عجيب شأن زمن وصلنا إليه سوَّق فيه الإعلام المضلل في أفكار عامة المقهورين على ضفاف النيل أن الكرامة يحتويها جلد منفوخ، وأن الفوز به ارتقاء لأعلى عليين، والخسارة فيه سيهوي بمرتكبه أسفل سافلين، وإن كنت لائما فالملوم بدرجة أولى نخبة زعمت أنها تفكر في مكان الثمانين مليون نسمة، التي نزلت نسبة عظمى منها تحت خط الفقر، الذي عد في الأدبيات الدينية أخو الكفر، وفي أدبيات الاجتماع صنو المذلة وفقدان العزة والكرامة التي خص بها بنو البشر، هذه النخبة التي تلاعبت بالعقول وظنت أنها ستستبدل بما تعيشه المجتمعات التائهة من بطالة وعوز وحرمان ومذلة، واحتياج لأدنى متطلبات الحياة فوزا وهميا في مقابلة كروية، هو الذي سيبدلها من بعد الخوف أمنا ، ومن بعد الحاجة اكتفاء، ومن بعد العيلة غنى. أفهم أن الرياضة أداة للترويح والفرجة لشعوب كابدت واشتغلت ليلها والنهار، فهي تستمتع بفنيات وتقنيات يؤديها شبابها الموهوبون في ميدان كهذا، وقد تكون في النهاية تتويجا لانتصارات سبقتها في ميادين هي الأهم والأصل في الصمود والبقاء، فما لشعوب جمعت يديها، وجلست القرفصاء أو ثنت رجلا على أختها، وأقامت الدنيا ولم تقعدها حين فشلت في التأهل لكأس العالم، ومااهتزت لها شعرة لهزائم اقتصادية وحضارية وعسكرية و... متتالية. وكنت والله متمنيا الانتصار لفريقنا ودافعي لحب الانتصار هذا شيئان : 1- عاطفة تتحرك وتتحرق لوطن شهد هزات وارتدادات وما خرج من استعمار حتى سقط في إرهاب أعمى أهلك الحرث والنسل، وفرحا موزونا بفريق شاب واعد ينتظره الكثير إن شاء الله، أرانا نماذج مبدعة في التضحية والصبر حتى النفس الأخير، وقد يكون من أحسن الأمثلة التي يحتذيها الآخرون العاملون في ميادين شتى، كما علم وألهم الجم الكثير بأمثلة واقعية حية أن النصر والراحة لا ينالان إلا عبر جسر من التعب، وأن مدمن القرع للأبواب سيلجه إن عاجلا أو آجلا. . 2- وثانيا حتى لا يستغل فوز الإخوة المصريين من فلان وعلان لإبقاء الجماهير مخدرة، وكأن هذا الانتصار هو المسكن للآلام التي يعانيها، وهي الفرصة المعدودة من ذهب، فإن لم تقتنصها وتستغلها بمكر وخبث فر الحكم عنك وذهب. خدعوكم وماصدقوا وضللوكم عن قصد السبيل، فما لكرة والكرامة سوى اشتراك في حروف الكاف والراء والتاء، وماعدا ذلك فلا يلتقيان إذ بينهما برزخ لا يبغيان، وإلا كما أراد السوفسطائيون إيهام ضعاف العقول أن الحق يمكنه أن يتحول باطلا والعكس، وليس في هذه الدنيا قواعد ناظمة ضابطة، ولؤم أن ينفخ فيها أشقاها ليبعد بين الشعبين ، وغباء أن يستجيب المتواجدون في حقل التجارب لهذه المكائد والدسائس، فما يجمع أكثر مما يفرق ومايضم أعظم مما يشتت، وإن بغوا كرامة حقيقية فالالتفات إلى مصلحة الشعب ونبذ الاستبداد وتوفير فرص الحياة الكريمة أولى بكثير من اقتناص النصر الموهوم وسحبه على باقي مناحي الحياة، وبخاصة إذا لعب الحظ معك في هذا النصر لعبته، وصار الحكم خاتما في يد الفراعنة المجيدين للتمثيل والسحر. إذ تلك حيلة النوكى والضعاف والمخادعين في هذا العالم. وأعظم شيء يبهرك هو الوقفة الكريمة لشعب تشم من أفراده رائحة الرجولة التي تأبى أن تفرح للانتصار، وتظهر الشماتة أو النقد الجارح إثر العثرة والانكسار، حتى لقد غدا فريقه الشاب هذا وكأنه أحد مكونات تنضاف لأساسيات مكونة لعناصر التعريف بالجزائر وشعبها.