لجنة تحقيق دولية : الكيان الصهيوني ارتكب أعمال إبادة جماعية ضد الفلسطينيين في سائر الأراضي المحتلة    البليدة: وزيرا الشباب واقتصاد المعرفة يشرفان على تكريم الفائزات في مسابقة "المقاولات الناجحات"    زين الدين بوشعالة وعدلان فرقاني يبدعان في سهرة فنية بأوبرا الجزائر    إذاعة الجزائر الدولية تحتفي باليوم الوطني للثقافة الفلسطينية    كتاب جديد للمؤلف الإسباني لويس بورتيو باسكوال يبرز فيه حق الشعب الصحراوي في تقرير المصير    جمعية الكونفدراليات الإفريقية للرياضات الأولمبية، هيئة في خدمة النخبة الرياضية الإفريقية    رئيس الجمهورية يهنئ حدادي بمناسبة تنصيبها ومباشرة مهامها كنائب رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي    الجزائر العاصمة: حجز 41 مليار سنتيم ومبالغ بالعملات الأجنبية    التجديد النصفي لعدد من أعضاء مجلس الأمة: قوجيل يترأس جلسة علنية مخصصة لعملية القرعة    اليوم الوطني لذوي الاحتياجات الخاصة: تنظيم معارض و توزيع تجهيزات بولايات شرق البلاد    كرة حديدية :انطلاق دورة العاصمة الرمضانية سهرة يوم الخميس    السيد حساني شريف يبرز أهمية تعزيز الوحدة الوطنية لمواجهة التحديات والحملات الحاقدة ضد الجزائر    مجلس الأمن الدولي: جلسة إحاطة بشأن الوضع في السودان    عدل 3: عملية تفعيل الحسابات وتحميل الملفات عبر المنصة الرقمية تسير بشكل جيد    كأس الجزائر: شباب بلوزداد يفوز على اتحاد الشاوية (4-2) ويواجه مولودية بجاية في ربع النهائي    جيجل: مصنع سحق البذور الزيتية بالطاهير سيكون جاهزا قبل مايو المقبل    وهران: مسرحية "خيط أحمر" تستحضر معاناة المرأة الجزائرية خلال فترة الاستعمار الفرنسي    فتح خطوط نقل استثنائية خاصة بالشهر الفضيل    جسر للتضامن ودعم العائلات المعوزة في ر مضان    الشباك الموحد يدرس إدراج شركة 'ايراد" في بورصة الجزائر    دراسة مشاريع قوانين وعروض تخص عدة قطاعات    توقيف 6 عناصر دعم للإرهابيين في عمليات متفرقة عبر الوطن    التين المجفف يقوي المناعة في شهر رمضان    فرنسا تحاول التستّر على جرائمها بالجزائر!    هكذا يتم إصدار الهوية الرقمية وهذه مجالات استخدامها    مصانع المياه تعبد الطريق لتوطين المشاريع الكبرى    تسويق أقلام الأنسولين المحلية قبل نهاية رمضان    الاتحاد الإفريقي يدين إعلان حكومة موازية في السودان    فتح 53 مطعم رحمة في الأسبوع الأول من رمضان    المواعيد الطبية في رمضان مؤجَّلة    مساع لاسترجاع العقارات والأملاك العمومية    تهجير الفلسطينيين من أرضهم مجرد خيال ووهم    سيناتور بوليفي يدعم الصحراويين    أيراد تطرق باب البورصة    التشويق والكوميديا في سياق درامي مثير    للتراث المحلي