حملة الإقالات والعزل وإنهاء المهام، التي فرضها الحراك الشعبي، وتلاحق كبار المسؤولين خلال الفترة الأخيرة، نقلت الرعب والهلع والخوف، إلى وزراء وولاة ومديرين ومسؤولين في مختلف الهيئات والمصالح، والحال أن العملية، بوسعها أن تعيد الأمل جزئيا إلى المواطنين، إذا كانت “بريئة” وبعيدة عن الروح الانتقامية والانتقائية وتصفية الحسابات والقرارات الظرفية! المواطنون في مختلف الولايات والبلديات، والربوات المنسية عبر الجزائر العميقة، يتمنون أن لا تبقى حملات الإقالات والتوقيفات، وعمليات المحاسبة والمعاقبة، مختزلة في الجزائر العاصمة، أو الولايات الكبرى فقط، فالفساد وسوء التسيير والنهب والعبث والتلاعب بأموال الشعب وعقارات الدولة، ضرب أيضا لعدّة سنوات أغلب المناطق، إن لم تكن كلها! على التحقيقات والمتابعات الأمنية والقضائية، أن تشمل أيضا المتورّطين والمتواطئين من الولاة والأميار ومديري المصالح ورؤساء الدوائر والمنتخبين، ممّن استغلوا ظروفا معينة، وأعاثوا في الأرض فسادا، ومنهم من كان يحتمي ب”العصابة”، وكان ينشط تحت أمرها أحيانا، وفي خدمتها وتحت تصرّف حاشيتها والمقربين منها! من الطبيعي أن تتشكل “عصابات” محلية، على مدار السنوات الماضية، وليس سرا من الأسرار، ولا سبقا، عندما يتداول عامة الناس، كلّ حسب بلديته وولايته، قوائم وأسماء المنتفعين من الريوع والغنائم، خارج القانون والأخلاق، ومنهم من تخلى عن “برقع الحياء”، وأصبح يسرق جهارا نهارا، وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما! ما حدث على المستوى المحلي، ببلديات وولايات، وحتى مداشر وقرى نائية ومعزولة، يتجاوز كلّ الحدود، ويضرب التفكير البشري في الصميم، فقد نُهبت أراض فلاحية ومناطق صناعية، والهكتارات من عقار الدولة وأملاك البايلك، وهناك مبان تمّ تأميمها وسكنات وفيلات تمّ التنازل عنها، وهذا ما كشفت عنه عديد الشهادات والاتهامات المتداولة في وسائل الإعلام! كلّ القطاعات هبّت عليها رياح “الفساد”، وهو ما يشهد عليه عمال موظفون ومواطنون ومسؤولون سابقون، وتفيد الكثير من “الاعترافات” أن أخطر ما في الموضوع، هو “تقنين الفساد” في الكثير من الحالات، وهناك مفسدون استغلوا مناصبهم، في وقت سابق، و”حصانتهم” كمنتخبين أو كمسؤولين، وكذا نفوذهم وعلاقتهم، من أجل تسوية وثائق المسروقات! فعلا، صدق شيخ حكيم ومخضرم إذ قال: “والله ويطبقوا شعار يتحاسبو قاع..غير ما يسلك فيها غير طويل العمر وقاسح الكبدة”(..)، وعلى رأي الشيخ، لو تم فتح كلّ الملفات دفعة واحدة وفي كل المؤسسات والبلديات، لتشكلت طوابير لا بداية لها ولا نهاية، ويتحوّل الآلاف إلى متهمين ومشبوهين، بين من سرق المليار ومن سرق المسمار، وبين من نهب القصر، ومن طمع حتى في القبر!