في غمرة الحديث الدائر عن أزمة “الّلاشرعية” التي يمر بها الاتحاد الجزائري لكرة القدم (الفاف)، بسبب المستجدات الخطيرة التي أفرزها التطاحن القائم حول عرش دالي براهيم، اثر التسريبات الأخيرة التي كشفت عن تورط “السلطة” ممثلة بالوزير السابق للشباب والرياضة الهادي ولد علي في الدوس على القوانين وفرض خير الدين زطشي مرشحا وحيدا، قبل أن يتم انتخابه بالقوة أيضا وباتباع أساليب “الترهيب والضغط” على لجنة الترشيحات وأعضاء الجمعية العامة خلال الجمعية العامة الانتخابية التي جرت يوم 20 مارس من عام 2017، يجب العودة إلى مكمن الخلل وتحديد المتسببين في حالة “الانسداد” التي تعيشها الفاف منذ الخروج المبكر للمنتخب الوطني من كأس أمم إفريقيا 2017 التي جرت بالغابون، والتي تلاها “ترحيل” الرئيس السابق محمد روراوة من عرشه، وخلافته من طرف زطشي. لم يكن تسريب الوثائق التي تثبت تورط ولد علي ومعه زطشي وأعضاء مكتبه الفدرالي وكذا أعضاء لجنة الترشيحات، في “الفضيحة القانونية” التي حصلت قبيل الانتخابات وخلالها، مبررا كافيا للشروع في محاولات سحب البساط من تحت أقدام المكتب الفدرالي الحالي تحت غطاء إعادة “الشرعية” للهيئة الكروية بالتزامن مع الحراك الشعبي السائد في البلاد، وكان الأمر يحتاج لدفعة قوية، لإضفاء المصداقية والنزاهة و”صحوة الضمير” على مطالب “خلع” المكتب الحالي برئاسة زطشي، ووجد معارضو الأخير في شخص محمد زرواطي الناطق الرسمي لفريق شبيبة الساورة، الرجل المناسب للقيام بهذه المهمة بعد أن اعترف ب”التزوير” و”الخيانة” و”الخداع” و”التواطؤ” ضد الشرعية والقانون خلال الجمعية الانتخابية التي كان يشغل بها منصبا في لجنة الترشيحات، وذلك بحجة “الضغط الرهيب الذي كان مفروضا عليهم من طرف الوزير السابق ودوائر نافذة في السلطة”. وحملت مراسلة وزارة الشباب والرياضة (تحت رقم 316) لرئيس لجنة الترشيحات وقتها علي باعمر بتاريخ 13 مارس 2017، والتي تم تسريبها مؤخرا، أمرا بالغ الأهمية تطرقت إليه “الشروق” بعد 3 أيام من إرسالها بالتفصيل، إذ كشفت تفاصيل “الفخّ” الذي نصبه الرئيس السابق للفاف محمد روراوة ل”العصابة” التي تحالفت ضده وفعلت كل شيء للإطاحة به وإجباره على عدم التقدم بترشيح نفسه لعهدة أخرى، وبرّرت المراسلة التي وقعها الأمين العام بالنيابة ناصر بكري، مطلبها بضرورة إجراء الانتخابات يوم 20 مارس بدلا من تأجيلها إلى تاريخ 27 أفريل مثلما تقتضيه قوانين الفاف (أي 60 يوما من موعد إجراء الجمعية العامة العادية التي عقدت يوم 20 فيفري برئاسة روراوة)، بضرورة “احترام قرارات هيئة سيادية وهي المكتب الفدرالي وأعضاء الجمعية العامة وعدم الدوس على قراراتها، لأن الجمعية العامة ذاتها وأعضاء المكتب الفدرالي بقيادة روراوة هم من قرر أجراء الانتخابات في 20 مارس، وتم نشر القرارات على الموقع الرسمي للاتحادية وفي كافة وسائل الإعلام الوطنية، كما تم إرسال إشعار إلى وزارة الشباب والرياضة بعقد الانتخابات في نفس التاريخ”، وهذا يمثل دون أدنى شك تدخلا واضحا من “الدولة” في شؤون الاتحادية وهو الأمر الذي تمنعه الفيفا، بل وتسلط بسببه عقوبات على الاتحادات. تفاصيل “الفخ” و”قاموس” من التجاوزات القانونية وبالعودة إلى مبرر الوزارة الذي يقضي بضرورة إجراء الانتخابات في موعدها الأول، فإنه يكشف تفاصيل “الفخ” الذي نصبه روراوة وحجم السذاجة التي وقع فيه أعضاء “العصابة”، إذ خطط لذلك منذ أن اقتنع بأن من يتكالب ضده لعدم الترشح لعهدة أخرى ماض في مخططه، حيث ترك الجميع وسط أزمة قانونية حادة، قد تنفجر في أي لحظة لتكشف التجاوزات القانونية التي حدثت في الجمعية الانتخابية وقبلها ليصل مداها إلى أروقة الفيفا، التي لا تتسامح في مثل هذه الأمور، خاصة “التدخل