كانت استقالة أحمد أويحيى، نقطة فارقة في مسارات حركات التقويم والتصحيح الجارية في عدة أحزاب، فتحت الباب واسعا أمام توارد القراءات والاجتهادات في خلفيات الحراك السياسي وأبعاده، ومدى اعتبار ما حدث ويحدث إسقاطا مباشرا لحسابات رئاسيات 2014، لإعادة توجيه أو رسكلة الساحة السياسية، وتقديم واجهة مغايرة تترجم شكليا التغيير المطلوب، الذي زادته "ثورات الربيع العربي" حدة وعنادا، غير أن ولاء الأحزاب الفاعلة لخيارات السلطة إلى حد يجعل من الفصل بينهما مهمة مستحيلة، وعلى رأسها أحزاب التحالف الرئاسي المعنية أكثر من غيرها، يضع موضوعية الجزم بهذا الارتباط الظرفي فيه الكثير من الشبهة. وقد أجمعت مداخلات ضيوف "ندوة الشروق" الناشطون في تقويميات الأحزاب، على أن الحراك السياسي الحاصل، والذي يعصف بقيادات التحالف الرئاسي، خاصة وأن سقوط أحمد أويحيى يؤشر إلى تهاوي الباقي كحبّات الدومينو، وأن الدور التالي على بلخادم، ثم أبو جرة، أو هكذا يبدو للجميع، حراك حقيقي نابع من الداخل الحزبي المتعفّن جراء ممارسات التهميش والإقصاء والانفراد بتسيير شؤون الحزب، بل واستفحال مظاهر الفساد المالي والسياسي إلى حد أصاب الأنوف بالزكام والتقيؤ، الأمر الذي أفرغ الأحزاب كمؤسسات سياسية من محتواها ومهمتها الأساسية في صناعة حاضر ومستقبل الأمة، من خلال تراجع أدائها وتقزيم دورها الحيوي في توجيه صياغة القرار الوطني داخله وخارجه، وتحولها إلى رديف وتابع سلبي للسلطة، همه إرضاؤها والانخراط في مشاريعها، من دون تقديم أي إضافة أو بديل . وأكدت المداخلات أن الكلام عن تورط السلطة، أو رئيس الجمهورية شخصيا، فيما يحدث من حراك في الأحزاب الفاعلة، مجرد اتهام لا أساس له، وتبرير للفشل الذريع الذي يلاحق القيادة المطاردة من القاعدة، أو حصان يركبه البعض من الوصوليين والانتهازيين الذين يأكلون من مختلف الموائد لافتقارهم إلى قناعات سياسية أو فكرية أو برامج محدّدة وفق ما تتطلبه اللعبة الديمقراطية، ليصبح الحفاظ على المواقع والمكاسب أهم من أي أمر آخر، معتبرين أن تواصل الأحزاب مع مؤسسات الدولة في قضايا تهم الشعب أمرا طبيعيا، وخاصة مع أحزاب مثل الأفلان والأرندي، لكن لا يصل إلى حد التدخل "السافر" وبهذا الشكل. وبرر هؤلاء قناعتهم، التي يبدو للوهلة الأولى أنها خيالية أو مناقضة للواقع المعيش، بأن إقصاء أحمد أويحيى أو بلخادم أو الإبقاء عليهما، مثلا، لا يغيّر من الوضع أو مشاريع السلطة شيئا، فهما مواليان مهادنان، أكدا دعمهما لترشيح عبد العزيز بوتفليقة، لعهدة رابعة من دون تحفظ، حتى أنهما قررا عدم ترشحهما في حالة ترشح الرئيس، بل بالعكس فإن إسقاطهما من الأجندة السياسية الحزبية أو الوطنية يشوش على رئاسيات 2014، مهما كانت هوية "مرشح الإجماع"، كما أنهما لا يشكلان أي خطر على السلطة أو مؤسسات الدولة وخياراتها الأساسية في حالة ترشحهما، في حين أكد آخرون أن التقويميات، وخاصة في الأفلان والأرندي، ظهرت منذ سنوات جراء استفحال مظاهر الفشل والفساد السياسي ولا علاقة لها برئاسيات 2014. وذهبت المداخلات إلى تحميل النخبة الوطنية مسؤولية حماية إيجابية الحراك السياسي الحاصل، وإبعاده من أي انحراف أو عبث يد أجنبية قصد ركوبه أو استغلاله ظرفيا، أو حتى الإلتفاف عليه أو قبره، ودعت التقويميين إلى الاجتهاد والنضال من أجل تأصيل الفعل السياسي وتكوين نخبة متشبِّعة بثقافة الدولة وتفعيل وتجسيد التغيير الإيجابي على مستوى قيادات الأحزاب، ومن خلالها تغيير أداء مؤسسات الدولة. كما انتهت المناقشة إلى اعتبار الأزمة الأمنية التي مرّت بها البلاد، عاملا قويا يضاف إلى المرجعيات الأساسية التي تحكم المجتمع والدولة، حيث أقنعت مختلف الأخوة الفرقاء داخل الحزب الواحد، أو في عموم الطبقة السياسية، بالاجتماع على طاولة الحوار سلميا، ومقارعة الآخر بالأفكار والإقناع. . الأستاذ عبد العالي رزاڤي: التصحيحيات والتقويميات بدأت بسانت ايجيديو برر عبد العالي رزاڤي، المحلل السياسي والمحاضر بكلية العلوم السياسية والإعلام، الحراك السياسي وانتشار التصحيحيات والتقويميات والانشقاقات، وكل الحركات الاحتجاجية التي تشهدها الأحزاب السياسية، بخلفية التحضير للانتخابات الرئاسية المقبلة. وشدّد رزاڤي، في حديثه عن التصحيحيات داخل الأحزاب السياسية في منتدى "الشروق"، على أن الظاهرة ليست وليدة اليوم، وإنما تعود إلى أيام المصالحة التاريخية في سانت إيجيديو، بين الأفلان والفيس المحل، حيث عاقبت السلطة حزب جبهة التحرير الوطني بقيادة مهري على ذلك، وحوّلت فعاليات من المجتمع المدني إلى حزب سياسي، وهو التجمع الوطني الديمقراطي، الذي كرس فكرة "التزوير للبقاء في السلطة"، حسبه، بعدما كان الأفلان في عهد الحزب الواحد يعتبر بمثابة واقي الصدمات بالنسبة للسلطة، قبل أن يتحول اليوم إلى مبرر للبقاء في السلطة في ظل التعددية الحزبية. ويضيف رزاڤي"وبعدها جاءت مرحلة أخرى لهذا الحراك، بدأت بتفكير السلطة في البحث عن طريقة يمكن من خلالها تشكيل هيئة تجمع عدة تيارات، إسلامية، وطنية، وإدارة وعلمانية، ليستقر بها المقام في تشكيل التحالف الرئاسي، الذي تم تفصيله وراء أبواب رئاسة الجمهورية، ليغلق المجال السياسي لمدة 20 سنة". ويرى رزاڤي أن السلطة بدأت تفكر حاليا في تفعيل حراك سياسي جديد، تقضي من خلاله على جميع الأحزاب التي تعرف بالكبيرة، حركة مجتمع السلم، التجمع الوطني الديمقراطي، وجبهة التحرير الوطني، المشكلة لمرحلة "التحالف الرئاسي"، وهي بذلك تستنسخ تجربة السلطة في عهد الرئيس الأسبق، اليامين زروال، التي أخلطت أوراق الأحزاب الكبيرة، وحرضت المجتمع المدني، وأعلنت عن انتخابات رئاسية مسبقة، يقول رزاڤي. وأكد المتحدث أن السلطة شجعت حركات تصحيحية وشكلت التشريعيات وقودا لها، ليتم استخلافها بأحزاب جديدة، حضرتها مسبقا في إطار موجة اعتماد الأحزاب السياسية، وهي أحزاب تم اختيارها على أساس تمثيل جميع التيارات، حزب يمثل التيار الإسلامي، وآخر يمثل منطقة القبائل والإدارة وآخر التيار الوطني، والتي كانت ممثلة في التحالف الرئاسي. وأوضح رزاڤي، خلال نزوله ضيفا على "ندوة الشروق"، بأنه وبحسب الفكرة السابقة الذكر، فإن تجمع أمل الجزائر "تاج"، الذي يرأسه، عمار غول، سيمثل التيار الإسلامي في المشهد المقبل، وكذلك الأمر بالنسبة لحزب الحركة الشعبية الجزائرية لعمارة بن يونس، الذي سيمثل بحسبه منطقة القبائل والإدارة، وهما الحزبان اللذان استبقا المناداة لعهدة رابعة، دون أن يذكر المتحدث الحزب الذي سيتقمص دور التيار الوطني في المشهد المقبل، مبرزا أن دور هذه الأحزاب سينتهي مباشرة بعد رئاسيات 2014. . جرافة: يستحيل أن تبقى السلطة في منآى عن الحراك السياسي استبعد عز الدين جرافة، منسق"مبادرة لم شمل التيار الإسلامي"، أن يكون الحراك السياسي الموجود حاليا داخل الأحزاب السياسية في الجزائر، من صناعة السلطة، إلا أنه حذر من استغلال