عابد شارف: abed_charef@hotmail.com إنتقد السفير السعودي السابق في الولاياتالمتحدة، الأمير تركي بن عبد العزيز بشدة أمس السياسة الأمريكية تجاه العالم العربي، قائلا أنها أدت إلى نتائج معاكسة للأهداف التي تم الإعلان عنها. وقال الأمير تركي الذي شغل كذلك منصب مدير المخابرات السعودية سابقا خلال ندوة حول "تراجع الإصلاحات في العالم العربي" أن الولاياتالمتحدة أخفقت في ثلاث ملفات رئيسية وهي العراق وفلسطين والإصلاحات التي يجب إدراجها في الحياة السياسية العربية. وقال الأمير تركي أنه يوافق فكرة الإصلاح، "لمواكبة المتغيرات العالمية المعاصرة"، واعتبر أنه "مطلب ملح وغاية أساسية لمواكبة الظروف الدولية الراهنة والمستقبلية". لكنه ركز على أن التغيير يجب أن يأتي من "أفكار عملية للتحديث مستمدة من واقع البلدان العربية وحاجتها الفعلية دون الركون إلى الأفكار والتصورات الجاهزة المقدمة من غير أبناء المنطقة". وقال أن "الأفكار التطورية سوف تنبع من المنطقة العربية"، لا على "المهاترات المبنية على أغراض عدائية أو سلبية". لكن مبادرة الإصلاح العربي التي أطلقها الرئيس الأمريكي جورج بوش أدت إلى "الشعور بعدم واقعية كثير من المبادرات والمشاريع التي لم تراع واقع دولنا ومجتمعاتنا". ورفض الأمير تركي فكرة إخفاق الإصلاح، لكنه قال أن ما أخفق هو "المشاريع التي كانت مبنية على تصةر بعيد عن واقع المنطقة، وأبرز مثال على ذلك البرنامج الإصلاحي الذي فرض على العراق بعد غزوه"، وهي أعملية أشبهها برغبة في "إلباس العراق خلة فصلت له في واشنطن". ولاحظ أن العملية التي جرت في العراق أدت إلى "مقتل المبادرة"، "ليس فقط لأنها لم تحقق أهدافها، بل لأنها أدت إلى عكس المأمول منها فالديمقراطية أصبحت طائفية بغيضة، وحكم الأغلبية صار تسلطا على الأقلية، والعدل تحول إلى ظلم، وحكم القانون أصبح حكما للميليشيات، وحقوق الإنسان أصبحت موتا له". وذكر الأمير تركي التجربة الفلسطينية، حيث قال أن "أصحاب دعوات الإصلاح" رفضوا نتيجة انتخابات "حرة ونزيهة"، وقرروا مقاطعة الحكومة الفلسطينية. إلى جانب 1لك، يرى الأمير تركي أن عملية الإصلاح ارتبطت بمحاربة الإرهاب التي تستهدف العالم العربي والإسلامي، في حين رفض أصحاب دعوة الإصلاح أن هناك "انتهاكات سياسية وعسكرية واستعمارية كانت السبب الأساسي في تردي الأوضاع" في العالم العربي. وأضاف: "لو أن هذه الدعوات من الخارج أتت بدوافع صادقة وأهداف نقية لما رفضت". وجاء هذا الانتقاد من الأمير تركي للسياسة الأمريكية ليؤكد الخطاب السعودي الجديد تجاه الولاياتالمتحدة منذ تولي الملك عبد الله العرش في السعودية. ويقول خبراء أن سلسلة من الأسباب يمكن أن تكون قد أدت إلى هذا التغيير الذي لم يبلغ القطيعة لحد الآن. ومن هذه الأسباب تولي الملك عبد الله العرش، حيث يعرف عنه أنه عاش في السعودية أكثر من الخارج، وأنه بقي كل حياته قريبا من وسائل الأمن والإدارة القبائل، مما يجعله منه يتميز بالوطنية أكثر من الولاء للولايات المتحدة، رغم أن هامش المناورة المتاح له يبقى ضيقا. ويقول خبير في شئون الشرق الأوسط أن العربية السعودية تريد أن تلعب دورا أكبر في المنطقة، بعد انهيار العراق وانسحاب مصر، على الأقل لسد الفراغ العربي حيث أن المنطقة تعيش تحت سيطرة أربع فاعلين وهم أمريكا وأوربا وإسرائيل وإيران، دون وجود عربي. لكن أمريكا ترفض للسعودية أن تلعب هذا الدور لأنها تخشى أن تتحول الرياض إلى قوة تميل بعد مدة إلى مساندة المد الإسلامي الراديكالي مثلما وقع مع إيران. ومعارضة أمريكا لمحاولة السعودية في فرض نفسها كقوة في المنطقة أثار إزعاج السعوديين، مما فتح الباب لكلام مسئوليهم الذي يبدو شديد اللهجة تجاه أمريكا إذا قورن بخطابهم في الماضي القريب. ويصعب التكهن حول مواصلة هذا الخطاب الجديد لأنه يبقى منحصرا على بعض القادة مثل الأمير تركي الذي لا يشغل حاليا منصبا رسميا، مما يفتح له مجالا أوسع للكلام، كما أن الملك عبد الله تجاوز الثمانين سنة وتبقى قضية خلافته مفتوحة. لكن لا يستبعد أحد المحللين أن يتحول الخلاف الظرفي الحالي بين أمريكا والسعودية إلى خلاف استراتيجي إذا لم تقم أمريكا بالمبادرات الضرورية لاستدراك الوضع. وأكبر ما يخشاه الأمريكيون مثلا هو نجاح المحاولة الحالية التي يفكر فيها السعوديون لوضع ميكانيزمات جديدة للخلافة. وإذا نجحت هذه العملية في السعودية، فإن السلطة في السعودية ستأخذ شكلا مؤسسايتا، مما يجعل الضغط على المسئولين عملية صعبة. وسيؤكد نجاح العملية كذلك أن السعودية قطعت خطوة، ولو صغيرة، نحو العصرنة، خاصة وأن السعودية تحتوي على عشرات الآلاف من الإطارات الذين تلقوا تكوينهم في أحسن الجامعات الأمريكية والغربية، مما جعلهم يعرفون النظام الغربي ويجيدون التعامل معه. لكن يبقى المشوار طويلا بين الخطاب السعودي الجديد وتكريسه في الحياة السياسية، خاصة وأن الضغط الأمريكي يبقى مستمرا.