الحكومي” في شؤون الاتحادات وجمعياتها العامة، وهو الأمر الذي حدث مؤخرا. وظهرت بوادر “الانسداد” يوم 11 فيفري 2017، عقب إصدار المكتب الفدرالي برئاسة محمد روراوة المنتهية عهدته وقتها، بيانا يكشف فيه مواعيد إجراء الجمعية العامة العادية والانتخابية وفترة مجال الترشيحات، وفترة إيداع الطعون والإعلان عن القوائم النهائية للمترشحين لرئاسة الاتحاد أو عضوية مكتبه الفدرالي، حيث ارتكب روراوة خرقا صريحا للقوانين الأساسية للفاف (المادة 26) وبتواطؤ من أعضاء المكتب الفدرالي ورؤساء الرابطات الجهوية الذين حضروا الاجتماع الموسع ومن بينهم رئيس لجنة الترشيحات علي باعمر، حيث بارك الجميع قرار عقد الانتخابات بعد 21 يوما من موعد الجمعية العامة العادية التي عقدت يوم 27 فيفري الماضي، رغم أن المادة 26 من القانون الأساسي للفاف تحدد موعد الانتخابات ب60 يوما من موعد الجمعية العادية، وحمل بيان الفاف وقتها أيضا خرقا واضحا، حيث جاء مرفوقا بوثيقة القانون الأساسي للفاف والذي يعتبر في الحقيقة النسخة القديمة للقوانين الأساسية التي صدرت عام 2011، وليس القانون الأساسي المعدّل خلال الجمعية العامة الاستثنائية التي جرت يوم 25 نوفمبر 2015 وتم خلالها “تكييف” القانون الأساسي للفاف مع مختلف المراسيم الوزارية ما بين سنة 2012 و2015. والذي تحوز “الشروق” نسخة منه، كما حمل بيان الفاف خرقا آخر، حيث كشف بأن المكتب الفدرالي هو الذي يقوم بتسيير المرحلة الانتقالية التي تمتد ما بين عقد موعد الجمعية العامة العادية يوم 27 فيفري 2017 وبين موعد عقد الجمعية العامة الانتخابية، وهذا الأمر حمل تناقضات كثيرة كون القانون يقضي بأن يقوم الأمين العام للفاف ولجنة الترشيحات التي يتم تأسيسها خلال الجمعية العادية، بتسيير شؤون الفاف، وليس أعضاء المكتب الفدرالي الذين لا يحق لهم ممارسة أي مهام بعد عقد الجمعية العامة العادية، خاصة وأن المادة 17 من المرسوم التنفيذي رقم 14-330 المؤرخ في 27 نوفمبر 2014 الذي يحدد إجراءات تنظيم وسير الاتحاديات الوطنية الرياضية وقوانينها، يؤكد بأن عهدة الهيئات الرياضية الوطنية تنتهي يوم 31 ديسمبر من العام الذي جرت فيه الألعاب الأولمبية الصيفية. ووقتها كان الاعتقاد سائدا بأن كل التجاوزات المذكورة والسكوت عنها لم يكن سوى توطؤ من أعضاء المكتب السابق، إما لجهلهم للقوانين، أو تغاضيهم عن إعادة روراوة إلى “رشده” بداعي ولائهم له وعدم تجرؤهم على معارضة قراراته، ولكن الحقيقة التي ظهرت اليوم هي أن “مسيّرا مخضرما بحجم رواروة” لم يكن ليقع في كل تلك التجاوزات والأخطاء عن غير قصد أو عن جهل وإنما كان يخطط لشيء ما. الكل متواطئ والجميع ضحايا وجرت كل هذه التجاوزات بحضور باعمر الذي تم انتخابه يوم 27 فيفري 2017 على رأس لجنة الترشيحات، حيث يعد هو الآخر رفقة أعضاء لجنته متواطئين في الأزمة الحاصلة، بسبب التزامهم الصمت حيال خرق قوانين الفاف، حيث لم يتحرك باعمر سوى بعد نهاية آجال الترشيحات يوم 13 مارس 2017، ليطلّ ببيان “متأخر” عبر موقع الفاف، يشعر فيه الرأي العام الكروي بأن برمجة الانتخابات يوم 20 مارس غير قانوني، ومؤكدا ضرورة تأجيل الانتخابات إلى يوم 27 أفريل احتكاما للمادة 26 من القوانين الأساسية، قبل أن يتم إلغاء البيان وسحبه من طرف “العصابة”. وبلغ التعفن وخرق القانون أقصى درجاته كون لجنة الترشيحات ولجنة الطعون اللتان انتخبتهما الجمعية العامة العادية كانتا غير شرعيتين أيضا، بسبب خرق المادة (4 البند الثالث)، والمادة 5 من القانون الانتخابي للفاف، واللتان تؤكدان ضرورة أن تتكون لجنة الترشيحات من 7 أعضاء من بينهم رئيس ونائب رئيس، إضافة إلى 3 أعضاء احتياطيين، وأن تتكون لجنة الطعون من 3 أعضاء إضافة إلى