هذه الأخيرة لهذا الحراك خدمة لمصلحتها. وقال جرافة في منتدى "الشروق"، "رغم أنه محتشم، إلا أن الحراك الذي تعيشه الأحزاب السياسية في الجزائر طبيعي وله دوافع داخلية"، رافضا أن يكون بإيعاز من دوائر خارجية، إلا أنه تأثر إلى حد بعيد بالحراك الذي تعيشه العديد من البلدان العربية، بحسبه، حيث أعطى هذا الأخير للمناضلين دعما قويا للانتفاضة ضد قادة أحزابهم. ويرى المتحدث أن الحراك السياسي ليس وليد الساعة، وإنما كان موجودا منذ البدايات الأولى للممارسات السياسية، خاصة في التيار الإسلامي بسبب الصراع على الزعامات وتهميش الكوادر، إلا أنه لم يطفو إلى السطح بالشكل الذي يعرفه الناس اليوم، وظل حبيس مؤسسات الأحزاب الداخلية، معتبرا أن الاستبداد في نظام الحكم أنتج استبدادا لدى قادة الأحزاب السياسية، وقال "العلف الذي أكله أو تربى به الجزائريون أنتج ممارسات لا تمت بأي صلة للنظام السياسي المتبني نظريا". وأبرز عز الدين جرافة بأنه حتى وإن كان هذا الحراك السياسي طبيعيا جاء بعد ممارسات داخلية، كالانحراف عن الخط السياسي العام، أو سوء التسيير للمؤسسة الحزبية، إلا أنه لا يعني أن السلطة لا تستفيد منه، مشبها الوضع بالولايات المتحدةالأمريكية والدول الغربية التي تستفيد اليوم من الثورات العربية رغم أنها جاءت بسبب الرغبة في التحرر من الدكتاتوريات. وقال المتحدث "يستحيل أن تبقى السلطة في منآى عن الحراك السياسي، خاصة وأن المسؤولين وقادة الأحزاب السياسية يبحثون عن الريع، كما أنه ليس كل المناضلين يؤمنون بأفكار الأحزاب التي ينتمون إليها. وقال المتحدث أنه إذا كان أصحاب الحراك والتصحيحيات داخل الأحزاب السياسية في المستوى وبأهداف نبيلة، فإمكانهم أن يحيلوا السلطة دون أن تستفيد من هذا الحراك، معربا عن تخوفه من "مساهمة الطبقة السياسية في وأد كل المبادرات والحراك الإيجابي، ومن الممكن الدفاع عنه حتى تصبح ثقافة في المجتمع، لأن التغيير آت لا محالة، ولا مجال للهروب من هذا الحراك. ولكن نتمنى أن تقود النخبة هذا الحراك..وعلى السلطة أن تتجدد أو تتبدد والأحزاب مطالبة بذلك أيضا". . عصماني: الجزائر لم تصل بعد إلى الدولة المدنية قال لمين عصماني، أحد القياديين الذين انقلبوا على موسى تواتي، رئيس الجبهة الوطنية الجزائرية، والوافد الجديد على الحركة الشعبية الجزائرية لعمارة بن يونس، بأن الجزائر بعد 50 سنة من الاستقلال لم تتمكن بعد من بناء الدولة المدنية. ويرى عصماني أن الأحزاب السياسية التي تعجز عن إنتاج رموز شخصية بإمكانها قيادة الجمهورية بعد 20 سنة من التعددية السياسية، لا تستحق تسميتها أحزابا، بل لا زالت كجمعيات ذات طابع سياسي، وأضاف يقول "كل الأحزاب السياسية دون مستوى تاريخ الجزائر، إلا أنه لم يحمّل السلطة مسؤولية هذا الوضع صراحة". وأضاف أن أحزاب المعارضة كلها تنادي بالتداول السلمي على السلطة، وهي لم تغير قادتها ورؤسائها منذ تأسيسها، مرجعا ذلك إلى عدم احترام القوانين الأساسية والنصوص التنظيمية في هذه الأحزاب السياسية، ما حوّلها إلى أحزاب أشخاص وليس أحزاب سياسية، كما أضاف في السياق ذاته أن الجزائر تمكنت من بناء الدولة الثورية ثم الدولة الوطنية، إلا أنها لم تصل بعد إلى الدولة المدنية. . لرجان صليحة: بلخادم ساهم في تكريس الرداءة والعزوف الانتخابي قالت لرجان صليحة، عضو اللجنة المركزية لحزب جبهة التحرير الوطني، أن تجربة التعددية السياسية في الجزائر