كل المتردّدين الذين ظنوا بأن ما قام به أشبال جمال بلماضي، في الدور الأول، إنما هو سحابة تألق عابرة، انضموا إلى رافعي قبعتهم لمنتخب لم يعد محارب صحراء فقط، وإنما مرعب المنافسين، في سهرة في العاصمة المصرية القاهرة أمام منتخب محترم، حاول أن يسير على خطى المنتخبات التي فاجأت مثل بينين وجنوب إفريقيا ومدغشقر، ولكنه تفاجأ واصطدم بمنتخب لا يشبه المغرب ولا مصر ولا الكونغو الديمقراطية، كتم أنفاسه وبدا غير مستسلم لثانية واحدة من الخمول. قدم المنتخب الوطني سهرة الأحد ضمن مباريات ثمن النهائي، واحدة من أجمل المباريات التي لعبها في تاريخه في كأس أمم إفريقيا، وجمع أربعة انتصار له، ليصير المنتخب الوحيد الذي فاز بأربع مباريات، والوحيد الذي لم يتلق هدفا على مشارف ربع النهائي، ولا تكمن قوة المنتخب الوطني في فنيات لاعبيه فقط، حيث تابعنا بعض اللقطات الفنية الراقية والممتعة، وإنما أيضا في لعبه ككتلة معنوية جنبا إلى جنب، بالرغم من أن تأخر تسجيل الهدف الثاني إلى غاية الشوط الثاني، جعل اللاعبين يقعون في فخ الإنهاك البدني الذي قد يجعل جمال بلماضي في لقاء ربع النهائي في مدينة السويس، التي تطل على البحر الأحمر، مجبرا على توظيف تشكيلة أساسية مغايرة للكتيبة التي لعبت مباراة غينيا، فقد خفتت بطاريات يوسف بلايلي بشكل كبير في الشوط الثاني، وأصيب محرز وبن ناصر وحتى المدافعين بالإرهاق، ويبقى وارد أن نرى في التشكيل الأساسي في المباراة الثالثة التي ستلعب في مدينة ساحلية، وناس أو براهيمي أو مهدي عبيد أو جميعهم كأساسيين، في لقاء سيكون شعاره بلوغ دور نصف النهائي والعودة إليه بعد غياب يعود إلى بطولة أمم إفريقيا في سنة 2010 في انغولا. إلى غاية المباراة الرابعة، مازال منافسو الخضر برغم مرور 360 دقيقة يبحثون عن فرصة حقيقية من انفراد أو من استغلال لخطأ في الدفاع، ولا يعود ذلك لكون اللاعبين الذين يشكلون خط الدفاع متميزين بالدرجة الأولى، وإنما لأن طريقة لعب جمال بلماضي هي التي تساعد المنتخب الوطني على تحجيم ما يقوم به المنافس من جهد، كما حدث في مباراة غينيا، حيث دافع عدلان قديورة ويوسف بلايلي وحتى رياض محرز أكثر من المدافعين، فقد عجز مرارا يوسف عطال في تعطيل مهاجمي غينيا ولكنه في كل مرة يجد عيسى ماندي منقذا له وللمنتخب الوطني، وارتكب أيضا عيسى ماندي بعض الأخطاء ولكنه وجد السند من المدافعين ومن خط الوسط، ولو لعبت مباريات أمم إفريقيا في أجواء مناخية أحسن، لكان المنتخب الوطني قد فاز في المباريات الأربع بحصص تهديفية مضاعفة، لأنها كانت ستساعده في نقل هجماته الجماعية من الدفاع إلى الهجوم بطريقة أدق وأسرع. الرائع في المنتخب الوطني، أن كل المدربين الذين واجهوا الخضر لحد الآن كانوا يحذرون من مهاجم سفاح يدعى بغداد بونجاح، ومرّت الآن أربع مباريات، وتمكن الخضر من تسجيل تسعة أهداف كاملة وفي رصيد بغداد بونجاح هدف واحد، بضربة جزاء، ومازال يحتفظ بتمريرة حاسمة فقط، بينما سجل إسلام سليماني الذي لا يمتلك أي حظ ليكون أساسيا في المباريات الثلاث المتبقية إن تأهل الخضر إلى النصف النهائي، هدفا وقدم تمريرتين حاسمتين، كما سجل رياض محرز هدفين وسجل آدم وناس ثلاثية وقدم تمريرة حاسمة وقدم بن ناصر تمريرتين حاسمتين وسجل يوسف بلايلي هدفين وقدم سفيان فيغولي تمريرة هدف السنغال، وتمريرة أخرى من يوسف عطال الذي ساهم أيضا في الهدف الوحيد الذي سجله بغداد بونجاح بالتسبب في ضربة الجزاء التي استهل بها رفقاء رياض محرز مهرجانهم التهديفي الكبير. أي منتخب سيواجه الخضر في قادم الأيام وحتى بعد نهاية بطولة أمم إفريقيا سيدرك بأن الخطر سيأتيه من كل مكان، فقد جانب رامي بن سبعيني تسجيل أجمل هدف في الدورة من مقصية عندما كان الخضر متعادلين أمام غينيا، وأكد مرة أخرى يوسف عطال بأنه وجع رأس بالنسبة للمدافعين وللمهاجمين بانطلاقته الهجومية، التي وجد إلى جانبه فيها رياض محرز الذي منح في لقاء السنغال فرصة انطلاق فيغولي ومنحها مرة أخرى ليوسف عطال، فمكّن الخضر من تسجيل ثلاثة أهداف كانت عبارة عن تحف تدلّ على أنها نتاج ورشة عمل تؤتي أكلها مهما كانت قوة المنافس. وإذا واصل المنتخب الوطني عمله بهذه الطريقة وهي التنويع على مدار تسعين دقيقة في صناعة اللعب من الكرة الطويلة التي منحت هذا العدد من الفرص أو الاعتماد على الفرديات أو العرضيات وبتنويع أيضا صانعيها من اللاعبين فإن مشكلة العناصر المشكلة للفريق لن تطرح نفسها، وحتى لو عاد للتشكيلة الوطنية، بن طالب وغزال وبن رحمة وسوداني وبلفوضيل وبودبوز وهني وعبداللاوي ودرفلو وغلام وتايدر، فإن الأمر لن يتغير، مادام المنتخب قد وجد ميكانيزماته، ويصبح ما يقدمه كل لاعب على الميدان هو جواز سفره للعب كأساسي، خاصة إذا حقق الخضر ما صاروا مرشحين له وهو التتويج باللقب القاري من أرض مصر. ب.ع