بدأ قطار الحوار يستقيم على السكة، غير أن العقبات تبدو أكثر مما كان متوقعا.. ففي الوقت الذي ينتظر فيه المراقبون موقف الطبقة السياسية من تشكيلة اللجنة التي أعلنت عنها الرئاسة، جاء تأكيد أحد أعضاء هذه اللجنة (فتيحة بن عبو) بأن اللجنة سوف لن تقصي أحدا، ليطرح أكثر من تساؤل حول فرص نجاح هذا الحوار. تأكيد اللجنة بأن جميع الفرقاء السياسيين معنيون بمبادرة الحوار، يبرز إلى الواجهة مشكلة تبدو عويصة على الحل، وهي مسألة إسهام أحزاب التحالف الرئاسي السابق (حزب جبهة التحرير الوطني، حزب التجمع الوطني الديمقراطي، حزب تجمع أمل الجزائر “تاج”، وحزب الحركة الشعبية)، في الحوار الموعود. أحزاب المعارضة ومنظمات المجتمع المدني التي اجتمعت في السادس من الشهر الجاري في إطار “منتدى الحوار”، ووقعت على ما بات يعرف ب “أرضية عين بنيان”، كانت قد وضعت على رأس شروط انخراطها في الحوار الذي دعت إليه رئاسة الدولة، استبعاد كل من أفسد الممارسة السياسية، وخصت بالذكر الأحزاب السالف ذكرها (التحالف الرئاسي). مبرر الموقعين على “أرضية عين بنيان” في رفض إشراك أحزاب “التعالف” كما يحلو للبعض تسميتها، في الحوار، نابع من موقف يتناغم مع مطالب “الحراك الشعبي”، التي رفعت في مختلف المسيرات، والتي تمحورت في عمومها حول استبعاد الأحزاب الأربعة، باعتبارها ساهمت في إغراق البلاد في الأزمة الراهنة، بسبب وقوفها إلى جانب الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، في مختلف العهدات الأربع، وأكثر فجاجة العهدة الخامسة، التي كانت السبب الرئيسي والمباشر في انفجار الشارع، فضلا عن مختلف المشاريع السياسية الفاشلة. ومعلوم أن قادة أحزاب “التحالف الرئاسي” (سابقا)، كلهم موجودون خلف قضبان المؤسسة العقابية بالحراش، بداية من أمين عام حزب جبهة التحرير الوطني سابقا، جمال ولد عباس، وأمين عام حزب التجمع الوطني الديمقراطي سابقا، أحمد أويحيى، ورئيس حزب الحركة الشعبية، عمارة بن يونس، ورئيس حزب تجمع أمل الجزائر “تاج” سابقا، عمار غول. كل ما يجمع بين هذه الشخصيات الأربعة، أنهم لم يكونوا مجرد رؤساء أحزاب، بل كانوا أسماء بارزة في حكومات بوتفليقة المتعاقبة، فأويحيى كان وزيرا أولا، وبن يونس كان وزيرا للتجارة، الأشغال العمومية وقبله وولد عباس كان وزيرا للتضامن الوطني، والصحة والسكان، وعمار غول تنقل بين العديد من القطاعات الوزارية (الصيد البحري والموارد الصيدية، الأشغال العمومية، السياحة)، وهو ما يدين أكثر هذه الأحزاب، ويعزز وجاهة مطالب الموقعين على “أرضية عين بنيان”. إذن الشرط واضح، والأزمة لا تحتاج إلى أنصاف حلول بل إلى قرارات حاسمة، فبمن ستضحي السلطة؟ هل بأحزاب المعارضة التي تعتبر شريكة للحراك الشعبي في مطالبه؟ أم بأحزاب الموالاة التي كانت سببا في انفجار الشارع؟ التجارب السابقة وعلى رأسها دول الجوار، تونس مثالا، تؤكد أن أفضل حل لإخراج البلاد من الأزمة، هو استبعاد الأحزاب والشخصيات التي كانت سببا في الأزمة الراهنة، مثلما حصل مع الحزب الدستوري الديمقراطي، للرئيس التونسي المخلوع زين العابدين، وهي الإجراءات التي أوصلت تونس إلى الحالة الديمقراطية التي تعيشها حاليا. الاستئناس بالتجارب المماثلة يحتم على لجنة الحوار استبعاد كل من كان سببا أو طرفا في الأزمة، وهذا من شأنه أن يضمن حضور معارضة تمثيلية، على غرار أنصار “أرضية عين بنيان”، كما أن تغييب الأحزاب التي شاركت في تفجير الأزمة الراهنة، لا يساهم فقط في إنجاح الحوار، بقدر ما يساهم أيضا في إشاعة انطباع لدى الرأي العام و”الحراك الشعبي” على وجه التحديد، بوجود إرادة سياسية جادة لدى في الذهاب إلى تنقية المشهد السياسي من الأطراف التي ساهمت في إفساد الممارسة السياسية على مدار نحو عقدين من الزمن.