فتية، وحملت الأمين العام للأفلان مسؤولية تراجع الوعاء الانتخابي، وأكدت لرجان أن التعيين في المناصب يتم بالمحاباة وليس بالنضال والإخلاص لقيم الحزب. واعتبرت المتحدثة أن هناك تراكما في تعداد المترشحين، غير أن الحزب لم يقدم في قوائمه الانتخابية من يمتازون بثقة الشعب، وأضافت "الحزب لم يعد بإمكانه تحضير نخب قوية، حيث أن المرحلة الأخيرة التي قادها بلخادم لم يعتمد فيها على كفاءات الحزب ممن لديهم تأهيل علمي، ما ساهم في عزوف المواطنين عن الفعل الانتخابي". . مسعي البيضاء: لقد أتعبنا كثيرا الأمين العام وحاشيته قالت، مسعي البيضاء، عضو اللجنة المركزية لحزب جبهة التحرير الوطني، إن طينة الأمين العام للحزب منفردة، لتعنته وتشبثه بالقيادة رغم محاولة التغيير التي تطورت إلى رغبة جامحة للإطاحة به، لدرجة أنها سردت مقولة مناضل من تيارت، مسقط رأس بلخادم، وقالت "نجهل من أين أتى بلخادم، لازلنا نبحث عن تاريخه إلى حد الساعة". وأفادت المتحدثة بأن "بلخادم أفرغ الآفلان من محتواه البشري وأهدافه وبرنامجه، في وقت يملك الحزب خزانا يكفي لتمثيله وطنيا ومحليا، ونتائج الانتخابات الأخيرة دليل على التركيبة الحالية، ولا تعكس صورة الحزب في المجالس المحلية والوطنية"، وأضافت "أحمل بلخادم مسؤولية هذه الجريمة ومن شاركه فيها من حاشيته"، وختمت قولها "لقد أتعبنا كثيرا". . رفض فرضية المخابر والعصب في استقالة أويحيى ويؤكد: زيتوني: "السي أحمد تشبث بكرسيه إلى آخر لحظة" عدم تجدد الخطاب وانتفاع قيادات ولّد فسادا ماليا وسياسيا غير مسبوق يرفض عضو لجنة إنقاذ حزب التجمع الوطني الديمقراطي، الطيب زيتوني، القراءة المقدمة حول خلفيات استقالة الأمين العام للحزب، أحمد أويحيى، والتي تقول بأن لرئيس الجمهورية، عبد العزيز بوتفليقة، اليد الطولي فيما حدث لقطع الطريق عليه في سباق رئاسيات 2014، مع عدم استبعاد إحداث الاستقالة تأثير على الرئاسيات، ويرد على الطرح السابق بالقول "ما حدث حراك طبيعي إيجابي. لم نكن أبدا أداة تحركنا مصالح أو مخابر خارج دائرة الحزب". ويصر الطيب زيتوني، رئيس بلدية الجزائر الوسطى السابق، على عدم وجود أية قوة خارجية دفعت باتجاه عملية الإطاحة بالأمين العام للحزب، أحمد أويحيى، الذي رمى المنشفة الخميس الماضي في استقالة مفاجئة لمناضلي الحزب وللرأي العام لاتزال تسيل الكثير من الحبر والقراءات، ويقدم زيتوني، الذي كان أحد الوجوه الأولى التي أعلنت معارضتها لاستمرار أويحيى على رأس الحزب وقبل "إقالته" من الحكومة، القراءة التالية "ما حدث داخل الأرندي هو حراك طبيعي ايجابي أتى بتغيير ايجابي.. أما القراءة التي تروج الى أن هنالك دوائر في السلطة حركتنا فهذه قراءة غير صحيحة وسلبية"، تقزم وتقوض ما حدث. ويشرح الطيب زيتوني، في مناقشته لموضوع "الحراك السياسي.. خلفيات وأبعاد"، في "ندوة الشروق"، الظرفين اللذين يحدثان التغيير، الأول في حالة انغلاق سياسي، والثاني في حالة الانفتاح السياسي، كما الوضع الذي تعيشه الجزائر حاليا، وإسقاطا على حالة الحزب الذي تأسس سنة 97 في ظرف استثنائي ميزته العشرية السوداء، ولذلك لم يعرف الانتقال إلى وضع هادئ بمبرر إيجاد مخرج للأزمة التي عرفتها الجزائر، ومع تغير الظروف التي تحولت إلى ما يعتبره زيتوني "ارتياحا سياسيا واقتصاديا واجتماعيا بفضل الرئيس بوتفليقة"، الأمر الذي استلزم إحداث تغيير ايجابي عن طريق "التنافس بالأفكار لا السلاح"، حيث أن