دوماً ما تشهد منطقة الشرق الأوسط تنازعاً بين الولاياتالمتحدةوروسيا حول إستراتيجية الهيمنة والسيطرة لطرف منها، لكن ما حدث مؤخراً تجاه القائد العسكري الليبي خليفة حفتر يعكس تغيراً هاماً في هذه الإستراتيجية وهو التقارب بين موسكووواشنطن ضد جماعات الإسلام السياسي، وهو ما يعد لعبة بين الكبار على الشرق الأوسط، وفق ما أورد موقع “عربي بوست”، الثلاثاء. وفي مقال تحليلي بموقع Lobe Log الأمريكي اعتبر جيمس دورسي، أن الوضع في ليبيا جمع بين طموح أمريكاوروسيا في فرض حفتر على البلاد، حتى وإن كان مستبداً، بدلاً من الحكومة المعترف بها دولياً. والأسبوع الماضي أوقفت كلٌ من الولاياتالمتحدةوروسيا طرح دعوة لوقف إطلاق النار رسمياً على مجلس الأمن. إذ اعترضت روسيا، التي انضمت إلى حلفاء الولاياتالمتحدة الذين يشملون الإمارات والسعودية ومصر وفرنسا في دعم حفتر بسبب سيطرته على موارد النفط الليبية وتأكيدات سيطرة الإسلاميين على حكومة طرابلس، على مشروع قرار بريطاني، لأنَه ألقى باللوم في القتال على الضابط المتمرد. لم تُقدِّم الولاياتالمتحدة أي سبب لاعتراضها. مع ذلك، فإنها تشاطر روسيا نفورها من الإسلاميين، ومن الواضح أنها لم ترغب في الخروج عن توافق بعضٍ من أقرب حلفاء واشنطن في الشرق الأوسط، وبالتأكيد ليس في وقت تُحقق فيه الأممالمتحدة في مزاعم شحن الإمارات أسلحة إلى حفتر في انتهاك لحظر دولي على السلاح، حسب الموقع الأمريكي. وأهمية الاتفاق الأمريكي الروسي بشأن القيمة الجيوسياسية لحفتر تتجاوز ليبيا. فهي تكشف الكثير عن الطريقة التي ينظر بها الرئيسان دونالد ترامب وفلاديمير بوتين إلى صياغة نظام عالمي جديد. وتُنبئ بالكثير كذلك عن الأهداف الروسية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. ويعكس تفضيل ترامب وبوتين لرجل له سجل في حقوق الإنسان محل تساؤلات الذي على الأرجح، في حال نجاحه، سيحكم ليبيا كمستبد، اعتقاد الرئيسين بأن أفضل ضمانة للاستقرار في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا هم الحكام المستبدون أو بعض المظاهر الديمقراطية التي يسيطر من خلفها رجال ذوو خلفيات عسكرية على مقاليد السلطة، حسب الموقع الأمريكي. وهذه رؤية للمنطقة يُروج لها ممثلو ولي العهد الإماراتي محمد بن زايد، الذي يرى الاستقرار السلطوي أفضل حصن في مواجهة الثورات العربية التي اجتاحت المنطقة عام 2011 وتُثبت في الآونة الأخيرة في الجزائر والسودان أنَها ولدت من جديد. ووراء تفاهم ترامب وبوتين يكمن اتفاق ضمني بين قادة العالم غير الليبراليين والمستبدين والسلطويين على القيم التي من شأنها ضمان نظام عالمي جديد. إنه اتفاق يؤدي في حالات مثل ليبيا إلى تقليص التوتر بين القوى العالمية وتحويله إلى معركة على تقاسم الكعكة بدلاً من مفاهيم مثل حقوق الإنسان والأقليات التي يجب أن يرتكز عليها النظام الجديد. ويخدم دعم موسكو لحفتر الرؤية الروسية الأوسع لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا باعتبارها ساحة يمكن لروسيا النجاح في تحدي الولاياتالمتحدة بها، حتى إذا اتفق ترامب وبوتين