دور في تحقيق التنمية المستدامة    زَكِّ نفسك بهذه العبادة في رمضان    إدانة الحصار الصهيوني على وصول المساعدات إلى غزّة    محرز يعد أنصار الأهلي بالتتويج بدوري أبطال آسيا    تنافس ألماني وإيطالي على خدمات إبراهيم مازة    حراسة المرمى صداع في رأس بيتكوفيتش    وفد برلماني يشارك في المؤتمر العالمي للنساء البرلمانيات    مشاركة فرق نسوية لأوّل مرة    دعم علاقات التعاون مع كوت ديفوار في مجال الصحة    استعراض إجراءات رقمنة المكاتب العمومية للتوثيق    براف.. نحو عهدة جديدة لرفع تحديات عديدة    صادي في القاهرة    الجامعة تمكنت من إرساء بحث علمي مرتبط بخلق الثروة    ديوان الحج والعمرة يحذّر من المعلومات المغلوطة    أدعية لتقوية الإيمان في الشهر الفضيل    الفتوحات الإسلامية.. فتح الأندلس.. "الفردوس" المفقود    رمضان.. شهر التوبة والمصالحة مع الذات    ضرورة إنتاج المواد الأولية للأدوية للتقليل من الاستيراد    نزول الوحي    قريبا.. إنتاج المادة الأولية للباراسيتامول بالجزائر    معسكر : افتتاح الطبعة الأولى للتظاهرة التاريخية "ثائرات الجزائر"    مستشفى مصطفى باشا يتعزّز بمصالح جديدة    مجالس رمضانية في فضل الصيام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هكذا التحق هؤلاء ''الحراقة'' بالمقاومة العراقية
نشر في الشروق اليومي يوم 06 - 05 - 2007

كان إيدير.م طالبا جامعيا، ورياضيا ويشهد له جيرانه وزملاءه بحسن السيرة والخلق، لم يخبر أحدا من أفراد أسرته صباح 16 جانفي الماضي ولم يأخذ الطريق إلى معهد العلوم الإدارية والقانونية ببن عكنون، بعد أن قرر الإلتحاق بصفوف المقاومة العراقية، في نفس اليوم مع رفيقه وجاره طارق الذي تقول والدته "إنه ذهب لليبيا"، لم يكن أحدهما يشتكي من الفقر أو العوز، لم يكونا متعصبين، قبل أن يغادرا، قالا لرفقائهم: "سامحونا إن أخطأنا في حقكم"، وكانا كثير التردد على مساجد بالقبة وباش جراح وبوروبة، وتلقت عائلة (ق)، اتصالا هاتفيا من العراق.
‬يبلغها‮ فيه‮ شخص‮ باللهجة‮ العراقية‮ »‬أن‮ محمدا‮ استشهد‮«‬،‮ وقال‮ شقيقه‮ إنه‮ يشعر‮ بالفخر‮ بذلك،‮ وقبله‮ توفي‮ المدعو‮ ب‮. عمر،‮ في‮ نفس‮ الظروف،‮ وتلقت‮ عائلته‮ تعويضا‮ ماديا‮.
المعلومات المتوفرة لدى "الشروق" تفيد أن أكثر من 11 شابا على الأقل من مختلف المستويات، »إختفوا« في ظروف غامضة ببراقي، ولم يتصلوا منذ ذلك الحين بأحد أفراد عائلاتهم، ويرجح إلتحاقهم بصفوف المقاومة في العراق في غياب معلومات، هجروا دراستهم وتجارتهم وأموالهم، ورحلوا دون أن تظهر عليهم »أعراض« أو أن يكونوا تلقوا تدريبات، لكنهم يكونون تلقوا تمويلا للسفر من طرف شبكة تجنيد المقاتلين في العراق، يبدو أنها تنشط بشكل واسع في الضاحية الجنوبية للعاصمة، ولم تتمكن مصالح الأمن التي تشتغل على هذا الملف منذ أشهر من تحديد هوية عناصر‮ الشبكة‮ التي‮ قامت‮ بتجنيد‮ شباب‮ قبل‮ أسابيع‮ فقط‮ من‮ تفجيرات‮ 11‮ أفريل‮ الماضي‮..‬