أطروحات الحزب الاستئصالية لم تعد ذات قيمة بعد إرساء ميثاق السلم والمصالحة، وكذلك الحال مع المديونية. ويعدد زيتوني أسبابا أخرى كانت دافعة له وللنواة الأولى لحركة إنقاذ الأرندي، مثل حالة الجمود التي عرفها الحزب منذ عام 2007 وعدم تجدد خطابه وأفكاره وانتهاز الفرصة من بعض القيادات للانتفاع، الأمر الذي ولّد حالة من الفساد المالي والسياسي غير المسبوقين، للقول علنا "يجب وقف ما يحدث". وفي سؤال متعلق بقدرة مناضلين مثله ومثل نورية حفصي وبلقسام بن حصير، على مواجهة شخص بنفوذ أحمد أويحيى، الذي انسحب بعد مواجهة لم تدم أكثر من 9 أشهر، في حين عجزت تقويمية الأفلان بثقل أفرادها على هز "جذور" بلخادم، يرد زيتوني "لقد تحلينا بالشجاعة فقط لكسر الخوف، ولما فهم أويحيى وجماعته يشير إلى 3 أشخاص من المكتب الوطني - أنه لم يعد لهم مكان ولا سند في الحزب، قدم استقالته"، ولم ينف وجود سند من شخصيات موصوفة بالثقيلة في عملية إزاحة أويحيى، ومن ذلك الدور الذي لعبه الجنرال بتشين، وإن حرص زيتوني على التأكيد أن بتشين كغيره من حركة إنقاذ الأرندي والوزراء الحاليين في الحكومة الذين انقلبوا على أويحيى في ربع الساعة الأخير. وكشف زيتوني ان أحمد أويحيى بقي متشبثا بكرسيه إلى آخر لحظة، ودليل ذلك الوسطاء الذين بعث بهم قبل استقالته بأسبوع ليدعو حركة إنقاذ الأرندي إلى طاولة الحوار والاتفاق على لجنة موسعة لتسيير الحزب "مديرية" وتفادي التصادم، ليؤكد زيتوني أن قضيتهم لم تكن شخصية مع أويحيى. . بينت أسباب دفعه إلى الرحيل مقارنة مع تقويمية الأفالان، نورية حفصي: "لو كان للرئيس دخل في استقالة أويحيى لعينني في مجلس الأمة" تذكر عضو لجنة انقاذ الأرندي، نورية حفصي، سببين اثنين لتفسير سرعة رضوخ أحمد أويحيى لمطالب التقويمية، مقارنة بما يحدث في الأفلان، قائلة "كنا أكثر تنظيما وفاعلية عن نظرائنا في الأفلان، ويمكن ان تكون شخصية أويحيى مختلفة عن شخصية بلخادم". وتستبعد ضيفة "ندوة الشروق" نورية حفصي، التي دفعت بمعارضة أويحيى إلى الواجهة منذ التشريعيات الماضية، أي دور للرئيس بوتفليقة في استقالة احمد أويحيى، وتعلق على القراءات تلك "لا أظن ان الرئيس هو من أرغم أويحيى على الاستقالة أو أن هنالك صراع عصب في دوائر السلطة كان أويحيى ضحية له"، وتضيف للدلالة على "براءة" بوتفليقة من استقالة أويحيى "لو كان الأمر كذلك او دفعت لمواجهة أويحيى، لكان الرئيس قد عينني في مجلس الأمة كعضو عن الثلث الرئاسي"، تكريما وعرفانا، وتقدم المتحدثة الوصفة الوحيدة التي عجلت برحيل أويحيى "لقد كنا أكثر فعالية من تقويمية الأفلان". وتنفي المتحدثة كذلك ارتباط ظهور حركة إنقاذ الأرندي، برئاسيات 2014، وتقول "لما بدأت الحركة، لم يكن في ذهني الرئاسيات أبدا ولم يتصل بي أحد في ذات الشأن.. تحركنا كان مرده واقع معين داخل الحزب، لقد كان وضعا كارثيا، فالتسيير كان انفراديا والفساد عم واستشرى". وتنتهي نورية حفصي لتعمم حكمها على كافة الطبقة السياسية، وتصفها بالغائبة التي لا تستفيق سوى في الاستحقاقات، ولم تتردد في اتهام الأداء الحالي لحزبي السلطة، الأفلان والأرندي، بتشويه صورة الجزائر بدل تقديم صورة ناصعة وايجابية، كما حملتهما مسؤولية الوضعية الكارثية للمؤسسات المنتخبة، قائلة "إن منتخبي الأرندي منتخبون فاسدون، ولا يستحقون تلك المواقع". . قال إنها تعمل على تنحية وجوه قد تعرقل مجريات العرس حديبي: السلطة تبحث عن