على الطرف الذي يدعمانه في حرب أهلية ليبية يفاقمها تدخل القوى الأجنبية. فيجادل الباحث في شؤون الأمن القومي الروسي ستيفن بلانك، بأن جذور إستراتيجية بوتين تعود إلى فكر يفغيني بريماكوف، وهو خبير روسي في شؤون الشرق الأوسط، ولغوي، ورئيس سابق لجهاز الاستخبارات، ووزير خارجية ورئيس وزراء سابق. كان بريماكوف ينظر إلى الشرق الأوسط باعتباره ساحة رئيسية للتصدي للولايات المتحدة من شأنها تمكين روسيا، التي أُضعفت جراء انهيار الاتحاد السوفييتي، من استعادة وضعيتها باعتبارها قوة عالمية وإقليمية، وضمان أن تصبح قطباً في عالم متعدد الأقطاب، وفق الموقع الأمريكي. وقال بلانك: “من أجل إعادة تأكيد عظمة روسيا، كان هدف بريماكوف وبوتين في نهاية المطاف هو الحرمان الإستراتيجي، حرمان واشنطن من الامتلاك الحصري لدور مهيمن في الشرق الأوسط منه يمكن للولايات المتحدة مدّ نفوذها إلى كومنولث الدول المستقلة”، الذي تأسس بعد انهيار الاتحاد السوفييتي لجمع جمهوريات الاتحاد السوفييتي سابقاً. آمن بريماكوف وبوتين بأن روسيا إذا نجحت سترغم الولاياتالمتحدة على الاعتراف بالتعددية القطبية ومنح روسيا التقدير الذي تستحقه. وهذا بدوره من شأنه السماح لبوتين بأن يُظهر للنخبة الروسية قدرته على استعادة مكانة القوة الكبرى. ويشير المقال التحليلي في موقع Lobe Log إلى أن سوريا وفّرت لروسيا الفرصة لإظهار قوتها العسكرية دون أن تتحدى الولاياتالمتحدة تلك الخطوة. وآنذاك، استفادت روسيا من قوتها السياسية والاقتصادية لتشكيل تحالف مع تركيا وشراكة مع إيران. وجادل بلانك بأن هذا النهج مكّن من نزع أنياب النفوذ التركي والإيراني في منطقة آسيا الوسطى والقوقاز. وبالمثل، أثبتت روسيا بعد قمعها الوحشي للشيشانيين في التسعينيات، وعلى الرغم من الذاكرة العالقة للغزو السوفييتي لأفغانستان، وبالتماشي مع المبادئ الإماراتية، أنها أمهر بكثير من الصينوالولاياتالمتحدة في الترويج للإسلام المهادن سياسياً أو الإسلام اللا سياسي في لعبة معقدة من التلاعب بكلا الطرفين لتحقيق صالح روسيا. فيشمل الانخراط الروسي كل شيء بدءاً من الانخراط مع المسلحين والتعاون مع المستبدين المسلمين وحتى تشجيع إدانة الأفرع النشطة للإسلام المتزمت ووصولاً إلى حماية رهاناتها عن طريق إبقاء خطوط تواصلها مفتوحة مع حكومة الوفاق الوطني في طرابلس، حسب الموقع الأمريكي. وحتى لو كانت روسيا تسير ربما على خيط رفيع في موازنة علاقتها مع حفتر ورئيس حكومة الوفاق الوطني فايز السراج، فإنها، كما فعلت في سوريا، تضع نفسها بدعم من الإمارات والسعودية ومصر باعتبارها الوسيط المحتمل الذي يحافظ على العلاقات مع طرفي الصراع. وقال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف: “نعتقد أن مستقبل ليبيا لابد أن يحدده الليبيون أنفسهم. لدينا قناعة بأنه لا بديل عن حوار ليبي شامل.. وعملنا في هذا المسار يمضي على هذا الأساس وعلى أساس الاعتقاد بأنه لا بديل (آخر) للحفاظ على سيادة ليبيا ووحدة أراضيها”، وفق الموقع الأمريكي. https://twitter.com/LobeLog/status/1120322123233472512