عضوين احتياطيين، بينما خرقت الجمعية العامة القانون بانتخابها لجنة ترشيحات من 4 أعضاء بدلا من 7 ودون الاحتياطيين، وتم تشكيل لجنة الطعون من 3 أعضاء دون العضوين الاحتياطيين، والأخطر من كل ذلك أنه تم دمج أعضاء اللجنتين تحت غطاء واحد بضغط وتدخل من “العصابة”، رغم أن القانون واضح ويشدد على ضرورة تكريس مبدأ الفصل بين اللجنتين. هكذا تسبب الوزير ولد علي في دخول الفاف النفق المظلم وباركت وزارة الشباب والرياضة بدورها كل ما حدث من تجاوزات عبر تدخلها ل”تصحيح” الوضع بارتكابها تجاوزات أكثر فداحة واعتدائها على “سيادة” الاتحادية وجمعيتها العامة، حيث ضغطت بقوة لأجل سحب البيان الذي أصدرته لجنة الترشيحات يوم 13 مارس يوما بعد انتهاء أجال الترشيحات، رغم أنها لا تملك الحق في ذلك، وأجبرت “بقايا” لجنة الترشيحات في غياب رئيسها باعمر الذي انسحب دون رجعة بحجة التدخل في صلاحياته، على التفاوض قصد فرض قرارها بتزكية خير الدين زطشي كمرشح وحيد وإقصاء المترشح الآخر عبد الكريم مدوار رغم أن كلا المترشحين قدم ملف ترشحه قبل انقضاء الآجال القانونية، وسمحت للأول بتدارك الأخطاء المسجلة على قائمته وإضافة أعضاء آخرين لا تتوفر في أغلبهم الشروط المطلوبة، وذلك خارج الآجال القانونية، بينما تم حرمان مدوار من القيام بذلك. وشددت “بقايا” لجنة الترشيحات بحضور مدير الرياضات بالوزارة الوصية عبد المجيد جبّاب، خلال بيان آخر صادر يوم 15 مارس المنبثق عن اجتماعها في ذات اليوم على أن انتخابات الفاف ستجرى بموعدها المحدد خلال بيان المكتب الفدرالي يوم 11 فيفري الماضي، وهو يوم 20 مارس القادم، وبخست الجمعية العامة حقها في اتخاذ مثل هذا القرار المهم، كما اعتدى البيان أيضا على جملة من القوانين التي تحدد آجال الطعون والإعلان عن القائمة النهائية، لاسيما المادة 11 من القانون الانتخابي التي تحدد فترة دراسة ملفات الترشيحات بخمسة أيام، و(المادة 12 البند الثاني) من ذات القانون والتي تحدد فترة إيداع الطعون ب3 أيام، بينما حدد بيان الفاف يوم 15 مارس هذه الفترة بيومين فقط تنتهي يوم 17 من نفس الشهر، واعتدى البيان أيضا على (المادة 12 البند الثالث) من نفس القانون والتي تحدد فترة دراسة الطعون في أجل أقصاه يومين، بينما قرر بيان الفاف الإعلان عن نتائج الطعون خلال يوم واحد، وخرقت الوزارة ومعها لجنة الترشيحات والطعون المادة 13 من القانون الانتخابي، التي تنص على ضرورة نشر القوائم النهائية للمترشحين قبل 15 يوما من موعد الجمعية الانتخابية، بينما كشف بيان الفاف بأن القائمة النهائية تنشر يوم 18 مارس أي يومين فقط قبل موعد الانتخابات. سقوط الامبراطورية وأظهرت الأزمة الحاصلة على مستوى الفاف مدى هشاشتها وخلافا لما كانت عليه في السابق، إذ اتضح بأنها ليست قائمة على أسس وقواعد احترافية متينة، بعد أن كشفت المستجدات والمعطيات الأخيرة بأن “امبراطورية الفاف” من “كارتون” قائمة على “الاعتداء” على القوانين، رغم أنها كانت تقدّم في السابق كأحد أفضل الاتحاديات تنظيما واحترافا على مستوى العالم، قبل أن تتحول هذه الامبراطورية إلى مسخرة وأضحوكة، قد تمحو للأسف الصورة الجميلة للإنجازات القليلة التي تم تحقيقها من طرف المنتخب الوطني الأول ببلوغه نهائيات كأس العالم مرتين متتاليتين، وتأهله إلى الدور الثاني في مونديال البرازيل 2014 لأول مرة في تاريخه، خاطفا أنظار العالم وكاسبا احترام الملايين من عشاق المستديرة حول العالم، بل والأمر سيكون أكثر سوادا لو تصل تداعيات الأزمة الحالية إلى دهاليز الفيفا، ما يضع الفاف وكل ما يتبع لها من هيئات ومنافسات، ومشاركات الأندية وكذا المنتخب الوطني المقبل على خوض كأس أمم إفريقيا 2019 بمصر، تحت تهديد التجميد والإقصاء.