فرحة المنتخب الوطني هذه المرة كانت مكتملة وكاملة، فالمدرب جزائري واللاعبون جزائريون والطاقم الفني جزائري، فكان النصر جزائريا، وثبت الآن أن الجزائر ليست بحاجة إلى استيراد “محاربين” من هنا وهناك، بل كانت عملية الاستيراد في كثير من الحالات والتجارب فأل شرّ تكبد الجميع خسائر تلو الأخرى، عدا الأجنبي الذي قبض ثم سافر، مستقيلا أو مقالا! لا أحد يمكنه أن يشكّ أو يشكّك في الكفاءة الجزائرية، وقدرة الجزائريين وبراعتهم وإبداعهم في إحراز الانتصارات، وليس الفوز بكأس إفريقيا للأمم، في طبعته بأرض الفراعنة، سوى نموذج فقط من نماذج جني الغلة والمحصول ضمن الأطر القانونية والأخلاقية، التي لا تجدها إلاّ عند الذين يؤمنون بالنصر ويكفرون بالهزائم! فرحة الجزائريين كانت عارمة، ومبرّرة في نفس الوقت، فقد طردوا “وجوه الشرّ”، أو دفعوهم إلى السقوط، عن طريق حراك سلمي دوّخ العالم أجمع، وأثبت لهؤلاء وأولئك بأن الجزائري فعلا “زوالي وفحلّ”، لا ينتفض، ويحتمل إلى ما لا نهاية مستلهما من صبر أيوب، لكنه عندما “ينفجر” فإنه من أجل التغيير الهادئ والموزون والمدروس لفائدة البلاد والعباد! انتصار المنتخب الوطني، هو برأي متفائلين ومخضرمين، امتداد لانتصار “فخامة الشعب” في مسعاه منذ 22 فيفري من أجل بناء “الجزائر الجديدة”، التي تحطم “الصنم” وتزيح عبدة “الكادر” وتفضح المفسدين، وتردّ الحقوق لأصحابها، وتعيد الاعتبار للمقصين والمهمّشين والمبعدين، وتقرّ بالقانون، ميثاقا وحيدا للإنصاف والمساواة بين الناس! حلاوة النصر تكتمل عندما تكون نشوة مشتركة، وتحقيقا تصنعه روح المجموعة، وهذا ما توفر هذه المرّة في “كان” القاهرة، الذي كان بطعم آخر، لم يألفه الجزائريون منذ 29 سنة، وقد كان الجسر الجوي المدني والعسكري، بمجموع 28 طائرة، ذلك الملح والسكّر الذي أنتج اختراعا جميلا لا تنتجه إلاّ أنامل وعقول جزائرية! الاحتفالات بالنصر، في ولايات الجمهورية، وعبر عواصم غربية كبرى، كانت هي الأخرى صناعة “ماد إين ألجيريا”، وأثبت الجزائريون هنا وهناك، أنهم من طينة الأحرار والشهداء الأبرار، لا يستسلمون، ينتصرون أو يستشهدون.. وهو ما أثبته رجال ونساء وأطفال، في الشوارع والساحات العمومية، وجعل العالم يتفرّج لهذه الظاهرة التي لا تتكرّر كثيرا! العبرة ليست بأيّ حال من الأحوال، في التوقف عند نشوة الاحتفال بالنصر و”المحاربين”، ولكن في كيفية الحفاظ على هذا النصر وتكريم هؤلاء المثابرين.. وفي جدوى نقل النصر الكروي إلى انتصارات مماثلة وأفراح متطابقة، في السياسة والاقتصاد والتربية والعلوم والأخلاق وحبّ الوطن، ولن يكتمل ذلك إلاّ باستنساخ محاربين في كلّ القطاعات والمجالات، من أجل تكرار الأفراح والإبقاء على الليالي الملاح!