ديكور جديد لرئاسيات 2014 70 بالمائة من الشعب يتأطر خارج المؤسسات وسينفجر بعد 15 سنة قال محمد حديبي، النائب السابق والمتحدث باسم حركة النهضة، أن الحراك السياسي داخل الأحزاب السياسية هو عمل مخابر السلطة بهدف توجيه الرأي العام لدخول رواق محدد لإعداد واجهة معينة يتقبلها الشارع في رئاسيات 2014. وأكد محمد حديبي، في "ندوة الشروق" "أن السلطة أخمدت من خلال الحركات التصحيحية داخل الأحزاب السياسية طموحات جميع الشخصيات التي أعلنت عن نيتها في السعي للوصول إلى قصر المرادية، قبل أشهر معدودة من رئاسيات 2014، وهي يقصد السلطة تعمل على صنع ديكور جديد لعرس مقبل وتنحية وجوه قد تعرقل مجريات العرس". وأضاف المتحدث في رده على سؤال محوري حول حقيقة الحراك الذي تشهده عديد الأحزاب السياسية، وبلوغه طفرة لم تحدث من قبل بعد استقالة أويحيى، بأن السلطة أرادت أن تسوق للرأي العام الداخلي والخارجي، أن المشكل في الجزائر يكمن في الأحزاب السياسية وليس في نظام الحكم، وبالتالي لا بد من ربيع عربي خاص بالأحزاب السياسية، وهي بذلك تعمل على تأكيد "الجزائر استثناء". وتابع ضيف "الشروق" أنه بعد 50 سنة من الاستقلال نفس الجهة السلطة الحاكمة هي التي قررت تبني الخيار الاشتراكي كتوجه اقتصادي للبلاد، وهي نفس الجهة التي قررت الانفتاح الديمقراطي، وهي نفس الجهة التي تميع الآن الممارسة السياسية، بإحداث ربيع عربي داخل الأحزاب السياسية. وشدد حديبي على أن السلطة ميعت حتى عمل المعارضة بجميع أشكالها، حيث شككت بوسائلها في وطنية المعارضين لها، وأصبحت المعارضة مقرونة بالعمالة للخارج، ما يعني، حسب حديبي، أن صك الوطنية وصك حب البلاد في يد السلطة توزعه على من تشاء، موضحا أن هذه الممارسة خاطئة وتضر بالسلطة ذاتها، لأنها تفتقر إلى من يبرز عيوبها، فالمعارضة قوة وليس ضعفا. وقال النائب السابق بحركة النهضة، محمد حديبي، أنه بعد 50 سنة من الاستقلال و20 سنة من التعددية الحزبية، 70 بالمائة من الشعب الجزائري لا يؤمنون بالممارسة السياسية، وتساءل بقوله "أين يؤطر هذا الشعب؟"، قبل أن يجيب "أكيد، أنه يؤطر خارج المؤسسات الرسمية وسينفجر الوضع بعد 15 سنة!". ويرى حديبي أن البلاد تعيش مرحلة انهيار القيم والمعايير، وأصبحت ثقافة التعيين أقوى من ثقافة الانتخاب، حيث "يتفرعن"، كما قال، المعينون على المنتخبين، قبل أن يضيف "على الذي يرعى العملية الديمقراطية أن يكون مؤمنا بالديمقراطية"، في إشارة منه إلى السلطة التي لا تؤمن بالديمقراطية، حسبه. . اتهمه بالرشوة والجهوية وشراء الذمم، الهادي خالدي: بلخادم تعنّت وجاهر بالفساد أكد، الهادي خالدي، الوزير السابق والقيادي في الحركة التقويمية لحزب جبهة التحرير الوطني، أن الفساد أصاب الحزب العتيد ونخر هيكله التنظيمي، واعتبر أن الفساد لا يتجسد في قضية الرشوة فقط، بل يشمل عدة أوجه، وهو ترجمة لعدة مظاهر اجتماعية من محسوبية ورشوة وجهوية وشراء ذمم. وأفاد خالدي، في "ندوة الشروق" حول تصعيد الحراك السياسي داخل الأحزاب، بأن الحركة التقويمية للأفالان لديها عقيدة سياسية وليست مرتبطة ببرنامج رئيس الجمهورية فقط، معتبرا أن الانحراف عن إطار الجبهة وتفشي الفساد وراء خروجهم عن توجهات القيادة الحالية، مضيفا "لم نكن نطالب برأس عبد العزيز بلخادم، وإنما باحترام منهج الحزب ومنطلقاته الفكرية، ولكنه تمادى في التعنت والمجاهرة بالفساد، ما جعلنا نطالب باستقالته". واتهم