عادت منطقة براقي، الواقعة على بعد 15 كم جنوب العاصمة، إلى واجهة الحديث عن الوضع الأمني، بعد تسجيل اختفاء العديد من الشباب في ظروف غامضة تزامنت مع الحديث عن تجنيد شبكات لمقاتلين في العراق لدعم صفوف المقاومة هناك، كان عددهم لا يتعدى في البداية ثلاثة أو أربعة، مستواهم الاجتماعي متوسط ومستواهم العلمي كذلك، لم يكونوا مرتبطين جدا بالفكر الديني بل كانوا أكثر تأثرا بالصور التي تتناقلها الفضائيات حول مقتل العديد من العراقيين في عمليات قصف أمريكية، وقضى بعضهم أكثر من سنة هناك في العراق، قبل أن يقرروا العودة إلى الجزائر فارين غالبا، حسب تصريحاتهم، عند سماعهم من طرف أجهزة الأمن، من العمليات الانتحارية والحرب الطائفية، ويقول مسؤول أمني متابع للملف ل»الشروق اليومي«، إنه يتم تصنيف العائدين من العراق إلى أشخاص غادروا إلى العراق من دون تنظيم »سعيا للجهاد والشهادة في سبيل الله ليعودوا أدراجهم خائبين«، يعودون بعدها لممارسة حياتهم بصفة عادية، وآخرون يتم تجنيدهم من طرف شبكات تستغل حماس الشباب والقومية العربية بعيدا عن النوازع الدينية، وهو ما يفسر تجنيد شباب لا علاقة لهم بالفكر الديني غالبا، وأغلبهم اكتسبوا خبرة قتالية في العراق حيث خضعوا للتدريب على صنع المتفجرات والعمليات الإنتحارية، والقتال، لتفرض أجهزة الأمن عليهم الرقابة اللصيقة، خاصة بعد مراهنة تنظيم الجماعة السلفية للدعوة والقتال الذي غيّر تسميته إلى »تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي«، على هذه الفئة لخبرتها. وعاد الحديث عن العائدين من العراق، بعد انفجار قنبلة تقليدية بمحيط ثكنة تابعة للجيش الوطني الشعبي، لم تخلف خسائر مادية وبشرية، لتعلن وزارة الداخلية في بيان لها، توقيف ثلاثة إرهابيين يشتبه في علاقتهم بالعملية بعد حجز 3 قنابل تقليدية بحوزتهم، وقالت مصادر »الشروق اليومي«، إن هؤلاء يقيمون بأحياء مختلفة ببراقي، وكانوا ينتمون لشبكة دعم وإسناد، واعترفوا أثناء التحقيق أنهم كانوا يقومون بنقل القنابل التقليدية عبر القطار من بومرداس إلى براقي، ودلّ والد أحدهم المحققين على ابنه المتورط، وتم العثور على هذه القنابل مخبّأة بإحكام، بضفاف وادي بن طلحة، ولم يتسنّ لنا التأكد من صحة هذه المعلومات، لكن مما تسرب من التحقيق مع الموقوفين، أنهم كانوا على علاقة بشبكة تجنيد المقاتلين في العراق، كانت في الواقع تستعمل ذلك غطاء لدعم صفوف تنظيم القاعدة الذي يواجه عجزا في تجنيد عناصر جديدة.
