن في الحسبان بعد ما استغل بعض الشباب فرصة التجمع للتحرش بالفتيات ومعاكستهن والسرقة، وهو ما أحدث شجارات أفسدت عيد الميلاد، ليظهر بعدها حاملا رسالة شكر لكل من لبوا دعوته ويعدهم بتنظيم احتفال آخر. وتظهر هذه الحادثة الدخيلة على المجتمع الجزائري وقد سبق مشاهدتها وتنظيم مماثلة لها في مختلف دول العالم، أهمية وقوة مواقع التواصل الاجتماعي كوسيلة للتأثير في الشباب وحشدهم وتغيير مواقفهم وآرائهم، وهو ما يغفل عليه السياسيون وجمعيات المجتمع المدني التي أفل بريقها وما عادت قادرة على التأثير في المواطنين أو توجيههم. من جهته، يرى المختص في العلوم السياسية، الأستاذ بن يزة يوسف، هذه الظاهرة الاتصالية بالجديدة في الجزائر رغم تغلغلها في مجتمعات الاستهلاك الواسع منذ عدة سنوات، وهي استخدام وسائط التواصل الاجتماعي من طرف عامة الناس والموهوبين منهم في مختلف المجالات في التواصل مع جمهور هذه الوسائط وبناء شعبية كبيرة تترجم عادة بعدد المشاهدات والإعجابات ومشاركة هذا المنتوج الاتصالي وغيرها من أدوات قياس مدى انتشار الصفحات الإلكترونية التي بلغت عند بعضهم مستويات قياسية، وتترجم حجم التأثير الكبير لهذه القيادات الشبانية الوليدة في الفضاء الإلكتروني في متابعيهم ومدى رواج أفكارهم المتناغمة عادة مع واقع هذه الفئات العمرية وانشغالاتها وتطلعاتها.. وأردف المختص بأن الأمر الذي يدعونا لمراجعة كل حساباتنا إزاء سلوك هذه الفئات الشبانية والأدوات المستخدمة لاحتوائها وتوجيهها، لأن ما حدث أول أمس في رياض الفتح كشف عن فجوة عميقة بين الأدوات التقليدية المستخدمة في التنشئة لاسيما في إمكانية الوصول إلى الجمهور والأدوات الحديثة المعتمدة على تقنية الصورة والصوت ولحظية التفاعل وترسخ مجموعة من القيم الجديدة، حيث استطاع الشاب ريفكا وغيره من اليوتيوبرز الاقتراب قدر الإمكان من هواجس هؤلاء الشباب ونقلها بطريقة مسلية جعلت الآلاف منهم يلبون دعوته لإحياء عيد ميلاده في خطوة غير مسبوقة ومفاجئة بكل المقاييس .. واعتبر المختص هذه الحادثة وسبقها فيديو “مانسوطيش” الذي زلزل كيان الطبقة السياسية عشية الانتخابات وهي تفتح أمامنا آفاقا رحبة لإعادة النظر مرة أخرى في استخداماتنا للتكنولوجيا والانتباه، خاصة إلى أثر صناع الرأي الإلكترونيين في الحياة العامة، خاصة عندما يتمكنون من نقل شعبيتهم من الواقع الافتراضي إلى الواقع المعيش، وهذه المهمة منوطة أكثر بالأحزاب السياسية وتكوينات المجتمع المدني التي تشتغل وفق آليات بالية عافها الزمن ولم تعد الأجيال الحالية تفهمها، حيث يضطر السياسيون إلى أساليب تعبوية قديمة لملء القاعات في تجمعاتهم الشعبية وفي العادة يفشلون في ذلك، بينما استطاع الشاب رفيق أو ريفكا أن يملأ أهم ساحة للتجمعات في عاصمة البلاد بمجرد دعوة بسيطة لإحياء حفلة عيد ميلاد، المشكلة في تقديري عميقة نوعا ما بسبب بدائية الأدوات الاتصالية المستخدمة من طرف الأحزاب السياسية وحتى السلطة التي مازالت تراهن على التلفزيون، بينما ينصرف قطاع كبير من القوى الحية للبلاد إلى العالم المخفي في شبكات التواصل الاجتماعي وهناك يبنون قيما خاصة بهم ويتحدثون بلغتهم الخاصة، ما يجعلهم يعيشون الاغتراب الحقيقي وتضيع قواهم وقدراتهم.. المطلوب إذن مخاطبة هؤلاء باللغة التي يفهمونها وفي معاقلهم على منصات التواصل الاجتماعي باستخدام الصوت والصورة والمؤثرات المرافقة لهما، فحتى الكتابة لم تعد تستهويهم.. فمن العبث الادعاء الآن بأن هذا الجيل تافه وليس له أي معنى، لأننا سنصبح نحن التافهين مستقبلا عندما يخرج الملايين من هؤلاء من قوقعتهم الالكترونية إلى الواقع ويفرضون واقعهم بكل تفاصيله..