إنجاب الإناث لا يزال مشكلة مؤرقة في مجتمعنا، فلا تزال الرغبة الكامنة في إنجاب الولد مسيطرة ومستحوذة على عقلية الكثيرين، حتى أصبحت كراهية إنجاب البنات لدى البعض مرضاً وشذوذاً اجتماعياً، وقد وصل الأمر ببعض الآباء وحتى الأمهات المهووسين بإنجاب الولد إلى الطلاق ،لان حسبهم من لا يرزق منهم بالولد يعيش في جحيم دائم، وتنقلب حياته الزوجية إلى عذاب. بريق إنجاب الذكور وكراهية الإناث، لم يفرق بين غني وفقير، ولا بين أمي ومتعلم، فالكثير يفرح بإنجاب الولد ويحزن لإنجاب البنت، لدرجة أنه تم تسجيل العديد من قضايا الطلاق بسبب إنجاب الإناث، وهذا رغم التأكيد الدائم للأطباء أن مسؤولية تحديد جنس الجنين يرجع إلى الرجل وليس الى المرأة، إلا أن كثيراً من آباء البنات يتهمون زوجاتهم بأنهن السبب، وقد يصل الأمر إلى تطليقهن أو الزواج عليهن، وهذا يعتبر قمة الظلم والجبروت الذكوري، بل هو جهل وتخلف ونقص الثقافة. ومن بين احدى القضايا الغريبة التي عالجتها مؤخرا محكمة الجنح بالبويرة قضية المسمى"ط. ل "الذي طلق زوجته كونها أنجبت له بنتيين وأكثر من ذلك رفض النفقة عليهن ،وهو ما جعل طليقته تقرر تقديم شكوى ضده بتهمة عدم تسديد النفقة ،وأثناء امتثال هذا الأخير أمام القاضية أكد صراحة أنه طلق زوجته كونها لم تستطيع أن تنجب له "وريث" في بداية حياتهما الزوجية، مضيفا أنه تزوج من فتاة أخرى أنجبت له "رجلا "، وعن سبب امتناعه عن دفع النفقة الغذائية لابنتيه، أكد أنه لا يستطيع تحمل مسؤولية عائلتين، وأكثر من ذلك فهو ضد فكرة التعب في تربية البنات وتعليمهن والإنفاق عليهن، لأن حسبه البنت ستذهب لرجل غريب بعد زواجها وتعود اليه لتطلب حقها في الميراث .. لكن الظاهر أن السخط عند انجاب البنات وهي المشكلة المتعلقة بالعديد من الموروثات الاجتماعية وبقايا العادات الجاهلية لم تقتصر على الرجال فقط، حتى إن المرأة ذاتها تجد نفسها في كثير من الأحيان أسيرة هذه الموروثات، لدرجة أنها لا تشعر بأنوثتها الكاملة إلا بإنجاب الذكر، وهو ما حدث مؤخرا حيث قامت سيدة أم لأربع بنات برفع دعوى خلع ضد زوجها كونه لم يتمكن من أن ينجب لها رجلا، خاصة وأن الأبحاث والدراسات أثبتت أن الرجل هو المسؤول عن إنجاب الإناث، فبحسب تأكيدات الأطباء فإن الرجل هو الشريك الفعال في هذا الأمر، وهذا ما أثبته العلم الحديث والأمر بالمقام الأول يتعلق بالجينات . وهذا رغم أن الإسلام حث الوالدين على الرضى بالمولود ذكراً كان أم أنثى، فالذرية هبة من الله تعالى، وحذر الإسلام من كره إنجاب البنات، وعدم الاستبشار بولادتهن، بل إنه جعل لحسن تربيتهن والقيام على أمرهن ثواباً عظيماً لا يعدله ثواب آخر متعلق بتربية الأولاد، حيث ذكر صلى الله عليه وسلم أن من أحسن إليهن كن له ستراً من النار، خاصة وأن فضل تربية البنات عظيم في الدنيا والآخرة، لان البنات نعمة وهبة من هبات الله، وإن كره إنجاب الأنثى من أخلاق الجاهليين.