في عيد الاستقلال، يبعث الجزائريون برسائل قوية، هي في الشكل والمضمون، مبادئ غير قابلة للتنازل والتفاوض، أهمها الوحدة الوطنية، وسيادة الجزائر، و”الجيش الشعب خاوة خاوة”، وهذه الثلاثية الخالدة والمقدسة، هي سرّ قوّة الجزائريين الذين تمسكوا في الجمعة العشرين بمطلبه المشروع ورغبتهم الشرعية في التغيير وبناء “جزائر جديدة”! أبناء الثورة، ومعهم أبناء الاستقلال، يريدون جزائر جديدة، وليس “جمهورية ثانية”، لأن جمهوريتهم واحدة موحدة عير قابلة للتجزئة والتفكيك والتعدّد، ولا إلى التبدّد، والعياذ بالله، وهم بذلك يقفون بالمرصاد كالرجل الفحل ضد مشاريع نائمة تتغنى بما يسمى “جمهورية ثانية” و”ثالثة” و”رابعة” وبعدها قد يتحدثون عن “خامسة” أسوة بمن طردهم الشهداء شرّ طردة! ..”الحمد لله ألّي ما بقاش الاستعمار في بلادنا”، قالها الأولون وأعادها اللاحقون ويردّدها اليوم جيل بعد جيل، فجيل الاستقلال من جيل الثورة، وفي هذه الذكرى الخالدة، يجب أن نتذكّر ذلك الاستفزاز الذي ورد على لسان وزير فرنسي، قبل سنوات، عندما قال بالفمّ المليان: “تحسن العلاقات بين الجزائر وفرنسا يقتضي انقراض جيل الثورة”! وللأسف، لم يجد عندها هذا الأرعن، من يردّ عليه، بل الأكثر من ذلك، تمّ تنويم قانون تجريم المستعمر في البرلمان، واحتفظ “الشريكين” بأسلوب التغني بما أسموه “الصداقة” بين البلدين، فيما كان رئيس فرنسي سابق، قد قالها جهرا مستفزا مشاعر الجزائريين والذاكرة التاريخية: “الأبناء لا يعتذرون عن جرائم آبائهم”، ولم يجد هو الآخر نظيره الذي يُخرسه! اليوم، في الذكرى السابعة والخمسين لعيدي الاستقلال والشباب، يسمع الجزائريون كلمات لم يتعوّدوا على سماعها بهذه القوّة والوضوح، كما يعايشون قرارات غابت عنهم منذ عشرات السنين، من شاكلة “تطهير البلاد من عبدة الاستعمار وأصنامه”، وكذا ردّ الاعتبار للغة العربية أمام الفرنسية في الإدارات والمدارس والتعاملات، وهو ما كان من بين أهمّ قواعد وأسس الثورة المجيدة وبيان أوّل نوفمبر، وكذا أهداف الاستقلال الوطني! الحراك الشعبي السلمي، وهو يُحيي عيد استقلال بلاده، متمسك باستقلالية مطالبه، ومتمسّك بوحدته وثوابته، متمسّك بسيادة دولته، متمسك بسلطته التي تبقى فوق كلّ السلطات، متمسك برفضه لأيّ تدخل أجنبي، ومتمسّك بمعاداة أيّ املاءات أو تدخلات أو إرشادات نحو شأن داخلي لن تحلّ مشاكله وأزماته العابرة إلاّ بين الجزائريين. قوة الجزائريين أنهم يتوحّدون أكثر، كلما اشتموا روائح أجنبية نتنة، تتكتك يائسة بائسة لتفريق شملهم أو نشر الفتن والقلاقل بينهم، أو إطلاق “الشياطين” وسطهم، وها هو الحراك يصفع مرّة أخرى في ذكرى الاستقلال والشباب، هؤلاء الحاقدين والمتآمرين من جماعة “فافا”، ليؤكد مرّة أخرى، بأن هذا الجيل هو من جيل بن مهيدي وبن بولعيد وزيغوت وديدوش وعميروش وزبانة وسي الحواس وبوضياف وبومدين، ومليون ونصف مليون شهيد، ومثلهم المجاهدين الأشاوس، فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا.