تشق ملحمة مهري طريقها نحو الجزء الرابع المعنون ب:"مهري.. والمؤامرة العلمية" من الفيلم الوثائقي "الحكيم والسيستام" الذي أنتجه مجمع "الشروق"، حول المدرسة "المهراوية" المختزلة والمختصرة في شخص عبد الحميد مهري فكرا وممارسة، حيث يروي الجزء الرابع، الذي بث على قناة "الشروق نيوز"، أصول وفصول وشجون "المؤامرة" التي دارت رحاها في سقيفة فندق سان جورج يوم 17 جانفي 1996. وهي المؤامرة التي جاءت بعد القرار "القاتل" للرئيس اليمين زروال الذي أشعل به حرب "الباسوس" بمقولته الشهيرة "يا إما مهري ويا إما أنا"، ليتكفل ثلاثة مسؤولين آنذاك بالمشاركة في المهمة: الجنرال محمد بتشين، الجنرال الراحل محمد العماري، والجنرال محمد مدين المكنى بالتوفيق، لتمتد التعبئة إلى مكتبين ومنزلين، مكتب الأمانة العامة للمنظمة الوطنية للمجاهدين، بقيادة سعيد عبادو ضابط عن الولاية السادسة، ومكتب مجلس الاستحقاق الوطني بقيادة الراحل عمار بن عودة عضو مجموعة 22، ومنزلي كل من الهادي لخذيري القائد العام للأمن الوطني، وبيت عبد القادر حجار الثائر الغائر ضد مهري، لتتحول المكاتب محجا إلى المشيعين لرحيل مهري، والمنازل مزارا للمبشرين بأفول نجمه، بعد أن قررت السلطة الفعلية إسقاطه مهما كان الثمن عاجلا لا آجلا، سواء تطلب الأمر الضربة القاضية (عزله عنوة) أو بالنقاط (سحب الثقة منه) عبر جمع التوقيعات بتنحيته، وكان لها ما أرادت عندما خلعت مهري، واستعادت الدولة "الجهاز" الأفلان وأرجعته إلى ذويه "السلطة" وأعادته إلى بيت الطاعة. بذور الأزمة.. جذور المحنة سلسلة الرفض التي مارسها المرحوم عبد الحميد مهري، في وجه السلطة الفعلية خلال التسعينيات، كاستماتة سياسية، وصلابة نضالية، واستقامة فكرية، وإيمانه الراسخ بعدم الرجوع إلى زمن الأحادية، وضرورة المضي قدما لاستكمال أشواط الديمقراطية، مهما كانت نتائجها، جعلت السلطة تتوجس منه خيفة، فصنفته خصما ثم عدوا لدودا لها وجب إسقاطه، وتعود بدايات مناكفة مهري للسلطة، عندما رفض إقصاء الفيس المحلّ من المشهد السياسي لحسابات ضيقة، ثم رفضه إلغاء المسار الانتخابي كإجهاض للمسار الديمقراطي، ثم رفضه لما اعتبره حوارات السلطة المتوكئة على الإقصاء، ثم رفضه لندوة الوفاق الوطني المميعة حسبه ثم تجرؤه حسبهم على التوقيع على عقد روما باسم جبهة التحرير الوطني. هذه الأخيرة كانت القطرة التي أفاضت كأس السلطة تجاه أطروحات ومواقف ومبادئ وأفكار مهري "المارقة" حسبها التي يقود بها الحزب العتيد، الذي لم يعد تحت قبضة السلطة الفعلية، المتخمة بقناعة الكل الأمني، رفض فيها مهري كل الحلول التي وصفها بالتكتيكية الإقصائية، التي حسبه تعمق الأزمة ولا تحلها، لتردفها أزمة قصمت ظهر بعير الأفلان وفتحت باب الجحيم على مهري، عندما رفض أن يقدم حزبه قربانا لانتخاب الجنرال اليمين زروال كمرشح للسلطة، ممتنعا أن يقدم له قاعدة