تجنيد‮ شباب‮ في‮ معقل‮ أمير‮ "الجيا‮"
الطريق كان إلى براقي، حيث وردت إلينا معلومات تفيد باختفاء شباب بشكل لافت مؤخرا، يتردد أنهم التحقوا بصفوف المقاومة قبل أشهر قليلة فقط، ليبقى السؤال: كيف أمكن لهؤلاء أن يعبروا الحدود في ظل تشديد الرقابة في الأشهر الأخيرة مما ترتب عنه توقيف العشرات من المترشحين الذين تحولوا إلى الحدود التونسية، بعد تضييق الخناق على الحدود السورية، وإحالة الموقوفين على العدالة. هل التحق هؤلاء فعلا بصفوف المقاومة العراقية وليس تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي بعد أن غرّر ببعضهم؟ من هم هؤلاء؟. »الشروق« تنقلت إلى أحيائهم في محاولة لجمع معلومات عنهم، وفّقنا نسبيا مع أقربائهم الذين أجمعوا على أنهم يجهلون كل الوقائع... الحي أعرفه جيدا، واكتشفت لماذا ارتعشت قدماي، وأنا أنزل من السيارة نحو فيلا، هنا كان يقيم الإرهابي فيقاس، أمير »الجيا« في منطقة براقي وكان وراء عمليات إجرامية عديدة قبل القضاء عليه بعد سنوات من الرعب، الزمن يعيد نفسه، لماذا تفرّخ هذه الأحياء كوادر »الجيا«، ونواة شبكات المقاومة في العراق... ووصلنا إلى هدفنا أخيرا بعد أن قطعنا طريقا مهترئا، قال لنا مرافقنا إن كل من يسلك هذه الطرقات شتاء هو »كاميكاز«، المصطلح الذي يتردد‮ بكثرة‮ مؤخرا‮.‬
"‬إيدير" لم‮ يتناول‮ فطور‮ الصباح‮ يوم‮ رحيله‮ وشاهد‮ فيلما‮ أجنبيا‮
م. إيدير، شاب في 24 من عمره، كان يدرس في السنة رابعة جامعي بمعهد الحقوق والعلوم الإدارية ببن عكنون، كان يحضر لشهادة ليسانس، ويحضر لامتحانات السداسي الأول، وكان لديه امتحان يوم غادر. صادفنا بعض شباب حيّه عند المدخل، ممن ترعرعوا معه وشبّوا معه، أجمعوا على أنه كان شابّا عاديا جدا مواظبا على الصلاة في المسجد، ولا يفوّت أي وقت، كان رياضيا لامعاً في كرة القدم التي يمارسها بجنون، أحد المقربين منه قال إنه كان عاديا جدا قبل أيام من اختفائه، »لكن لفت انتباهي أنه في الأيام الأخيرة، طلب منّا الصفح عنه إن أساء إلينا، إيدير لم يكن متعصبا أو متطرفا، لكن شعرت أنه مقدم على شيء ما، من خلال عبارات أشبه بالوداع«، سألته إن كان يتحدث مع أبناء حومته حول الحرب في العراق أو تنظيم القاعدة »كنا نشير إلى ذلك عندما تبلغنا أخبار مثيرة، لكني لم ألاحظ أي شىء لافت في كلام أو رد فعل إيدير، كنا نتحدث أكثر عن البالون (كرة القدم )«، واتفق رفقاءه الثلاثة على ذلك وأشاروا إلى أنه التحق بصفوف المقاومة العراقية. نسأل مجددا: كيف لكم أن تعلموا ذلك وهو لم يخبركم؟ ربما التحق بالقاعدة أو تم اختطافه؟ يرد صديقه وجاره بثقة: لا... لا... الكل يؤكد ذلك، ذهب للعراق‮. ويتدخل‮ آخر‮: في‮ الواقع‮ لا‮ نملك‮ معلومات‮ مؤكدة،‮ لكن‮ المؤشرات‮ تميل‮ إلى‮ ذلك،‮ ليس‮ الأول‮ على‮ كل‮ ولن‮ يكون‮ الأخير،‮ لكنه‮ رفض‮ الخوض‮ في‮ التفاصيل‮.‬
