عابد شارف: abed_charef@hotmail.com قالت وزارة التضامن والتشغيل أن نسبة البطالة في الجزائر تراجعت لتبلغ 13.2 بالمائة من اليد العاملة نهاية 2006. وأكدت الوزارة أن هذه الإنجاز العظيم كان نتيجة للعمل الذي تم القيام به في إطار تطبيق برنامج الرئيس عبد العزيز بوتفليقة. وجاء المحللون وخبراء البلاط بعد ذلك ليؤكدوا أن تراجع البطالة عامل أساسي يشير إلى تحسين واضح في النشاط الاقتصادي، لأنه يؤكد أن هناك ديناميكية قوية ستؤدي إلى رفع الاستهلاك وارتفاع في الطلب مما يشجع الإنتاج والاستثمار، وكل ذلك يدور في إطار خطاب معروف لدى أهل الاقتصاد. وذهب بعضهم إلى أبعد من ذلك حيث قال أن نسبة 12.3 بالمائة تسمح للجزائر من الاقتراب من أقوى الأنظمة الاقتصادية في العالم، إذا عرفنا أن فرنسا وألمانيا مثلا تعرف نسبة للبطالة تقترب من عشرة بالمائة. وقال آخر أن هذا النجاح العظيم في ميدان التشغيل يكفي لتغطية الفشل النسبي في ميدان التنمية حيث لم تبلغ نسبة النمو إلا ثلاثة بالمائة. وأدى هذا الكلام كله إلى تفاؤل واسع في الأوساط الرسمية، التي رحبت بهذا الإنجاز حيث وجدت فرصة لتتكلم عن نجاح جزائري في مرحلة لم يبق الكلام فيها إلا عن قضية الخليفة وما ترتب عنها من انهيار أخلاقي. ولما انتشرت الفرحة وسيطرت النشوة عند خبراء البيروقراطية الذين يصنعون الأرقام حسب متطلبات الوزارة والرئاسة، تكلم الوزير جمال ولد عباس ليعيد الأمور إلى حقيقتها. وقد قال الوزير في حديث للإذاعة أن هناك 3.9 مليون امرأة لا تعمل مع أنها توجد في وضع يسمح لها بالعمل. وأكد الوزير أنه سطر برنامجا استراتيجيا يشمل كل الجوانب من أجل فتح باب التشغيل أمام هذه الطاقة النائمة التي من الممكن أن تفجر الاقتصاد الجزائري. وإن لم يستعمل الوزير هذه العبارات بالضبط، فإنه قال كلاما يؤدي إلى نفس المعنى. لكن أهم ما قاله الوزير هو أن كل الأرقام التي تم نشرتها المؤسسات الرسمية حول نسبة البطالة في الجزائر خاطئة. فعدد البطالين الذي تم الاعتراف به رسميا يفوق المليون بقليل حسب آخر الإحصائيات. وإذا أضفنا الرقم الذي قدمه الوزير ولد عباس، فإن عدد البطالين يقارب خمسة ملايين، أي أكثر من أربعين بالمائة من الجزائريين الذين يوجدون في سن العمل. وإذا أردنا التدقيق، فمن الضروري أن نذكر تلك المناصب التي أنشئت دون جدوى والتي لا تفيد الاقتصاد، كما يجب الإشارة إلى عدم مصداقية الأرقام بصفة عامة في البلاد، مما يدفعنا إلى نتيجة بعيدة جدا عما يقوله الوزراء والخطباء الرسميون في ميدان التشغيل والاقتصاد بصفة عامة. ولا يمكن أن نقول أن هذه الظواهر جديدة، سواء تعلق الأمر بالبطالة نفسها وانتشارها بطريقة شنيعة، أو بمصداقية الأرقام التي تقدمها الإدارة الرسمية. فالبطالة آفة اجتماعية قديمة فشلت البيروقراطية في محاربتها. أما عن مصداقية الأرقام، فيكفي أن نذكر أن وزير الفلاحة قال أن الإنتاج ارتفع لما انعدمت البطاطا في السوق الجزائرية. ولما عجزت الحكومة عن تحقيق برنامج صغير للسكن المدعم، ظهر وزير القطاع على شاشة التلفزيون ليقول أن مئات الآلاف من المساكن تبنى حاليا وسيسمح ذلك لا بتحقيق المليون سكن التي وعد بها رئيس الجمهورية فحسب، بل أن وزارته ستتجاوز هذا الرقم بكثير وستمنح مسكنا لكل عائلة... وكلامه لا يختلف في الحقيقة عن كلام رئيس الحكومة السابق أحمد أويحيى الذي خطب الأمة وقال أنه سيحقق أكثر منم مليون مسكن في أربع سنوات. وصنع هؤلاء من وزراء وخبراء البلاط لأنفسهم عالما خياليا يعيشون داخله، يفتون فيه بالمعجزات ويحللون الكبائر. فهم يكثرون الخطب والثرثرة، رغم أن لا أحد يصدقهم ولا أحد ينتظر منهم شيء. فهذا وزير العدل يقول أن العدالة مستقلة، وكيف لا؟ ألم يخرج زعيم النقابة عبد المجيد سيدي سعيد من محكمة البليدة حرا، بعد أن اعترف أنه أمضى محضرا مزورا سمح بالسطو على أموال العمال من طرف بنك الخليفة، في حين يبقى من قام بتطبيق هذا الأمر في السجن؟ أيوجد استقلال للعدالة مثل هذا؟ ألم يعترف أحد الشهود أنه تم حرق جزء من وثائق بنك الخليفة دون أن يضغط أي طرف على العدالة لتحقق في الموضوع، خوفا من المساس باستقلالية العدالة؟ ولعل هذه الفتاوي التي تصدر في عالم البلاط هي التي دفعت زعيم العمال ووزير العمل إلى التحالف للقضاء على أموال العمال. إنهم كانوا يعرفون أن الجزائر ستقضي على البطالة في آجال قريبة، ولا فائدة يومها من صندوق للتضامن العمالي. وكان من الأفضل أت تستعمل أموال العمال لتموبل مشروع عبد المؤمن خليفة، وهذا التشامن الوطني الحقيقي...