خالدي الأمين العام للحزب، عبد العزيز بلخادم، بدّس 100 عضو في اللجنة المركزية للأفلان، قال إنهم أقحموا خلال المؤتمر دون وجه حق يؤهلهم لنيل العضوية، وقال المتحدث أن معيار انضمامهم الوحيد هو الولاء المطلق، واستعمالهم لاحقا تحسبا لبروز حركة تصحيحية مثلما ما هو حاصل، اليوم، مضيفا "الأمين العام استخلص العبرة من تجربة عبد الحميد مهري وبوعلام بن حمودة، وقام بوضع 100 عضو في اللجنة المركزية لمساندته، كما رشح في البلديات والولايات أشخاصا لا علاقة لهم بالحزب، دون الرجوع إلى عقد لجان ترشيح واستشارة أو جمعيات بلدية أو ولائية، نتحداه أن يبرز أي محضر في هذا الشأن". وفي سياق نفيه لارتباط ما يحدث برهان رئاسيات 2014 أو تعديل الدستور دون غيرها من الاعتبارات، أوضح الهادي خالدي، العضو الجديد في مجلس الأمة عن الثلث الرئاسي، أنه لا يمكن الحديث عن العمل السياسي في الجزائر دون التطرق للتغيرات الحاصلة في العالم، وقال إن الحزب السياسي هو مؤسسة تعمل على المحافظة على النظام القائم عن طريق المساندة أو منافسته وإسقاطه بالتخندق في صف المعارضة، مشيرا الى أدبيات النشاط الحزبي تحجمها خمسة محاور وتتمثل في المحور الاقتصادي (برنامج)، الاجتماعي، الثقافي، الإيديولوجي والسياسي، بالإضافة الى العقيدة، موضحا أن الأحزاب في الجزائر لا يصعب تصنيفها وفق الأنسقة الخمس، في إشارة إلى أنها لم ترق بعد إلى مفهوم الحزب. وعن الانشقاقات الحاصلة داخل الأحزاب، قال الخالدي أنها تحصل حتى في الدول المتقدمة، مثل حزب الإتحاد من أجل الحركة الشعبية في فرنسا، حيث يتبادل المرشحان لخلافة ساركوزي التهم بالتزوير والمطالبة بإعادة الانتخاب الداخلي، أو اللجوء الى القضاء، واعتبر ما يحصل من حراك داخل الأحزاب في الجزائر ظاهرة إيجابية وطبيعية بل وصحية تؤشر على الانتقال للعمل والتنافس بالأفكار، وقال انها "تدخل ضمن الانتقال من سنوات الدم والجمر إلى سنوات تغلب عليها لغة الحوار"، حيث "تغلب لغة الحوار بعيدا عن الحواجز المزيفة والاغتيالات"، معتبرا تقديم أعضاء قياديين في الحزب المحل "الفيس" لشهاداتهم على الممارسات التي تمت في سنوات الأزمة الأمنية عينة حية على هذا التحول الإيجابي. . قال إنه همش النخبة في المواعيد الانتخابية، محمد الصغير قارة، يتهم: بلخادم يساند بوتفليقة بالمال القذر وجاء بألّد أعدائه الأمين العام مكّن أصحاب المال الفاسد للتحكم فيهم تحسبا للرئاسيات أكد، محمد الصغير قارة، الوزير والسفير الأسبق والقيادي في الحركة التقويمية لحزب الآفالان، أن الحزب العتيد كرس في عهدة عبد العزيز بلخادم تهميش النخبة والمثقفين في الهياكل القيادية ومن ثمة إبعادهم عن المعترك السياسي، وتغيبها في الاستحقاقات الانتخابية سواء التشريعية أو المحلية، واعتبر أن ذات المنطق انسحب على غالبية بقية الأحزاب، حيث نجم عن ذلك بروز مناضلين الى الواجهة دون انتماء سياسي أو قناعات فكرية وسياسية واضحة، وشجع ظاهرة التجوال السياسي من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار دون حرج. واتهم قارة الأمين العام للحزب العتيد بالإصرار على ارتكاب "انحرافات سياسية مالية وأخلاقية" رغم تكرار التنبيه والتحذير، مضيفا "هناك تعنت من الأمين العام يستهدف تغيير برنامج الجبهة والقانون الأساسي وتغيير التركيبة البشرية"، ورد قارة أن عدم استقالة بلخادم مقارنة بسرعة استقالة أحمد أويحيى من على رأس الأرندي، إلى مستوى