في فيلا جميلة، يقيم إيدير، والولد الثالث، من أسرة ميسورة وعريقة ببراقي، لديها تجارة، استقبلنا شقيقه وخاله وابن عمته، بعد الكشف عن هويتنا وعرض طبيعة مهمتنا، وأبدوا تعاونا كبيرا معنا، وحدثونا عن أدنى التفاصيل، لكنهم أكدوا أنهم يجهلون الوقائع والخلفيات، وحده إيدير‮ يملك‮ الحقيقة‮ والسر‮.‬ ويروي شقيقه الأكبر منه، وقائع ذلك اليوم عندما عاد من الشارع بعد صلاة المغرب، تناول العشاء وجلس رفقة شقيقه وأقاربه في غرفة مخصصة عادة كقاعة تلفزيون لمتابعة المقابلات الرياضية في جو حميمي رجالي، إطلعنا عليها، »كنا نتابع فيلما أجنبيا في قناة أم.بي.سي، والمثير أن إيدير كان يعرف أغلب الممثلين من رجال ونساء لكنه كان ميّالا لكرة القدم، وهم من أشد مناصري فريق برشلونة الإسباني، ومن طبعه أن يطالب خلال المتابعة، بالعصير والحلويات وكان له ذلك، قبل أن يصعد لغرفته للنوم، وكعادته إستيقظ صباحا وذهبنا لأداء صلاة الفجر كالعادة في المسجد، كان هو رفقة صديقه (طارق الذي اختفى معه في نفس اليوم)، الذي لوّح لي بيده، عدت إلى البيت لأتناول فطور الصباح وبعدها التحقت بعملي بالقبة«، وواصل قائلا، أنه بعد مرور الساعة السادسة مساء، بدأ القلق ينتاب والدته من تأخره على غير عادته، ومضت الساعات ولم يعد إيدير، وانطلق أفراد عائلته في البحث عنه لدى أصدقائه دون أن يفيدهم أحدهم بمعلومات إلى غاية الساعة الواحدة بعد منتصف الليل، حينها أدركوا أن شيئا ما وقع له، وعند تفتيش خزانته لاحظت والدته أنه حمل معه سراويل وبعض القمصان ومعطفا، وتجهل لحد الآن كيف قام بذلك، لكنها تذكر أنه تلك الصبيحة، لم يعد من المسجد كعادته لتناول القهوة مع الحلوى، ويتدخل هنا قريبه ليشير أنه كان فتى جد مدلل ولم يكن يتناول أبدا فطور الصباح دون كعكة، ولم يكن من النوع الذي يتناول قهوة الصباح في المقاهي بل كان مواظبا على الصلاة وشرب القهوة في البيت، لكنه ذلك اليوم لم يفعل ولم يعد، هل أراد إيدير أن يتفادى لحظة الوداع وهو صغير أمه؟ شقيقه يكشف أيضا أنه قام بانتزاع الصور الموجودة على بطاقاته الجامعية، وأخذ معه أيضا بطاقة التعريف وجواز سفره الذي أعده مؤخرا، وكان خاله فقط على علم بذلك »أبلغني أنه يريده السفر مع أفواج الكشافة« ويشير شقيقه »أنه هو من كان يصرف عليه، ويمنحه مصروف الجيب ويتكفل بمصاريف تنقله إلى الجامعة، لم يثر أبدا شكوكي، كانت تصرفاته عادية ولي علم بتحركاته، لم يكن يسهر أبدا في الخارج ليلا، ولا يتأخر وهوايته كانت ممارسة كرة القدم، صحيح كان مواظبا على الصلاة في المسجد، لكن كل أهل المنطقة يعرفوننا ولو لاحظوا شيئا غريبا لكانوا أبلغونا، أخي لم يرتدي أبدا قميصا أو حمل لحية، كان يرتدي كثيرا البذل الرياضية وسراويل شبابية... لا أدري شيئا عن قراره«. المعلومات المتوفرة لدى »الشروق« تفيد أنه كان وبعض رفقائه كثيري التردد على مسجد الوفاء بالعهد بحي لابروفال بالقبة، ننقل ذلك لشقيقه، وهو ما يؤكده، إضافة إلى تردده على مساجد بحي باش جراح »صحيح، كان يذهب إلى هناك خلال شهر رمضان الماضي، لأداء صلاة العشاء، لكنه يشدد على أنه