abed_charef@hotmail.com بسرعة فائقة، توصلت الجزائر إلى ما يشبه إجماعا وطنيا حول انتكاسة 17 ماي. فقد قال السيد عبدالعزيز بلخادم، منسق الحكومة، وسابقه في المنصب أحمد أويحيى، أن الإخفاق الذي تم تسجيله في الانتخابات التشريعية كان نتيجة لقانون الانتخابات نفسه. وتسابق الرجلان في تبني هذه الفكرة، ودافعا عنها بقناعة كبيرة سواء خلال حصة للتلفزيون أو خلال تصريحات مختلفة. ووعد الرجلان بقرارات صارمة تتمثل في تغيير قانون الانتخابات، ثم العمل الجاد للقضاء على الأحزاب "السنافير"، ووضع إستراتيجية عالمية لمحاربة المترشحين المستقلين، مع الإعلان الرسمي أن كل ذلك سيتم في إطار الوفاء المطلق لبرنامج رئيس الجمهورية. وبهذه الخطة الشاملة والمدروسة، سيتم إعادة الاعتبار للتصويت، وللبرلمان، ولمؤسسات الدولة كاملة. وفي نفس الإطار، وعد وزير الداخلية يزيد زرهوني أنه سيطبق هذه الخطة الكبرى في أقرب الآجال، حيث يضع مراجعة قانون الانتخابات ضمن أولوياته، وسيحقق هذا المطلب الشعبي الجماهيري قبل الانتخابات المحلية التي من المنتظر أن تجرى في أكتوبر القادم. وطبقا لهذا البرنامج الطموح، سيكون أول عمل يقوم به البرلمان الجديد بعد تنصيبه هو إلغاء قانون الانتخابات الذي سمح للنواب الموقرين أن يدخلوا البرلمان... و بذلك يتصرف النواب مثل المسافر الذي قام بحرق الزورق مباشرة بعد أن قطع الوادي... ومن جهة أخرى، فقد طعن الكثير في شرعية البرلمان الحالي، معتبرين أنه لا يمتلك الشرعية الكاملة ليعبر عن إرادة الأمة. وإذا وافق النواب فعلا على مراجعة قانون الانتخابات، فإنهم سيزكون هذه الفكرة ويطعنون بدورهم في شرعيتهم... ويمكن أن نجتهد في مثل هذه القضايا المتعددة التي برزت مع البرلمان الجديد وأصبحت تشكل المحور الأساسي للثرثرة السياسية. فيمكن مثلا أن نتحدث مطولا عن أولائك النواب الأحرار الذين انضموا إلى جبهة التحرير أو الأرندي مباشرة بعد انتخابهم، ونتساءل حول شرعية هذا التصرف سواء من الجانب القانوني أو من الجانب الأخلاقي. واجتهد البعض ليلاحظ أن هناك فراغ قانوني، بينما قال الآخرون أن المترشح الحر يبقى حرا في تصرفه بعد انتخابه سواء انضم إلى علي أو معاوية... وحقيقة الأمر أن كل هذا الكلام، من الجدال حول تصرف النواب الأحرار إلى الدروس التي استخلصها زعماء الأحزاب حول أسباب الامتناع الذي تم تسجيله في الانتخابات التشريعية، كل هذا الكلام يشكل لغوا ليس إلا. وما كان ينتظره الكثير بعد 17 مايو هو الطريقة التي سيلجأ إليها أهل الحل والربط في البلاد في تعاملهم مع الوضع السياسي الذي أفرزته الانتخابات: هل سيتصرف هؤلاء كقوم مسئولين، يحملون عبء هذه الأمة، بتاريخها وشعبها، وينظرون إلى الوضع بنظرة جديدة ليفهموا أن النظام الحالي انتهى، وأنه لم يبق لهم إلا تنظيم جنازة هذا النظام، وبداية العمل لإقامة نظام جديد يسمح للبلاد أن تفتح صفحة جديدة من تاريخها؟ أم هل أن أهل الحل والربط سيتعاملون مع نتائج الانتخابات التشريعية من الجانب الضيق، حيث يكتفي كل طرف بتبرئة ذمته، واتهام الآخرين بالإخفاق والفشل، ويفكر في الطريقة التي تسمح له بالحفاظ على رضا أهل السلطة، بينما يتواصل انهيار البلاد ومؤسساتها وقيمها؟ وحتى لا نبقى في أسئلة نظرية، نذكر بالخصوص عددا من المسئولين الذين شاركوا في حرب التحرير، منهم الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، ووزير الداخلية يزيد زرهوني، وعددا من قادة الجيش الذين يفتخرون بصفة المجاهد بمعناها النبيل، نذكر هؤلاء ونتساءل: هل هؤلاء يدركون أن النائب في البرلمان تحول من حامل مشقة وعبء سياسي إلى منصب للحصول على امتيازات ولو تم ذلك على حساب مصالح البلاد؟ هل يدرك هؤلاء أن وصولهم أو بقاءهم في السلطة على حساب المؤسسات يشكل ضربة قاسية للسيادة الوطنية؟ هل يدرك هؤلاء أن انهيار البرلمان وغياب سلطات شفافة يؤدي حتما إلى تراجع في تسيير البلاد، وأن التراجع في التسيير يؤدي بدوره إلى تراجع في السيادة الوطنية؟ هل يدرك هؤلاء أن الجزائر أصبحت خالية من كل مؤسسة للنقاش والتشاور، مما يفتح الباب للقرارات العشوائية الهدامة، مثلما وقع الأمر مع قانون المحروقات؟ هل يدرك هؤلاء أن الجزائر تفتقر اليوم لأي مركز للفكر الحر، وأن كل المؤسسات التي من المفروض أن تنتج الأفكار وتغذي النقاش أصبحت تجتهد لتمجد القرارات التي يتخذها فخامته أو التي يتخذها آخرون باسم فخامته، مهما كان محتواها؟ هذا جزء من الأسئلة التي كان من المفروض أن يطرحها أهل الحل والربط بعد الانتخابات التشريعية. ولم نسمع لحد الآن ما يقوله أصحاب القرار الحقيقيين لأن الذين نشطوا الثرثرة السياسية ينتمون إلى دوائر ثانوية في السلطة لا تملك القرار. لكن لا يمكن أن يتواصل صمت أهل القرار طويلا، وإلا سيعني أن هؤلاء متورطون في الانهيار المتواصل للبلاد ومؤسساتها، وسيتحملون مسئولية هذا التراجع.