اجتماعية بحجم الأفلان. هنا بالذات اقتنعت السلطة بأنه لا مجال لترويض مهري أو احتوائه أو تهجينه أو تدجينه، فعزمت ثم عمدت إلى تنحيته مهما كلفها من الثمن هذه المرة، كقرار لا رجعة فيه، خاصة بعد أن أيقنت السلطة الفعلية أن مهري أصبح رؤية سياسية متجذرة داخل وخارج الحزب، وصار خطا سياسيا مستقلا بذاته، بل لا يمكن التعايش معه سياسيا، ولا يمكنه أن يتناغم أو يتقاطع مع أهدافها، وهي الطامحة والطامعة في إرجاع الحزب "دون مهري" إلى حظيرتها. هلال التنحية.. وصباح التضحية يؤكد مهري في خطاب التنحية، أن أطرافا خارجة عن الحزب، لا تربطها أي صلة نظامية بالحزب، تعمل باسم السلطة خلال التسعينيات سعت لتنحيته، والمؤكد حسبه كذلك أن التحرك تم على نطاق التراب الوطني، عبر الاتصال بجميع أعضاء اللجنة المركزية في الولايات، بهدف التوقيع لسحب الثقة من الأمين العام، وتزامن هذا التحرك مع تسريب وتداول لائحة اتهامات تمس شخص الأمين العام عبد الحميد مهري في الدهاليز والكواليس، بغية تعبئة المناضلين ضده، وكون مهري يهوى التوثيق أخرجه إلى العلن، عندما نشر نص اللائحة كاملة في جريدة الحزب "المجاهد الأسبوعي"، لإطلاع الرأي العام من جهة، ومن جهة أخرى لتسجل في سجلات التاريخ. وحسب الشهود، فإن جل الذين ركبوا موجة السلطة الفعلية آنذاك، الداعية إلى خلع مهري، لم يكونوا بدافع الغيرة الحزبية أو القناعة السياسية، حيث تمكنت من خلالهم، من خلع مهري والتضحية به صباح يوم 17 جانفي 1996، في ما عرف ب "المؤامرة العلمية". المساومة.. المغرم ثم المغنم دُرست ملفات جميع أعضاء اللجنة المركزية وفرزت وصنفت كل حسب نقاط ضعفه أو قوته من طرف السلطة الفعلية، وتم مخاطبتهم بما تشتهي الأنفس وبما لا تشتهي، وحسب الشهود "المهراويين" الذين عايشوا فصول المؤامرة من فندق سان جورج، فإنهم يؤكدون أن الغرفة "الملعونة" رقم 123، التي اتخذ منها محمد مجاهد ومحمد عليوي وعبد القادر حجار وعبد الرحمان بلعياط وعلي صديقي، "قمرة قيادة" للإطاحة بمهري، وتحولت الغرفة حسب من عايش القضية، إلى مسلخ للضغط على أعضاء اللجنة المركزية. وبعدها، هناك من استجاب ووقع ضد مهري، وهناك من وقع مجبرا لأن الأمر لم يعد يتعلق بموقف سياسي أو عقائدي، بل يتعلق بالأرزاق حسب البعض، وهناك من صمد وثبت على موقفه ولم يوقع، وقد دفعوا الثمن بمنعهم وحرمانهم من رواتبهم وتقاعدهم، المكفول بقوة القانون. مكتبان.. بيتان وغرفة يتيمة أوعز "خصوم مهري" لمكتبي كلا من الأمانة الوطنية العامة للمجاهدين، التي كان على رأسها سعيد عبادو، ومكتب قدماء المحاربين الذي كان على رأسه، عضو مجموعة 22 الراحل عمار بن عودة، وقد عرف مكتب هذا الأخير، سلسلة من لقاءات مع مجاهدين وإطارات ثورية خلصت إلى تهديد شديد اللهجة ضد مهري، مفاده إن لم يترك الحزب ويتنح جانبا سيتم الاستيلاء على مقر جبهة التحرير (المقر الحالي