لم يغب عن البيت لو فعل ذلك لأقنعت نفسي اليوم بأنه كان يتدرب أو شيئا من هذا القبيل. في عطلة الصيف كان يتنقل إلى أزفون عند جدنا، ونحن من كنّا نعطيه المال، أذكر فقط أنه قضى أسبوعا فقط مخيِّما مع أصدقائه«، لكن قريبه يتدخل موضحا مرة أخرى »يجب البحث في التغيير المفاجئ الذي يقع للإنسان ويتخذ بموجبه قرارا بعد أن يحدد هدفا ويكون قد تلقى تعليمات بعد الكشف لأحد عن مشروعه حتى لا يفشل الهدف«، مؤكدا أن إيدير لم يكن يملك مالاً ولم يأخذ معه مالاً، والمعلومات المتوفرة لدى عائلته تفيد أنه غادر أرض الوطن إلى الخارج دون تفاصيل أخرى في محاولة للتأكيد أنه لم يلتحق بتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، »لكنه يكون قد تم تمويله للسفر إلى الخارج« ويشدد على أنه ليس من النوع الذي يهاجر إلى أوربا، ويبقى رحيله لغزا ولم تتلق عائلته أي اتصال من طرفه أو مقربيه لتوضيح وضعيته وهو لم يفعل »لم يكن ينقصه شيء ولم يكن يعاني من‮ أية‮ مشكلة‮« والدته‮ تمر‮ اليوم‮ بظروف‮ صعبة‮.‬
عائلة‮ طارق‮ تؤكد‮ أنه‮ غادر‮ إلى‮ ليبيا‮... لكن‮
على بعد أمتار فقط، ومقابل مسكن إيدير، يقيم طارق.ر، الذي يعد من أترابه، وهو تاجر، اختفى في نفس اليوم معه، بعد أدائهما معا صلاة الفجر في المسجد، إنقطع عن الدراسة في السنة التاسعة أساسي، كان شابا »زهوانيا« قبل أن يستقيم في الأشهر الأخيرة ويواظب على المسجد والصلوات، هو أصغر إخوته، أكبرهم سافر للدراسة في المملكة العربية السعودية، لكن يتردد أنه سافر للقتال في العراق قبل أن يلتحق به طارق، تحدثنا إلى والدته وشقيقته، نفت الأم ما يشاع عن صغيرها نسألها: لكنه اختفى في ظروف غامضة والمعلومات المتوفرة لدينا تفيد أنه أبلغ عائلته يومها أنه سيقضي الليل عند خاله، لكن تبيّن أنه كذب عليهم. وباشر شقيقه مراد البحث عنه بعد أن خلف وراءه بطاقة تعريفه فقط وأخذ معه رخصة سياقته، لكن الأم تنفي وتؤكد أن ابنها البكر يتواجد في السعودية للدراسة وقد بثت الفضائيات صوره وهو يؤدي صلاة عيد الفطر في مسجد المدينة »حتى أقاربنا تابعوا ذلك«. وأضافت، أنه يتصل بها باستمرار هاتفيا، ويضحك عندما أنقل له ما يقال عنه هنا. ألح عليها بالسؤال عن طارق الذي اختفى منتصف شهر جانفي، أرهقها بالسؤال لتجيب »أنه سافر إلى ليبيا، وقلنا للشرطة هذا الكلام، وشقيقه أكد أنه هو من منحه المال للسفر«. ويتناقض تصريحها مع الروايات المتطابقة التي جمعناها من سكان الحي حول عملية البحث التي قام بها شقيقه الذي تقول الوالدة إنه دفع تكاليف السفر لليبيا، كما أن طارق ينتمي لأسرة ميسورة ولم يكن حسبما لاحظنا بحاجة للسفر إلى ليبيا للعمل... طارق يقيم في بيت أرضي أشبه بحوش أو كما يعرف ب»دار عرب«، وتملك عائلته متاجر، تتوسطه ساحة كبيرة وإذا سلمنا بتصريح والدته بأن شقيقه هو »الذي مول سفره إلى ليبيا«، لماذا قام بعدها بالبحث عنه وسط رفقائه الذين أكدوا لنا ذلك، بعد أن أيقن أنه كذب عليه ولم يقض الليل عند خاله