بدأ الاقتناع بجدوى البحث عن مرشح توافقي للانتخابات الرئاسية المقبلة وما يمكن أن يترتب عن ذلك من إمكانية تأجيل هذا الاستحقاق، يقتحم فضاءات جديدة في الساحة السياسية، في مشهد ينبئ بوجود شيء ما يحضّر خلف الأبواب المغلقة. وبعدما كان هذا المطلب مصدره بعض الأصوات من هنا وهناك سبق وأن تم تجاهلها بل ورفضها من قبل السلطة ومحيطها (معسكر الموالاة)، عاد المطلب هذه الأيام بقوة إلى الساحة، والغريب أنه عاد مطروحا من قبل محيط السلطة والمعارضة معا. فهل بات هذا المطلب أكثر مشروعية وقبولا من ذي قبل؟ في آخر ندوة صحفية عقدها رئيس حركة مجتمع السلم، عبد الرزاق مقري، قال إن "الهدف الأول من مطالبتنا بتأجيل الانتخابات الرئاسية هو الخروج بحل وتحقيق المصلحة العامة"، فيما برر مطلبه هذا ب"المصلحة العليا للبلاد"، كما قال. وقبل ذلك، فاجأ رئيس تجمع أمل الجزائر "تاج"، عمار غول، ب"خرجة" غير معهودة، عندما دعا إلى ندوة وطنية أملا في الوصول إلى "إجماع وطني حول القضايا والتحديات الوطنية والدولية التي تهم الجزائر"، وفهم كل من سمع كلام وزير الأشغال العمومية الأسبق، بأنه يقصد الانتخابات الرئاسية المقبلة، ولعل خوض غول في مبادرة كان قد سبقه إليها مقري، هو الذي دفع هذا الأخير إلى تنظيم ندوة صحفية الجمعة الأخير، من أجل إعادة تسويق مشروعه السياسي، والحفاظ عليه ك"علامة مسجلة" باسم "حمس"، تحسبا لتموقعات مقبلة. وحتى جبهة القوى الاشتراكية عادت مطلع هذا الأسبوع لتتحدث مجددا عن مبادرتها القديمة التي أطلقتها بالموازاة مع "ندوة مزفران"، مبادرة "الإجماع الوطني"، التي لم تلق التجاوب المأمول من قبل شركائها في السلطة والمعارضة، حيث ترى أن حل الأزمة السياسية التي تعصف بالبلاد لا يمكن أن يحصل إلا من خلال عقد ندوة وطنية. يحدث كل هذا في الوقت الذي أعلن معسكر الموالاة استعداده لدراسة المسعى الذي أطلقه عمار غول، وفق ما رشح من اجتماع قياداته الذي انعقد أمس الأحد، وهو تطور لافت بالنظر للمواقف التي عبر عنها بعض رموز هذا المعسكر، عندما سئلوا سويعات بعد إطلاق غول مبادرة، حيث تحدثوا عن استغرابهم ورفضوا التعاطي معها، وفق تسريبات بحوزة "الشروق". ولا يستبعد أن تبرز أصوات أخرى في القريب العاجل، من خارج معسكر الموالاة، تدعم عقد ندوة وطنية قد تفضي إلى دعوة لعقد ندوة وطنية قد تفضي إلى تأجيل الانتخابات الرئاسية، وينتظر أن تخرج حركة البناء التي يرأسها وزير السياحة الأسبق، عبد القادر بن قرينة، بتصريحات تذكّر الجزائريين بالمبادرة التي أطلقها في شهر ماي المنصرم، وكانت محل مشاورات بين الحركة وأحزاب أخرى، منها حزب جبهة التحرير الوطني، في عهد أمينه العام المطاح به، جمال ولد عباس. فهل البلاد أمام قرار حاسم يجري التحضير له؟ لا شك أن عقد ندوة وطنية، وفق ما يطالب به البعض، يعتبر من صميم الممارسة السياسية، غير أن ما يمكن أن تفضي إليه هذه الندوة من احتمال تأجيل الانتخابات الرئاسية، يتعدى الممارسة السياسية إلى مسائل قانونية ودستورية، قد يصعب تجاوزها. مثل هذا النقاش كان قد سُلط بشكل لافت على الإجراءات التي طالت حزب جبهة التحرير الوطني مؤخرا، غير أن إدارة شؤون حزب مهما كان حجمه وثقله في الساحة السياسية، لا يمكن أن يماثل تسيير شؤون دولة.