بحيدرة) بقوة السلاح، وقد حددوا موعدا لذلك، وهو 19 من مارس 1996، المصادف لعيد النصر، خاصة أن التهديد جاء متزامنا مع البدايات الأولى لحمل الكثير من شرائح المجتمع في مقدمتهم مجاهدون، الذين تحولوا إلى قوة دفاع ذاتي في أعقاب اندلاع أعمال الإرهاب. مقتطف من لائحة الاتهامات ضد مهري ((نحن الموقعين أدناه، من أعضاء اللجنة المركزية، نتوجه إليكم من خلال هذا النداء لنضع أمامكم باختصار، ما آلت إليه وضعية جبهة التحرير الوطني منذ مؤتمرها الأخير، لقد تبين لنا بعد دراسة معمقة ودقيقة لكل المعطيات والمحيط السياسي العام، وبعد تقييم موضوعي ومسؤول للمرحلة التي مر بها الحزب منذ أحداث أكتوبر 1988. … وجدناه تعرض لمؤامرة خطيرة ودنيئة من عدة أطراف حاقدة داخل الوطن وخارجه، كما وجدناه تعرض لمحاولات مريبة، من بعض من وكل إليهم أمر قيادته في هذه المرحلة الدقيقة التي تمر بها البلاد. ومن واجبنا كمناضلين أن نضعكم في صورة الأحداث، مذكرين ببعض الحقائق والدسائس التي كان حزبنا العتيد هدفا لها خلال الفترة المذكورة، مركزين على بعض التصرفات والانزلاقات التي انحرف بها الأمين العام، ومن وافقه وسار على دربه، خروجا عن خط الحزب المرسوم…)) رسالة الأمين العام إلى أعضاء اللجنة المركزية وأمناء المحافظات ((بلغني أن نداء منسوبا إلى أعضاء اللجنة المركزية، دون تحديد الاسم، يوزع على أعضاء اللجنة المركزية، وإطارات الحزب في مختلف المستويات، من طرف أشخاص بعضهم لا علاقة له بالحزب إطلاقا، وهذا النداء يرتكز على ثلاثة محاور: المحور الأول: الدعوة إلى العودة إلى مفاهيم وأساليب الحزب الواحد، بدءا بانتقاد المادة 40 من الدستور، التي فتحت آفاق التعددية الحزبية. المحور الثاني: الدعوة إلى عودة حزب جبهة التحرير الوطني، إلى تغطية السلطة القائمة مهما كانت طبيعتها، وتبني سياساتها المختلفة. المحور الثالث: الدعوة إلى تبني "المنطلق الانقلابي" في تسيير الحزب، لتحضير المؤتمر السابع في منظور المحورين السابقين. وقد رأيت من الضروري أن أرسل إليكم، للاطلاع على نسخة من هذا النداء، الذي يمثل نقطة ارتكاز للحملة الجديدة الواسعة، التي تشن ضد حزب جبهة التحرير الوطني، التي تدعهما جهات معروفة لديكم، ولدى المناضلين بصفة عامة)) وتقبلوا تحياتي الأخوية. الجزائر 13 جانفي 1996 / الأمين العام عبد الحميد مهري ملابسات التحضير للإطاحة بمهري: * الرئيس اليمين زروال كلف الجنرال بتشين بالمهمة. * الجنرال محمد العماري كلف الضباط السامين السابقين في المكتب السياسي واللجنة المركزية بالمهمة. * الجنرال توفيق كلف الجنرال إسماعيل بالمهمة. * سعيد عبادو تكفل بمهمة إقناع جمهرة من المجاهدين وإطارات الثورة التحريرية. * عمار بن عودة تكفل بمهمة إقناع ما تبقى من جماعة 22 والوجوه النوفمبرية. * تحول بيت الهادي لخضيري إلى مزار تحج إليه إطارات حزبية حيث تكفل بإقناعهم