أو أحد من أقاربه. قلت للوالدة، إنني في الواقع سعيدة لعدم سفره للعراق لأن العودة غير مضمونة لشاب تبدو الحياة أمامه طويلة وجميلة، ويكفي أنه جزائري »كرهنا الموت الذي يلاحقنا كأنه القدر منذ سنوات«، رمقتني بنظرات غريبة، قبل أن أرى في عينيها بريق دموع وهي التي‮ أرادت‮ أن‮ تكون‮ صامدة‮ وثابتة،‮ تعطي‮ الانطباع‮ أنها‮ تخفي‮ شيئا‮ ثقيلا،‮ لتتدخل‮ شقيقته‮ بالقول‮ »‬ماكاين‮ والو،‮ خويا‮ لاباس‮ عليه‮« لتدارك‮ الوضع‮ ربما‮...‬
إتصال‮ هاتفي‮ من‮ العراق‮ يبلغ‮ عائلة‮ محمد‮.‬ق‮ أنه‮ أستشهد‮ وكان‮ مرفوقا‮ ب‮"الله‮ أكبر‮"
في نفس الحومة تقريبا، وعلى بعد أمتار فقط، يقيم الشاب محمد.ق، 22 عاما، هو اليوم لم يعد بين أهله إلى الأبد، بعد أن غادر إلى العراق منذ عام، دخلنا محل حلاقة الرجال الذي يملكه شقيقه، الذي استقبلنا مساء الجمعة، رغم أن المحل كان يعج بالزبائن، خرج إلينا حاملا مشطا ومقصا، عرضنا عليه الموضوع ليشير أنه »مات في العراق« ولم يتردد في تلبية طلبنا بالحديث عن التفاصيل. وضع محمد لا يختلف عن طارق وإيدير على الصعيد الاجتماعي، فعائلته ميسورة الحال، وكان يعمل لدى أحد الخواص في مجال إنجاز الأرائك، كان لديه راتبه وحياته الخاصة، لكن شقيقه يؤكد أن سلوك محمد ليس غريبا »منذ صغره كان مندفعا وحماسيا، شقيقي يحب الجهاد، والمقاومة العراقية وفلسطين جاءته الفرصة فلم يفوتها«، ليؤكد جهل أفراد عائلته بمشروعه واكتشفت ذات صباح أنه »عطاها« (هاجر) وكل شيء كان يشير إلى أنه غادر إلى العراق. بعد مرور سنة، يتلقى شقيقه اتصالا هاتفيا من الخارج: ألو، نحن مقاومين من العراق، أنت شقيق محمد.ق، لقد أستشهد، ورافق الاتصال تكبيرات وقراءة آيات قرآنية. الأخ لم يصدق، يعترف أنه ارتبك وشعر بالتوتر، لهجة المتحدث كانت عراقية، ولا يمكن لأحد أن يعرف رقم هاتفه الخلوي، بعد ربع ساعة، يعاود نفس الشخص الاتصال، ويعيد نفس العبارة ويكرر الخبر، قبل أن يقطع الخط، كان ذلك خلال عيد الأضحى الماضي، يتنقل بعدها إلى مركز الشرطة مرفوقا بهاتفه النقال وعليه رقم الهاتف الغريب »وتأكدنا أنه من العراق«، لم تقم له جنازة أو عزاء، لكن رفقاءه يدركون أنه أستشهد، شقيقه يقول إنه يشعر بالفخر »كان هذا هدفه، شقيقي ليس إرهابيا اغتال جزائريين بل كان يؤمن بقضية عربية«، لكنه يجهل ظروف مقتله، ويفخر أولاد حومته بابتكار سيناريوهات منها قيامه بعملية انتحارية ضد دورية أمريكية، ويقول آخرون إنه دخل مسكنا كان مفخخا وانفجرت عليه قنبلة ويتفق هؤلاء »أنه كاين داير حالة في العراق«، ويتدخل شاب كان يحمل قهوة ويدخن سيجارة رماها على الأرض »أختي، صور إعدام صدام كانت صدمة للجميع، أنا العجوز بكت ورفضت الاحتفال بالأضحية، هذا ما دفع بالعديد من الشباب للالتحاق بالمقاومة، رانا مسلمين وعرب‮«‬،‮ سألته‮ لماذا‮ لم‮ يلتحق‮ هو‮ بصفوف‮ المقاومة‮ ليؤكد‮ أنه‮ معيل‮ عائلة‮ ووالدته‮ مريضة‮ »‬لو‮ لم‮ أكن‮ متزوجا‮ ولديّ‮ طفلة‮ لكنت‮ غادرت‮ منذ‮ زمن‮«.