وطبيعة الثقافة السياسية للشخص، والتي تحدد التقدير بين مصلحة الحزب من المصلحة الشخصية". وأوضح المتحدث أن " بلخادم، منذ قدومه سنة 2005، لا يفكر في الحزب وإنما في أجندة خاصة، وأن القضاء على التركيبة البشرية ممنهج لإبعاد كل المناضلين الحقيقيين لتحقيق أهداف خاصة، وأعطى الأولوية والأسبقية لرجال المال الفاسد، ومن هم مشكوك فيهم ويحتاجون لحماية، كما فتح الباب لمن لديهم قروض بنكية بالملايير تحسبا لرئاسيات 2014، كي يتمكن من التحكم فيهم وابتزازهم"، وأضاف أن بلخادم "جاء بألّد خصوم الرئيس بوتفليقة، ويقول بأنه يؤيد الرئيس من أجل الترشح لعهدة رابعة، فهل يؤيد الرئيس بالمال الفاسد؟". وعن العمل الخفي للسلطة وتورطها في تحريك مناضلين داخل أحزابهم للانقلاب عن القيادة، أوضح محمد الصغير قارة أن "المناضلين في حراك بسبب انحراف مسؤولي الأحزاب وعدم تطبيقهم لقوانين المؤسسة الحزبية التي ينتمون اليها، وهناك مسؤولو أحزاب لا يجهلون القانون الأساسي لحزبهم، ويستعملون آلياته لتثبيت هيمنتهم، بدل النظر الى روح وخلفية اعتماد الهياكل". وفي سياق شبهة وجود ايحاءات فوقية وراء الحراك، قال ان "الحركات التصحيحية يقوم بها من يؤمن بالتغيير والحراك الحقيقي الأيجابي، لمحاربة الفساد السياسي والمالي، غير أنه في غالب الأحيان يدعي بعض من يركبون قطارها أنهم تلقوا اتصالات من فوق ( السلطة) ليتبوأوا مناصب قيادية بعد تصحيح المسار، وهؤلاء يمثلون بطانة فاسدة لديها القدرة على التغيير كي تأكل في كل الموائد، وتندمج بسرعة في كل محيط تتواجد به، وهي في ذلك أجدى وأقوى من الحرباء"، ليصل الى أن مثل هذا السلوك يجهض تصحيح الأوضاع، وتظل دواعي التغيير قائمة، مشيرا إلى أن "الحراك في الأفالان بدأ مع عبد الحميد مهري ومن جاء مع مهري تبنى الحراك ثم كان قياديا في الواجهة، ونحن كنا في مواجهة ممثل شخصي لرئيس الجمهورية، وبطانة السوء دائما تطبل العمل"، معتبرا أن الحراك الحاصل حاليا طالت مدته نظرا لكبر الحزب وصعوبة التغيير، خلافا للأحزاب الأخرى، منها الأرندي، الذي توصل إلى الإطاحة بأويحيى. . أصداء: *استغل عز الدين جرافة "ندوة الشروق" للترويج لكتابه "الحركة الإسلامية في الجزائر.. مسيرة ومراجعات" من خلال تجربته في حركة النهضة بتقديم نسخ منه إلى الحضور، كان في كل تدخل يعود إليه، ويؤكد تعزيز أفكاره بالأدلة والحيثيات المبررة.. *ارتدى الهادي خالدي، السياسي والوزير والسيناتور، لباس الأستاذ المحاضر في علم الاقتصاد للتوطئة لموقفه مما يحدث في الجزائر من حراك سياسي، حيث رجع إلى مختلف تطورات الاقتصاد العالمي، معتبرا إياه سببا في كل ما يحدث في العالم، ومنه العالم العربي والجزائر تحديدا. *تحوّل بهو قاعة هيئة التحرير إلى فضاء التأمت فيه قيادات التقويميات في الأحزاب، وراحات تتبادل تجاربها وتتناصح فيما بينها، رغم أن أنانيات البعض وادعائه تزعم الحراك كاد يفسد الجو العام. *كاد بعض الحضور وإشادتهم بأحزابهم وإبراز دورها الإيجابي في الحياة السياسية، وخاصة محاربة الإرهاب، والحفاظ على الدولة الوطنية والجمهورية أن تعكر أجواء النقاش البَناء، وخاصة بين ممثلي الأرندي، الأفلان والإسلاميين. *تحوّلت الأزمة الأمنية التي مرت بها البلاد من نقمة إلى نعمة، حيث تقاطعت مداخلات مختلف الأطراف في اعتبارها مرجعا للعمل السياسي مستقبلا، وضرورة تجنب تكرار المأساة مهما كانت الطموحات، مؤكدين أن "الأزمة تلد الهمة".