والتنسيق بينهم. * تحول بيت عبد القادر حجار إلى غرفة عمليات وتكفل بإقناع أغلبية أعضاء اللجنة المركزية بالتوقيع ضد الأمين العام لجبهة التحرير الوطني. قائمة الأسماء التي التقت زروال: 1. محمد صالح يحياوي (عضو المكتب السياسي) 2. عبد العزيز بلخادم (عضو المكتب السياسي) 3. بوعلام بن حمودة (عضو المكتب السياسي) 4. عبد الرحمان بلعياط (عضو المكتب السياسي) 5. عبد الله الحاج (عضو المكتب السياسي) 6. محمد مجاهد (عضو المكتب السياسي) قائمة الأسماء التي التقت الجنرال بتشين: 1. سعيد عبادو (الأمين العام للمنظمة الوطنية للمجاهدين) 2. عمار بن عودة (عضو مجموعة 22) 3. الهادي لخذيري (القائد العام للأمن الوطني) 4. بوعلام بسايح (وزير الخارجية) 5. علي كافي (قائد الولاية الثانية التاريخية) 6. عبد الكريم سويسي (مسؤول ودادية الجزائريين بأوربا) 7. مصطفى بودينة (عضو الهيئة التنفيذية للاتحاد العام للعمال الجزائريين) 8. أحمد بوشعيب (عضو مجموعة 22) قائمة الأسماء التي التقت الجنرال توفيق: 1. عبد الرحمان بلعياط (عضو المكتب السياسي) 2. عبد القادر حجار (لم يكن عضو اللجنة المركزية) 3. محمد عليوي (عضو اللجنة المركزية) 4. علي صديقي (عضو اللجنة المركزية) 5. محمد مجاهد (عضو المكتب السياسي) 6. عبد الله الحاج (عضو المكتب السياسي) 7. شيبوط إبراهيم (عضو اللجنة المركزية) كواليس الإطاحة بمهري * يلج مهري القاعة ويلتحق بالمنصة، مفتتحا الدورة بخطابه المعهود "الوضع العام للبلاد". * توقيفه من طرف بعض أعضاء اللجنة المركزية، طالبين إدراج نقطة نظامية. * وافق مهري على الطلب، بإدراجها في جدول أعمال الدورة، والشروع بها مقدما ومسبقا. * تقدم برطال العبيدي أمام مهري، وشرع في تلاوة لائحة الاتهامات. * يرد مهري على لائحة الاتهامات، بقوله المشهور: "ينقصها فقط تهمتان: أنا المسؤول عن خروج آدم من الجنة، وأنا كذلك المسؤول عن ثقب الأزون". * رفض محمد عبادة رئيس لجنة الانضباط، قراءة اللائحة وقائمة الأسماء لدواع شخصية. * يتقدم مصطفى بوعلاق أمام مهري، وتلا عليه قائمة الأسماء الموقعة والموافقة على تنحيته. * يستوقف مهري بوعلاق، ويطلب منه عدم استكمال تلاوة الأسماء، بعد أن بلغ ثلث القائمة (27 اسما موقعا). * صدم مهري من بعض الأسماء "المهراوية" الموقعة ضده، وهم بمثابة الحواريين حوله. * شعر مهري بما اعتبره خيانة من الأسماء التالية: محمد عبادة، محمود خذري، عبد الله بولسنان، سعيد بوحجة، أحمد قيعس، رشيد حراوبية. * الحمارشة ال 15 عضوا وقعوا ضد مهري طمعا في خلافة حمروش مكان مهري، فثكله الصندوق. * ترجل مهري المنصة وهو يردد: "الإقالة على ما فيها من إهانة خير من الاستقالة". * اتخذ مهري من الصفوف الأولى مجلسا، ولم يبرح مكانه، حتى أكمل أشغال الدورة. * غادر مهري القاعة بعد انتهاء أشغال الدورة، متماسكا، رفقة المخلص له حسين الساسي.