في هذا الحي أيضا، تلقت عائلة »ز« وهو طالب جامعي أيضا خبر استشهاد ابنها الذي كان من الأوائل الذين التحقوا بصفوف المقاومة العراقية، صبيحة عيد الأضحى أيضا، لم نوفق في الحصول على معلومات، واللافت أن عائلة (ب. عمر) تلقت الخبر في نفس اليوم أيضا عن طريق جزائري، رافقه‮ إلى‮ العراق،‮ اتصل‮ بوالده‮ لإبلاغه،‮ وهي‮ مؤشرات‮ على‮ تكثيف‮ العمليات‮ الانتحارية‮ »‬انتقاما‮« لإعدام‮ الرئيس‮ العراقي‮ صدام‮ حسين‮ فجر‮ عيد‮ الأضحى،‮ وكان‮ أغلب‮ المنفذين‮ على‮ ما‮ يبدو‮ من‮ الجزائريين‮...‬
التجنيد‮ يتم‮ في‮ المخيمات‮ الصيفية‮
لا تملك العائلات أدنى معلومات عن ظروف رحيل أبنائها، محيطهم لم يلاحظ أية تغيرات ولم يكن هناك ما يثير الشبهات، كانوا فعلا عاديين ويكونون قد نفذوا التعليمات التي يكونون قد تلقوها من شبكات التجنيد. إيدير، لم يكن يملك مالاً للسفر، ولم يرحل هكذا بل مع رفيقه مما يكشف أن العملية كانت منظمة ومخطط لها، وتم تمويلها، لم يكن أحد من المجندين الذين بحثنا في حياتهم، يتردد على نوادي الأنترنيت أو كان ملتزما جدا، كانوا يمارسون حياة عادية وطبيعية غير متطرفة، فقط كانوا يترددون على مساجد معينة لأهداف ربما معينة بعيدا عن أعين تعرفهم وتراقبهم في حيّهم، لكن في فترات محددة، لكن المعلومات المتوفرة لدى »الشروق«، لا تستبعد أن تكون شبكات تجنيد المقاتلين في العراق تلجأ إلى المخيمات الصيفية التي يكثر فيها تجمع الشبان »الملتزمين« غالبا، حيث قضى هؤلاء أسبوعا و10 أيام في مخيمات الصائفة الماضية، لم يسربوا أية أسرار أو معلومات، وكانوا أوفياء للثقة التي وضعت فيهم، كانوا يتغلغلون وسط رفقائهم دون أن يثيروا شكوكا، لم تطرأ على سلوكاتهم تغيرات، لكن رغم الحرب التي تقودها أجهزة الأمن لتفكيك شبكات التجنيد، إلا أن نشاطها لايزال متواصلا، تستهدف اليوم فئة من الجامعيين والواعين والمثقفين دينيا، الذين يقيمون في أحياء شعبية بعضها يعد أحد أبرز معاقل التنظيمات المسلحة مثل »الجيا«، لكن بعض التحقيقات أشارت إلى أن هذه الشبكات كانت تحول المجندين إلى معاقل »القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي«، ليتم توريطهم بعدها ولا تكون‮ العراق‮ وجهة‮ هؤلاء‮ بل‮ بومرداس‮ ومعاقل‮ الإرهاب‮...‬
تحقيق‮: نائلة‮. ب‮


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.